ملامح المرحلة الانتقالية من تسريبات الإعلان الدستوري السوري

04 مارس 2025
الشرع مستقبلاً أعضاء لجنة الإعلان الدستوري السوري، مساء الأحد (سانا)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تم تشكيل لجنة لصياغة مسودة الإعلان الدستوري المؤقت في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، لتنظيم المرحلة الانتقالية التي قد تستغرق ثلاث إلى أربع سنوات، بهدف إعداد دستور دائم يخضع لاستفتاء شعبي.

- تتضمن المسودة حوالي 48 إلى 50 مادة، تمنح رئيس الجمهورية منصب القائد الأعلى للجيش وسلطة تعيين مجلس تشريعي مؤقت، وتفتح الباب لتشكيل أحزاب سياسية، مستلهمة من دساتير وتجارب دولية مشابهة.

- يركز الإعلان الدستوري على مبدأ المواطنة وحقوق الإنسان، مع التأكيد على الحريات العامة، وفصل السلطات، ومعالجة الانتهاكات السابقة، وضمان المساواة والحرية والكرامة للجميع.

شرعت لجنة شكلتها الرئاسة السورية في العمل على كتابة مسودة الإعلان الدستوري السوري الناظم للمرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، في خطوة لملء الفراغ القانوني والدستوري الذي خلّفه سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وإيقاف العمل في الدستور الذي كان وضعه هذا النظام. وأناط القرار بهذه اللجنة مهمة صياغة مسودة الإعلان الدستوري السوري الناظم للمرحلة الانتقالية في سورية، ورفعها إلى رئيس الجمهورية أحمد الشرع. والدستور الذي ستنتجه هذه اللجنة هو دستور مؤقت خلال المرحلة الانتقالية التي ستستغرق بين ثلاث إلى أربع سنوات بحسب تصريحات الشرع، ريثما يتم تشكيل لجنة لصياغة دستور دائم للبلاد يخضع لاستفتاء شعبي، بينما الدستور المؤقت هو الدستور الذي سيعتمد لتشكيل أرضية دستورية وقانونية للقرارات التي ستتخذ خلال المرحلة الانتقالية. وعلى الرغم من قرار اللجنة بعدم الحديث إلى وسائل الإعلام، وفق ما أكد عدد من أعضائها لـ"العربي الجديد"، إلا أن بعض المصادر المقربة من الإدارة الجديدة كشف أن العمل على مسودة الإعلان الدستوري السوري التي ستعرض على الشرع "لن تتأخر" في الصدور "بسبب الحاجة إلى وثيقة قانونية ناظمة للمرحلة الانتقالية". ورجّحت هذه المصادر أن تكون المسودة جاهزة خلال أقل من أسبوع، مشيرة إلى أن المسودة ستحدد الملامح الرئيسية للدولة والعلاقة بين السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، القضائية).


