مماطلة إسرائيلية بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

11 فبراير 2025
على شارع الرشيد، بين غزة والنصيرات، 10 فبراير 2025 (إياد البابا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعطيل المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بسبب عدم التزام الجانب الإسرائيلي بتنفيذ بنود الاتفاق، وتأجيل المقاومة الفلسطينية تسليم المحتجزين الإسرائيليين نتيجة الانتهاكات المستمرة.

- التأخير في المفاوضات يُعتبر تكتيكًا إسرائيليًا للضغط وابتزاز التنازلات، مما يعزز المخاوف الفلسطينية من تعطيل الاتفاق، خاصة مع تصريحات نتنياهو التي تشير إلى عدم التزامه الكامل.

- تواجه المفاوضات تحديات بسبب المطالب الإسرائيلية المتشددة، لكن الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة، قد تدفع الأطراف لاستئناف المفاوضات لتجنب عودة الحرب.

نص اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الموقع بين حركة حماس وإسرائيل، بوساطة قطرية ومصرية وأميركية، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، على انطلاق مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق في اليوم الـ16 لتنفيذ بنود المرحلة الأولى منه، أي الاثنين في الثالث من فبراير/ شباط الحالي. ورغم وضوح نص الاتفاق، إلا أن الجولة الثانية من المفاوضات لم تنطلق حتى الآن، وسط تعطيل إسرائيلي واضح لانطلاق هذه الجولة، وعدم إرسال وفد التفاوض المخوّل بحث هذه المرحلة باستثناء الوفد التقني الذي أرسل إلى الدوحة، لبحث تنفيذ بنود ما تبقى من المرحلة الأولى، التي بدأت في 19 يناير الماضي، ومدتها 42 يوماً.

من المفترض أن تنفّذ المرحلة الأولى على مدار 42 يوماً، تفرج خلالها المقاومة الفلسطينية عن 33 محتجزاً ومحتجزة، ضمن معايير خاصة اتُّفق عليها مسبقاً، مقابل الإفراج عن قرابة ألفي أسير وأسيرة فلسطينية، بالإضافة للانسحاب من محور نتساريم وفتح معبر رفح على الحدود مع مصر، وتدفق المساعدات الإغاثية ورفع الدمار وتأهيل المنشآت الحيوية وإدخال متطلبات الإيواء. انتهى النصف الأول من المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حتى الآن بتسليم 16 من الإسرائيليين والإسرائيليات من المحتجزين، مقابل الإفراج عن عشرات الأسرى والأسيرات الفلسطينيين، بالإضافة للانسحاب الإسرائيلي من محور نتساريم، وسط قطاع غزة، والسماح بعودة النازحين إلى شمال القطاع. وشهدت هذه المدة تعطيلاً إسرائيلياً واضحاً للبروتوكول الإنساني المتعلق بإدخال البيوت المتنقلة والخيام والوقود والمولدات الكهربائية وإعادة إعمار المستشفيات والمنشآت الحيوية، مثل آبار المياه وشبكات الصرف الصحي. وقدمت المقاومة الفلسطينية وحركة حماس عدداً كبيراً من الملاحظات على السلوك الإسرائيلي حول تنفيذ المرحلة الأولى، لا سيما مع تواصل الاختراقات الإسرائيلية بما في ذلك استهداف الفلسطينيين وقتلهم.

ورغم عدم إرسال الوفد الإسرائيلي المخول بحث المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة وصفقة التبادل، إلا أن الجانب الإسرائيلي ربط ذلك مع الزيارة الخاصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة التي وصل إليها الثلاثاء الماضي. من المرجح إرسال نتنياهو الوفد المخول التفاوض إلى الدوحة، مطلع الأسبوع المقبل، في أعقاب جلسة المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) التي ستعقد اليوم الثلاثاء، بالتزامن مع زيارة لمبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى المنطقة الأسبوع المقبل. رغم ذلك، فإن السلوك الإسرائيلي في تنفيذ بنود المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة عزز المخاوف الفلسطينية والعربية، بما في ذلك الوسطاء، من إمكانية تعطيل نتنياهو تنفيذ ما تبقى من الاتفاق، لا سيما من خلال تسريباته للإعلام، عدا عدم التزامه الكامل ببنود الاتفاق في مرحلته الأولى، إلى جانب تصريحات ترامب بشأن شراء القطاع وتهجير أهله.

