ملامح اتفاق على حكومة جديدة في ليبيا

ملامح اتفاق على حكومة جديدة في ليبيا

07 اغسطس 2022
مصير الحكومة الليبية رهينة الأيام المقبلة(محمود تركيا/فرانس برس)
+ الخط -

طفا على سطح المشهد السياسي في ليبيا، خلال الفترة الماضية، مقترح إنهاء الحكومتين المتصارعتين، حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا، وتشكيل ثالثة بديلة. 

وكشفت مصادر ليبية متطابقة، النقاب اليوم الأحد لـ"العربي الجديد"، عن وجود أكثر من مقترح لتشكيل حكومة ثالثة، لكنها أكدت أنه لم يحسم بعد الموقف من أي من المقترحات. 

وتسربت وسائل إعلام ليبية، خلال الأيام الماضية، بشأن اتفاق رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، خلال لقائهما على هامش زيارة صالح لأنقرة، على تشكيل حكومة ثالثة، وأن المشري قدم مقترحاً لصالح، والأخير قبل به، دون أي تفاصيل أخرى. 

وعلى الرغم من أن مكتب صالح الإعلامي نفى، الخميس الماضي، وجود أي نية لتكليف حكومة جديدة، تعليقاً على الأنباء المتداولة، وقال إن رئيس مجلس النواب "لم يقبل بأي عرض لتشكيل حكومة جديدة"، وأن حكومة باشاغا "هي الحكومة الشرعية والقانونية في ليبيا، والتي جاءت بالتوافق الليبي الليبي بين مجلسي النواب والدولة"، إلا أن المصادر ذاتها، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أكدت تداول لقاء صالح المشري مقترحاً حول تشكيل حكومة ثالثة. 

حكومة ثالثة بديلة

وحول نفي مكتب صالح الإعلامي قبوله بأي عرض لتشكيل حكومة ثالثة، أوضح أحد المصادر، وهو مصدر برلماني، أن تشبت صالح بباشاغا وحكومته جاء لتأكيد موقفه الذي صرّح به للمشري، وهو أنه لن يدعو مجلس النواب للتنازل عن حكومة باشاغا إلا إذا كان التوافق نهائياً وثابتاً مع المجلس الأعلى للدولة بشأن حكومة ثالثة، مؤكداً في الوقت نفسه تداول صالح مع المشري مقترحاً لتشكيل حكومة ثالثة بديلة من حكومتي باشاغا والدبيبة. 

وبيّن المصدر أن تجاوب صالح مع أي مقترح يذهب لتشكيل حكومة ثالثة سببه "انزعاجه الكبير من ذهاب اللواء المتقاعد خليفة حفتر لعقد صفقة مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة برعاية إماراتية"، لكن صالح في الوقت ذاته لا يريد التفريط بورقة باشاغا بسهولة. 

وحول المقترح الذي جرى تداوله بين صالح والمشري في أنقرة، اتفقت معلومات المصادر في أن ملخصه تكليف عضو المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، تشكيل حكومة مصغرة بالتنسيق بين مجلسي النواب والدولة. 

وعلى الرغم من تداول هذا المقترح بينهما في أنقرة، إلا أن المصادر أكدت أن الجانب التركي لم يتدخل في تفاصيله، باستثناء تشديده على ضرورة حسم الاتفاق على إطار دستوري للانتخابات بهدف إجرائها في وقت محدد، مشيرة إلى مقترح تركي في هذا الصدد يقضي بتشكيل لجنة ليبية على غرار لجنة الحوار السياسي التي شكلتها البعثة الأممية في السابق، ومهمتها حسم النقاط الخلافية في المسار الدستوري الذي توقف عند مداولات اللجنة الدستورية في القاهرة، يونيو/حزيران الماضي، على ألّا يحتكر المجلسان عضوية اللجنة الجديدة، وأن تضم أيضاً شخصيات ليبية من أطياف سياسية ومجتمعية مستقلة. 

وعرف اللافي، وهو شخصية سياسية تميل إلى السياسات التركية في ليبيا، كذلك فإنه مقرب من المشري، وينحدر من مدينة الزاوية التي ينحدر منها المشري، بزياراته العديدة لصالح في شرق البلاد، وهو شارك في الاجتماع المغلق الذي جمع صالح بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء الماضي. 