مصادر مقربة من اللجنة: المسودة ستتضمن نحو 50 مادة

مسودة الإعلان الدستوري السوري

وكشفت مصادر مقربة من اللجنة لـ"العربي الجديد" أن المسودة ستتضمن 48 أو 50 مادة، تمنح الشرع منصب القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، وسلطة تعيين مجلس تشريعي لمدة عامين مؤلف من مائة شخصية خلال شهرين من تاريخ صدور الإعلان الدستوري السوري على أن يراعي هذا المجلس "التمثيل العادل للمكونات والكفاءة". كما يشترط الإعلان الدستوري السوري أن يكون رئيس الجمهورية مسلماً، وفق المصادر، التي أكدت أن الإعلان "سيفتح الباب أمام تشكيل أحزاب على أسس وطنية، وفق قانون سيصدر لاحقاً". وفي لقاء مع "تلفزيون سوريا"، قال عضو اللجنة إسماعيل خلفان، إنه "سيكون هناك اطّلاع على الدساتير السابقة، ولا سيما دستور 1950، الذي يُوصف بأنه أفضل الدساتير التي مرت على سورية"، مضيفاً "سنطّلع على بعض التجارب في دول واجهت ظروفاً مشابهة، مثل التجربتين التونسية والعراقية". وأضاف: "سيتم العمل على صياغة الإعلان الدستوري السوري بما يعكس تطلعات الشعب السوري ويلبّي احتياجاته في هذه المرحلة". ومن المتوقع أن تُشكَّل الحكومة الانتقالية المنتظرة بناء على الإعلان الدستوري السوري المؤقت. وكانت الإدارة الجديدة قد أوقفت في يناير/كانون الثاني الماضي العمل بالدستور الذي وضعه نظام بشار الأسد عام 2012، والذي فُصّل على مقاسه ومنحه سلطات مطلقة لإدارة البلاد، كما حلت البرلمان وهو ما أدخل البلاد في حالة من الفراغ الدستوري. وضمت لجنة صياغة الإعلان الدستوري السوري عدداً من الخبراء القانونيين السوريين، ما خلق آمالاً بصدور إعلان دستوري يُرضي السواد الأعظم من السوريين.

ونقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" أمس عن اللجنة القانونية لصياغة الإعلان الدستوري، أن "الإعلان الدستوري يستمد مشروعيته من مؤتمر الحوار الوطني ومؤتمر النصر، حيث توافقت مختلف مكونات الشعب السوري على ضرورة وجود إطار قانوني ينظم المرحلة الانتقالية ويحدد أسس الحكم ويضمن الحقوق والحريات". وأضافت أن هذا الإعلان "هو وثيقة قانونية تهدف إلى إدارة المرحلة الانتقالية في سورية، حيث يحدد صلاحيات السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)". وتابعت: "يضع الإعلان الدستوري الأسس العامة لنظام الحكم بما يضمن مرونة وكفاءة إدارة الدولة خلال هذه الفترة الحساسة، للحفاظ على وحدة البلاد سياسياً واجتماعياً وسلامة أراضيها".

وضمت اللجنة ريعان كحيلان وهي رئيسة قسم القانون العام في كلية الحقوق بجامعة دمشق، وبهية مارديني وهي كاتبة وإعلامية سورية حاصلة على الدكتوراه في القانون وماجستير في القانون الدولي من جامعة نورثامبتون في بريطانيا. كذلك، ضمّت اللجنة عبد الحميد العواك وهو دكتور في القانون الدستوري في جامعة ماردين آرتوكلو التركية، ومستشار قانوني لدى "وحدة دعم الاستقرار" (منظمة مجتمع مدني تعمل في شمال سورية)، ومتحدر من محافظة الحسكة، وياسر الحويش وهو أستاذ في قسم القانون الدولي والعلاقات الدولية وعميد كلية الحقوق بجامعة دمشق، ومتخصص في القانون الدولي الاقتصادي، ومتحدر من بلدة العشارة التابعة لمنطقة الميادين في محافظة دير الزور، إضافة إلى إسماعيل خلفان وهو أستاذ في القانون الدولي وعميد كلية الحقوق بجامعة حلب.

كما ضمت محمد رضى جلخي وهو عميد كلية العلوم السياسية في دمشق، وعضو اللجنة المكلفة بتسيير أعمال الجامعة، وباحث مشرف في "المركز السوري للدراسات الاستراتيجية"، وحاصل على دكتوراه في القانون الدولي من جامعة إدلب. كذلك، ضمّت اللجنة أحمد قربي الذي يشغل منصب مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري، وحائز على الدكتوراه في القانون العام من جامعة حلب، واعتمادية المعهد العالي للحقوق في الشرق الأوسط، وعمل في السابق مدرساً في كلية الحقوق بـ"جامعة حلب الحرة".