بالمقابل أعلن أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، مساء أول من أمس الاثنين، تأجيل تسليم الدفعة السادسة من المحتجزين الإسرائيليين المقرر الإفراج عنهم، السبت المقبل، حتى إشعار آخر. وأوضح في سلسلة  منشورات على منصة تليغرام، أن قيادة المقاومة "راقبت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية انتهاكات العدو وعدم التزامه ببنود الاتفاق، من تأخير عودة النازحين إلى شمالي قطاع غزة، واستهدافهم بالقصف وإطلاق النار في مختلف مناطق القطاع، وعدم إدخال المواد الإغاثية بكافة أشكالها بحسب ما اتفق عليه، في حين نفذت المقاومة كل ما عليها من التزامات". وأضاف أنه "عليه سيتم تأجيل تسليم الأسرى الصهاينة الذين كان من المقرر الإفراج عنهم يوم السبت المقبل الموافق 15 فبراير/ شباط 2025، حتى إشعار آخر، ولحين التزام الاحتلال وتعويض استحقاق الأسابيع الماضية وبأثر رجعي". وتابع: "نؤكد على التزامنا ببنود الاتفاق ما التزم بها الاحتلال".

تعطيل المرحلة الأولى من الاتفاق

أكد مصدر قيادي في حركة حماس، طلب عدم ذكر هويته، أن "المرحلة الحالية تشهد تباطؤاً وتلكؤاً إسرائيليين واضحين في تنفيذ بنود الاتفاق بشكل عام، بما في ذلك انطلاق مفاوضات المرحلة الثانية" من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وقال لـ"العربي الجديد" إن الحركة "مستعدة للجولة الثانية" من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة "منذ مدة، وتنتظر إرسال الاحتلال الإسرائيلي وفدَه المفاوض للبدء في بحث شكل الاتفاق في مرحلته الثانية"، كما "نقلت للوسطاء هذا الأمر وضرورة إلزام الاحتلال ببنود الاتفاق". وحول موقف المقاومة الفلسطينية، أشار المصدر إلى أنها "تمتلك من الأوراق ما تضغط به على الاحتلال للالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق"، في إشارة إلى الجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة وعددهم نحو 80 محتجزاً. وشدّد على أن المقاومة "لا ترغب في عودة الحرب وتبحث عن استمرار تنفيذ الاتفاق وتحقيق الاستقرار للشعب الفلسطيني، بالإضافة لتنفيذ عملية الإنعاش المبكر وإعادة الإعمار بوتيرة سريعة".

سهيل الهندي: البروتوكول الإنساني يشهد تعطيلاً واضحاً من قبل الاحتلال 

من جهته، شدّد عضو المكتب السياسي لحركة حماس سهيل الهندي على أن البروتوكول الإنساني "يشهد تعطيلاً واضحاً من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما في ما يخص الإيواء المتعلق بالبيوت المتنقلة أو الخيام"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أنه "على صعيد الخيام، فقد بدأت بالدخول إلى القطاع بعد سلسلة من الاتصالات بالوسطاء". غير أن الأعداد، وفق الهندي، التي سمح لها بالوصول، "لا تساوي 50% من الأعداد المطلوب دخولها في الأيام الـ22 الأولى (حتى أول من أمس الأحد) من المرحلة الأولى للاتفاق"، وهو ما عّده "إخلالاً واضحاً بالاتفاق من قبل الاحتلال الإسرائيلي، عدا عدم إدخاله سوى أربع آليات ثقيلة فقط، وهي لا تكفي للتعامل مع الواقع في ظل الدمار الكبير". وحول الخدمات الأساسية للغزيين، لا سيما تأمين المياه، لفت إلى أن "ملف آبار المياه يعتبر من الملفات التي تحتاج إلى معالجة بالذات في مناطق شمالي القطاع، خصوصاً أن الاحتلال دمر غالبية الآبار تزامناً مع منع إدخال المعدات المطلوبة لاستخراج المياه".

