ملامح خطة السلطة الليبية الجديدة لحلحلة الملفات العالقة

ملامح خطة السلطة الليبية الجديدة لحلحلة الملفات العالقة

26 مارس 2021
يجري المنفي زيارة لأنقرة للقاء المسؤولين الأتراك (تويتر)
+ الخط -

يواصل قادة السلطة الجديدة في ليبيا جهودهم في طريق حلحلة القضايا والملفات العالقة والشائكة التي تراكمت بفعل أزمة البلاد طيلة عشر سنوات، منها ست سنوات عاشت فيها انقساماً سياسياً وأمنياً حاداً، ويرى مراقبون للشأن في ليبيا أن اتجاه تحركات القادة الجدد يكشف الملامح الأولى لسياساتهم لقيادة المرحلة.

وبعدما أنهى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي زيارتين لباريس والقاهرة، يجري زيارة ثالثة لأنقرة للقاء المسؤولين الأتراك، في وقت استقبلت حكومة الوحدة الوطنية، أمس الخميس، وفداً أوروبياً مكوناً من ثلاثة وزراء خارجية هم الألماني هايكو ماس، والفرنسي جان إيف لودريان، والإيطالي لويجي دي مايو.

وبحسب دبلوماسي ليبي رفيع، فإن زيارات المنفي إلى باريس والقاهرة ثم أنقرة، تتمحور حول كيفية استثماره تغيّر مواقف أهم الدول المتصلة بالملف الليبي، مشيراً إلى أن المنفي وشركاءه في السلطة الجديدة يرغبون في استثمار رغبة هذه الدول في فتح قنوات اتصال جديدة في ظل الوضع السياسي الليبي الراهن الذي أفضى لتراجع تأثير الأطراف الليبية السابقة التي تسببت في تضارب مصالح عدد من الدول الخارجية.

وفيما ينتظر أن يرتب المنفي والدبيبة موعداً لزيارة موسكو، يؤكد الدبلوماسي الليبي الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أن المنفي سيجري مشاورات مهمة في أنقرة في الملف الأمني على ضوء النتائج الإيجابية لزيارته الأخيرة لباريس والقاهرة، حيث أبلغ العاصمتين الأخيرتين بإصرار المجلس الرئاسي وحكومته على إنهاء الإشكال في الملف الأمني والعسكري وعلى رأسه الوجود التركي والروسي.

ويقول إن "المنفي سيناقش بشكل مباشر مع الجانب التركي وضع الاتفاق الأمني، وأنه وشركاءه في السلطة الجديدة راغبون في تجميد كل الاتفاقات الأمنية الموقعة مع العديد من الدول في الفترة الحالية مع الاحتفاظ بالاتفاقات الاقتصادية ومن بينها الاتفاق البحري الموقع مع تركيا".

ويضيف الدبلوماسي الليبي أن ذات الاتجاه ستُنتجه السلطة الجديدة مع روسيا، من خلال ضمان مصالحها الاقتصادية في ليبيا مقابل إخلائها للتمركزات التي يشغلها مقاتلو "فاغنر" في ليبيا، مؤكداً أن الرؤية التي تتبناها السلطة الجديدة في الملف الأمني تقوم على أساس إقناع كلّ المتدخلين في الملف الليبي بضمان مصالحهم في البلاد، لا سيما الاقتصادية منها، مقابل المساعدة في حلحلة الملف العسكري والأمني، خصوصاً ما يتعلق بالمقاتلين الأجانب والمرتزقة.

وفي اتجاه الداخل، يؤكد الدبلوماسي أن لدى المنفي رؤية خاصة بموقف السلطة الجديدة من اللواء المتقاعد خليفة حفتر، موضحاً أن "حفتر قَبِل بعرض يتلخص في اختياره لشخصية عسكرية من جانبه لشغل حقيبة الدفاع بالحكومة، مقابل قبوله بخضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية"، وهي اتجاهات ترسم بوضوح ملامح عمل السلطة الجديدة، بحسب رأي الصحافي الليبي سالم الورفلي، فالمجلس الرئاسي بقيادة المنفي يتبنى الملف الأمني والعسكري، أما الحكومة بقيادة الدبيبة فتعمل على الملف الاقتصادي، خصوصاً وأن تصريحات الأخير ولقاءاته تتركز في معظمها على مناقشة عودة الشركات الأجنبية إلى البلاد.

وفيما يرى، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنها اتجاهات سياسية قد يكتب لها النجاح إذا تمكنت من تجاوز الأطراف المعرقلة، يوضح أن المسارين العسكري والاقتصادي في أزمة البلاد متشابكان، فـ"كل الدول المتدخلة في ليبيا لديها مصالح اقتصادية أسّست عليها مواقفها السابقة"، ويضرب أمثلة بالاتفاق الأمني التركي الموقع مع حكومة "الوفاق"، كونه جاء لضمان استمرار الاتفاق البحري المتصل بمواقع الطاقة في شرق المتوسط، كما أنه في الطرف المقابل توجد روسيا التي انخرطت في ليبيا عسكرياً بشكل غير مباشر، وهي الأخرى معنية بملف الغاز.

ويتابع: "كذلك أوروبا والدول الجارة لليبيا، مع اختلاف الموقف المصري، فليبيا تمثل أيضاً مجالاً استراتيجياً وأمنياً لمصر"، مشيراً إلى أن تغيّر موقف الأخيرة جاء بسبب تغيّر الأوضاع في البلاد وتوحد الحكومة، ما حدا بها إلى السعي بحثاً عن قدم راسخة لها في طرابلس.

ويلفت الورفلي إلى أن زيارات قادة طرابلس تتمحور حول البحث عن حلول للملف الأمني والعسكري في مستوى التدخل الخارجي، بينما تهدف زيارات مسؤولين كبار كالرئيس التونسي ووزراء فرنسا وإيطاليا وألمانيا إلى البحث عن مكان في عملية إعمار ليبيا. وقال: "صرح دي مايو ولودريان بوضوح عن ذلك إثر انتهاء زيارتهما لليبيا أمس، كما أن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل طلب بشكل مباشر من رئيس الحكومة الدبيبة أن يكون لأوروبا مكان في إعادة إعمار ليبيا".

لكن أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات الليبية محمد الكزه، وإن كان يوافق على أن سياسة السلطة الجديدة بدت واضحة الملامح في السير في اتجاهين أمني واقتصادي، إلا أنه يرى أن الحكم على نجاحها أو عدمه "لا يزال مبكراً"، وقال: "ما حدث حتى الآن مجرد زيارات لم تتبين نتائجها كما أننا لم نتعرف على موقف عاصمة مهمة تقف مقابل كل العواصم الأخرى وهي موسكو".

وفيما يتساءل الأكاديمي الليبي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، "ما الذي يملكه قادة ليبيا الجدد لتغيير الموقف الروسي؟"، يشير إلى أن موسكو هي التي رعت مشاورات جرت في السابق بين حليفها حفتر وبين حكومة "الوفاق" في سوتشي الروسية، في سبتمبر/أيلول الماضي، قائلاً: "النفط والغاز الليبيان المهمان بالنسبة لواشنطن وأوروبا هما أيضاً مهمان لموسكو أكثر من عملية إعادة إعمار ليبيا التي قد تُعرَض عليها المشاركة فيها"، مؤكداً أن سياستها الثنائية في ليبيا، بتعاملها بشكل رسمي مع أي سلطة في ليبيا من جانب، ودعمها لأطراف متمردة مثل حفتر أو أنصار النظام السابق من جانب، ستحولها إلى عقبة كؤود في طريق التسوية الحالية في ليبيا.

المساهمون