ملفات ضاغطة تنتظر الحكومة السورية المقبلة

16 فبراير 2025
سوريون خلال عودتهم إلى حمص، 10 فبراير 2025 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ينتظر السوريون تشكيل حكومة انتقالية في مارس المقبل، تهدف إلى معالجة القضايا المعيشية والاقتصادية، وكتابة دستور جديد، مع تمثيل واسع للقوى السياسية والمجتمعية لتعزيز الأمن والاستقرار.
- دعا أحمد العسراوي إلى حكومة "تكنوقراط" تضم خبراء، مع التركيز على رفع العقوبات، وحل مشكلات الطاقة، وتفعيل المؤسسات الحكومية، وإعادة بناء الحياة السياسية.
- تواجه الحكومة تحديات كبيرة، منها فرض سيادة الدولة، تحسين الأوضاع المعيشية، توفير بيئة لعودة اللاجئين، وتبديد مخاوف الأقليات، مع التركيز على الاقتصاد والبنية التحتية.

ينتظر السوريون منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي تشكيل حكومة متنوعة تقود المرحلة الانتقالية في البلاد وتعمل على معالجة الملفات الضاغطة على السوريين، ولا سيما المعيشية والاقتصادية، وتشرف على كتابة دستور جديد للبلاد تجري على أساسه الانتخابات المنتظرة. ويبدو أن الإدارة الحالية تعمل على تشكيل هذه الحكومة السورية التي قال وزير الخارجية أسعد الشيباني، أمام ممثلي الجالية السورية في فرنسا الجمعة الماضي، إنها سترى النور مطلع مارس/آذار المقبل وستكون "مفاجأة" للسوريين.

وكانت الإدارة الجديدة في البلاد كلفت حكومة جلّ أعضائها من حكومة الإنقاذ التي كانت تدير الشمال الغربي من سورية قبل الثامن من ديسمبر الماضي، بتسيير الأعمال في الوزارات والمؤسسات الرسمية إلى حين تشكيل حكومة تقود مرحلة انتقالية، من المتوقع أن تستمر عدة سنوات. ومن المؤمل لدى الشارع السياسي السوري انفتاح الإدارة على مختلف القوى السياسية والمجتمعية في البلاد لتشكيل حكومة متوازنة، تضم تمثيلاً واسعاً لكل مكونات البلاد السياسية والمذهبية، وهو ما يؤسس لمرحلة انتقالية جادة وناضجة تتخللها كتابة دستور دائم للبلاد. كما ينتظر السوريون حكومة توافقية تدفع باتجاه ترسيخ الأمن والاستقرار وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وتؤدي دوراً في رفع العقوبات الاقتصادية التي ما تزال مفروضة، والتي تعطل أغلب نواحي الحياة في البلاد.

دعا أحمد العسراوي إلى تشكيل حكومة "تكنوقراط" من مالكي الخبرة والكفاءة والإمكانات

الحكومة السورية من التكنوقراط

ودعا أحمد العسراوي، وهو قيادي في "هيئة التنسيق الوطنية" التي تضم عدة أحزاب، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى تشكيل حكومة "تكنوقراط" من "مالكي الخبرة والكفاءة والإمكانات كل وفق المهمة المكلف بها". وطالب بأن يُعطى الوزراء في الحكومة السورية المقبلة الصلاحيات المناسبة للقيام بمهماتهم، متوقعاً أن تمثل الحكومة السورية المنتظرة كل مكونات البلاد.
وكانت القوى السياسية في البلاد تأمل أن تكون الحكومة السورية المقبلة نتيجة مؤتمر وطني يناقش كل مفاصل الحياة في البلاد، إلا أن الإدارة الجديدة وجدت أن الظروف لم تكن مناسبة لعقد المؤتمر خلال المدد الزمنية المطلوبة، في ظل تباين عميق في الرؤى حول شكل ومضامين المرحلة الانتقالية فضلاً عن الأولويات. وعيّنت الرئاسة السورية لجنة تحضيرية لعقد المؤتمر، ولكن من المتوقع أن تستغرق وقتاً حتى تنتهي من الإعداد لهذا المؤتمر الذي أثار خلافات في الشارع السوري قبيل انعقاده.