وبينما شدد الهندي على أن الاحتلال "لم يلتزم بتنفيذ غالبية بنود البرتوكول الإنساني وهو ما يعكس طبيعته وسلوكه في المناورة وعدم الالتزام باتفاقياته المبرمة، ويتطلب تدخلات أكبر من الوسطاء ومراجعات سريعة"، نبّه إلى أن "لدى المقاومة الفلسطينية ما يمكنها من التعامل مع هذا السلوك الإسرائيلي في تعطيل تنفيذ بنود الاتفاق في مرحلته الأولى". وبالتالي، فإن المطلوب، بحسب الهندي، هو وقف هذه "المهزلة" والتزام الاحتلال بالبروتوكول الإنساني. وأوضح أن السلوك الإسرائيلي "يستهدف الحاضنة الشعبية في القطاع، ويحاول التنغيص على الفلسطينيين في القطاع بمنعهم من حقهم في الإيواء والعيش الكريم".

تكتيك إسرائيلي مألوف

اعتبر الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون أن التأخير في انطلاق الجولة الثانية للتفاوض بشأن استكمال وقف إطلاق النار في غزة وصفقة التبادل "يعكس تكتيكاً إسرائيلياً مألوفاً"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "الاحتلال يتظاهر بعدم الحماسة تجاه التهدئة بهدف ممارسة الابتزاز والضغط لانتزاع مزيد من التنازلات". وبشأن سلوك رئيس حكومة الاحتلال، قال المدهون إن "نتنياهو يواجه إحراجاً داخلياً، إذ يعتبر حلفاؤه في الحكومة أن وقف إطلاق النار والانسحاب من نتساريم هزيمةً واضحةً"، لذا "يسعى نتنياهو إلى إطالة أمد التفاوض لكسب الوقت وتهدئة شركائه المتشددين، فضلاً عن استخدامه (التفاوض) أداةَ ضغط على المقاومة الفلسطينية". وفي هذا الصدد، أشار إلى "الخلافات الداخلية الإسرائيلية حول مسار المفاوضات، إذ تتنافس المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية على فرض رؤاها، كما يحاول نتنياهو توجيه رسالة إلى الإدارة الأميركية مفادها أنه غير متحمس للاتفاق". وهدف نتنياهو من هذا السلوك هو "محاولة انتزاع مكاسب، سواء لتعزيز وضعه الداخلي أو للحصول على أسلحة وذخائر إضافية، فضلاً عن استخدامه الضغطَ في ملفات إقليمية مثل القضية الإيرانية".

إبراهيم المدهون: إسرائيل ترى في الصفقة اعترافاً بهزيمتها، لكنها رغم ذلك لا تسعى إلى إفشالها بالكامل