وأوضح القانوني عبد الناصر حوشان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإعلان الدستوري السوري وثيقة قانونية تنظم أعمال المرحلة الانتقالية من الحكومة القانونية الواقعية (حكومة الثورة)، إلى الدولة الدستورية". وتابع: "الإعلان الدستوري يكون مقتضباً تحدد فيه المضامين الدستورية الرئيسة من دون التطرق إلى شكل نظام الحكم والقضايا التفصيلية، كما ينظم أحكام مقام رئاسة الجمهورية الانتقالية والحكومة الانتقالية والبرلمان المؤقت". وأوضح أن الغاية من الإعلان الدستوري هي "سد الفراغ الدستوري بعد إعلان إلغاء العمل بالدستور وحل الحكومة والبرلمان والأحزاب في العهد البائد". وعرفت سورية منذ عام 1920 العديد من الدساتير، إلا أن دستور عام 1950 يعد الأفضل لأن جمعية تأسيسية منتخبة كتبته بعد نقاش مستفيض، شارك فيه أبرز رجال السياسة والقانون في ذلك العام.


غزوان قرنفل: لا يمكن الحديث عن إقرار لمبدأ المواطنة بالإعلان الدستوري ثم نقضه

مبدأ المواطنة في الإعلان الدستوري

وتعليقاً على بدء صياغة الإعلان الدستوري، طالب المستشار القانوني السوري غزوان قرنفل، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن يكون "مبدأ المواطنة العمود الفقري سواء للإعلان الدستوري المؤقت أو حتى للدستور الدائم مستقبلاً"، مضيفاً: "هذا المبدأ متفق عليه بين السوريين بإقرار الشرع نفسه في أحد تصريحاته". وتابع: "من ثم، فإنّ المواد الأخرى كافة يجب أن تكون حساسة لهذا المبدأ وخاضعة له، لذا لا يمكن الحديث عن إقرار لمبدأ المواطنة بالإعلان الدستوري ثم نقضه بمادة تقول إن الرئيس يجب أن يكون مسلماً؟ لأنك هنا انتهكت مبدأ التساوي في حقوق المواطنة، ولا يمكن أيضاً الإقرار بمبدأ تكافؤ الفرص في تولي الوظائف العامة ثم تنتهك النص بنص دين رئيس الدولة". وأشار قرنفل إلى أن "الإعلان الدستوري أو حتى الدستور يكتب ليعبر عن حقوق كل السوريين وليس لتجزئة الحقوق بعضها للمسلم والباقي يتشارك فيها المسلم مع الآخرين. هذا الاستئثار والتفرد يناقض مبدأ المواطنة"، مضيفاً: "تستطيع أن تلبي حقوق ومطالب السوريين على مختلف انتماءاتهم عندما تقر للجميع بحقوق متساوية". وتابع: "يجب التنويه إلى أهمية التركيز على الحريات العامة وحمايتها. هذه مسألة جوهرية في كل دستور".

في السياق، أوضح أستاذ القانون الدولي محمد خالد الشاكر، لـ"العربي الجديد"، أن الإعلان الدستوري "يجب أن يتضمن مقدمة توضح الهدف منه، ليأتي بعدها بند المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي، مثل سيادة القانون وفصل السلطات وتنظيمها، وآليات تصميم، وتنظيم، وبناء السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية". وأضاف: "الإعلان الدستوري يوزع الاختصاصات والصلاحيات بين السلطات الثلاث، بما يضمن تحقيق حالة من التوازن والتعاون الوظيفي، في إطار ما يُعرف بنظام الكوابح والتوازن الذي يحول من دون تغوّل سلطة على أخرى". ورأى أن "مسودة الإعلان الدستوري في سورية تحتاج التركيز على محورية ما عاناه السوريون من انتهاك للحقوق الطبيعية كالحق في الحياة، الحرية، والكرامة، والمساواة من دون تمييز، وحرية التعبير، وغير ذلك من الحقوق الطبيعية". وبيّن أن أهمية الإعلان الدستوري "تتأتى من كونه المقدمة والوثيقة المرجعية للدستور المؤقت قبل عرضه على الاستفتاء العام ليصبح دائماً".