الباحث السياسي حازم نهار توقع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يكون الوزراء في الحكومة السورية المقبلة "بحسب ما رشح عن السلطة الحالية من الخبراء ومن انتماءات مختلفة"، مضيفاً: "لكن تقديري وفقاً لأداء السلطة ستكون الحكومة السورية الجديدة خاضعة لرؤيتها وتقديراتها، وستحتفظ بالضرورة بالحقائب السيادية (الدفاع، الخارجية، المالية) فضلاً عن منصب رئيس الوزراء"، معتبراً أنه كان يفضل لمصلحة سورية والسلطة الحاكمة أن تكون الحكومة السورية الجديدة جاءت نتيجة لمؤتمر وطني. وعن أبرز الملفات التي ستكون على طاولة الحكومة السورية المقبلة، رأى نهار أن "أهم الملفات من وجهة نظر السلطة العمل على رفع العقوبات الاقتصادية والعمل على حلول سريعة لمشكلة الطاقة والكهرباء، وتفعيل المؤسسات الحكومية واستكمال بناء الجيش والجهاز الأمني وحل المشكلة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرقي البلاد". وبرأيه "يفترض أن يضاف إلى ما سبق إعادة بناء الحياة السياسية على أسس جديدة، لأن هذا الأمر شرط رئيسي للتقدم في بقية الحقول سالفة الذكر"، مضيفاً: "يجب إشراك السوريين في بناء مستقبل بلدهم على مقاس سورية والشعب وليس على مقاس أي سلطة".

تحفظات كردية على "لجنة الحوار"

إلى ذلك، لم تتضح بعد معالم مشاركة الجانب الكردي في الحكومة السورية المقبلة، في ظل عدم التوصل إلى تفاهمات بين الحكومة الحالية وقوات سوريا الديمقراطية حول مصير الشمال الشرقي من البلاد، والذي يضم الجانب الأكبر من الثروات، التي تحتاج إليها الحكومة المقبلة لحل الكثير من الأزمات، خاصة في مجالي الطاقة والمحروقات. وأبدت أغلب القوى السياسية الكردية، بما فيها المجلس الوطني الكردي، تحفظاً على اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في سورية، متهمة الإدارة الحالية بـ"الإقصاء". من جانبها، أكدت اللجنة، بُعيد الإعلان عنها الخميس الماضي، أنه لن تتم دعوة "قسد" إلى مؤتمر الحوار الوطني، كونها لا تمثل جميع سكان المنطقة الشرقية من البلاد، لذا من المتوقع استبعادها من الحكومة المقبلة.

زيدون الزعبي: على الإدارة الجديدة شمل التيارات السياسية والاجتماعية ما أمكن في الحكومة

وأمام الحكومة السورية المقبلة العديد من المهمات، خاصة لجهة فرض سيادة الدولة على كامل الجغرافيا، حيث لا تزال العديد من المناطق خارج قرار دمشق، خاصة العسكري والأمني، وهو ما يلقي بظلاله على مجمل الأوضاع في البلاد المنهكة والتي تواجه تحديات جساماً. والمطلوب من الحكومة المقبلة معالجة مسألة الطاقة الكهربائية التي تتوفر اليوم بالحدود الدنيا، وهو ما يقف عائقاً أمام عودة رجال الأعمال والمستثمرين السوريين الذين كانوا تركوا البلاد خلال سنوات الحرب وانتقلوا إلى دول الجوار السوري. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن أكثر من ربع السكان يعيشون في فقر مدقع، أي أقل من 1.25 دولار في اليوم، لذا يأمل السوريون من الحكومة المقبلة إيلاء الملفين الاقتصادي والمعيشي الأولوية، وردم الفجوة بين مستوى الدخل ومتطلبات الحياة المعيشية. وما يزال راتب الموظف في البلاد لا يتعدى الـ30 دولاراً أميركياً في الشهر، في ظل ارتفاع يُوصف بـ"الجنوني" بأسعار المواد الغذائية.

وعلى الحكومة السورية المقبلة توفير البيئة المناسبة لعودة ملايين السوريين اللاجئين في مختلف أنحاء العالم، خاصة أولئك الموجودين في دول الجوار، حيث من المتوقع عودة أعداد كبيرة منهم في الصيف المقبل. كما أن عليها تبديد المخاوف والهواجس لدى الأقليات في البلاد، والتي تفجّر أغلبها بعد سقوط نظام الأسد المخلوع، خاصة لدى السكان في السويداء والساحل السوري وأقصى الشمال الشرقي من البلاد. من جهته، رأى الخبير في مجالات الحوكمة زيدون الزعبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن على الإدارة الجديدة شمل التيارات السياسية والاجتماعية "ما أمكن" في الحكومة المقبلة مطلع مارس المقبل. وبرأيه يجب أن تكون الحكومة المقبلة "تكنوقراط"، مضيفاً: "لأنه سيكون عليها عبء كبير في مسألتين، الأولى الاقتصاد والبنية التحتية، والثانية السلم الأهلي. شمل التيارات كافة يساعد في مسألة السلم الأهلي، والتكنوقراط يساعد في رفع مستوى أداء الحكومة المقبلة".