وبحسب المدهون، فإن "إسرائيل ترى في الصفقة اعترافاً بهزيمتها، لكنها رغم ذلك لا تسعى إلى إفشالها بالكامل، إذ إنها قدمت تنازلات كبيرة في القضايا الصعبة، مثل وقف إطلاق النار، وعودة النازحين، والانسحاب من نتساريم والمدن الفلسطينية". وباعتقاده، فإن "العودة إلى العدوان بحجمه السابق تبدو مستبعدة، خصوصاً أن الاحتلال بات يدرك صعوبة إعادة فرض سيناريو الإبادة الجماعية". ومع ذلك، "لا يُستبعد حدوث تصعيد محدود أو عمليات قصف، لكن استمرار الحرب بشكل واسع لم يعد خياراً سهلاً للإسرائيليين". أما حول موقف المقاومة، فأكد أنها "عازمة على إكمال المرحلة الأولى ولن تمنح الاحتلال أي مبرر للتنصل منها، إذ تمتلك أدوات الضغط التي تتمثل في صمودها وثباتها رغم الحرب الطويلة، بالإضافة إلى دعمها الشعبي الذي لا يزال يشكل حاضنة قوية". كما أن ورقة المحتجزين الإسرائيليين تظل، وفق المدهون، "ورقة تفاوضية بالغة الأهمية، إذ ما زال عشرات الجنود والمستوطنين بيد المقاومة، ما يشكل ضغطاً كبيراً على الحكومة الإسرائيلية". ووفقاً لإبراهيم المدهون، فإن فرص تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة "ستظل احتمالاً وارداً في حال تباطأت المفاوضات بشأن المرحلة الثانية، إذ قد تسعى بعض الأطراف إلى إطالة أمد التهدئة المؤقتة لتجنب العودة إلى الحرب". لكن المقاومة "تدرك أن الاحتلال قد يستخدم هذا التمديد وسيلة للتهرب من استحقاقات المرحلة التالية".

عودة إلى مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

بالمقابل، رجّح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة ناجي شراب عودة المفاوضات بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة واستئناف الجولة الثانية منها "مع حلول نهاية الأسبوع الحالي ومطلع الأسبوع المقبل، في ظل الرغبة الأميركية بعدم استئناف الحرب من جديد". وقال لـ"العربي الجديد" إن هناك "مطالب إسرائيلية يضعها الاحتلال في التفاوض، تتمثل في إنهاء حكم حماس ونزع سلاحها وفصائل المقاومة وعدم عودتها لإدارة القطاع، ما قد يجعل من المفاوضات أمراً صعباً"، موضحاً أن "التصلب في الموقف التفاوضي قد يكون نابعاً من الشروط التي تحدث عنها ترامب بشأن شراء قطاع غزة وتهجير أهله والسيطرة الكاملة عليه، ما يؤدي إلى التصلب في الموقف التفاوضي الإسرائيلي". وبرأي ناجي شراب، فإن مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة "عملية ابتزاز سياسي من قبل الاحتلال الإسرائيلي لحركة حماس عبر محاولة إخلاء (تسليم) كل المحتجزين الإسرائيليين التي تعتبر ورقة ترغب حكومة نتنياهو في انتزاعها من المقاومة الفلسطينية لتصبح بلا ضغوط حال قررت العودة إلى الحرب".

ناجي شراب:  هناك ملفات مهمة لدى واشنطن مثل الحرب الروسية الأوكرانية والتطبيع

بالمقابل، فإن الاحتلال "يمكنه العودة إلى الحرب في أي وقت من الأوقات حتى بعد المفاوضات، وهو ما يجعلها مفاوضات صعبة، إلا أن ذلك يصطدم برغبة أميركية بعدم العودة إلى الحرب لرغبتها في تجنب أي تداعيات إقليمية أو دولية". وحول دوافع واشنطن لعدم العودة إلى الحرب، أشار إلى أن هناك "ملفات ذات أهمية كبيرة، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن رغبة ترامب في التطبيع السعودي – الإسرائيلي واستكمال صفقات أبراهام، وهي عوامل مهمة تجعل الرئيس الأميركي راغباً في هذا الأمر على حساب عودة الحرب وتجددها في غزة". ونبّه إلى أن "الظروف التفاوضية لا تخدم حركة حماس كثيراً وهي تتعامل بسلوك تفاوضي يقوم على تبني استراتيجية واقعية خلال الفترة الراهنة، ما يجعل فرضية استكمال المفاوضات مرتفعة".