وعقب الاجتماع، قال اللافي: "التقينا اليوم في أنقرة الرئيس أردوغان، بحضور رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، تناولنا التطورات السياسية، واتفقت وجهات النظر على الحفاظ على وحدة ليبيا، والإسراع في إجراء الانتخابات من خلال التشريعات اللازمة، عبر حكومة واحدة قوية، وتأكيد استبعاد الحل العسكري"، بحسب تغريدة على حسابه. 

سيناريو تمكين حكومة باشاغا 

لكن معلومات المصادر كشفت عن وجود مقترح آخر يتعلق بتمكين باشاغا من تسلم الحكومة في طرابلس، بعد إجراء تعديل وزاري على تشكيلته الحكومية يسمح للمجاميع المسلحة في الغرب الليبي، ولا سيما في طرابلس، والأطراف السياسية أيضاً من التموضع فيها، من خلال تولي شخصيات مقربة منها وزارات سيادية في الحكومة. 

لكن المصادر أكدت في الوقت ذاته أن أياً من المقترحات "لم يُحسَم وأن التداول حولها لا يزال قائماً". 

وفي وقت نفى فيه المكتب الإعلامي لعقيلة صالح قبول الأخير بأي عرض لتشكيل حكومة ثالثة، لم يعلق المجلس الأعلى للدولة من جانبه رسمياً. لكن عضو مجلس الدولة، ناجي مختار، لم ينفِ وجود مساعٍ لتشكيل حكومة ثالثة، لكنه أكد، خلال تصريحات صحافية، أمس الجمعة، أن كل ما يطرح عن تشكيل حكومة ثالثة "مجرد أفكار"، في إشارة إلى عدم الحسم في أي مقترح. 

ورجح المصدر البرلماني أن يكون مقترح إجراء تعديل وزاري على حكومة باشاغا هو الأقرب للتحقق، خصوصاً أن هذا الإجراء "كفيل بإضافة دعم سياسي وأمني واجتماعي للحكومة، وتغيير فكرة أنها حكومة حفتر، ما يسمح بتلطيف الأجواء مع الرافضين للحكومة في المعسكر الغربي في البلاد". 

ويعد شغل شخصيات مقربة من حفتر لوزارات سيادية في حكومة باشاغا، وهي وزارات الخارجية والمالية والتخطيط والدفاع، من بين أسباب رفض قادة سياسيين وعسكريين في طرابلس لباشاغا وحكومته. 

وفشل باشاغا في دخول طرابلس في أكثر من مرة، على الرغم من تركه لمقر حكومته المؤقت في سرت، واقترابه الكبير من مكونات غرب ليبيا بعد مجيئه للاستقرار في مصراتة منذ العشرين من يوليو/تموز الماضي. 

كما فشل حليفه العسكري اللواء أسامة الجويلي، آمر المنطقة العسكرية الغربية، في الضغط على مجاميع طرابلس المسلحة، بواسطة التفاوض، كما حدث الأسبوع الماضي، أو بواسطة التهديد بالقوة كما حدث ليل الخميس الماضي، حيث فشلت قوات الجويلي في السيطرة على مقر تابع لمجموعة مسلحة مؤيدة للدبيبة، في مناطق جنوب غربيّ العاصمة. 

ووفقاً لمعلومات المصدر البرلماني، فإن تداول مقترح تشكيل حكومة برئاسة اللافي في أنقرة قد يكون محاولة من صالح والمشري لإنتاج صيغة اتفاق تقنع الأتراك الذين يبدو عليهم الانزعاج من تقارب الدبيبة وحفتر، مضيفاً: "رغم إنكار الدبيبة وجود صفقة مع حفتر، إلا أن دلائلها لا يمكن إخفاؤها، فما كان له أن ينجح في فتح النفط لولا اتفاقه مع حفتر الذي يسيطر على منابعه والذي جاء بعد تعيينه شخصية مقربة من حفتر لرئاسة مؤسسة النفط". 

واعتبر المصدر أن "وقع صفقة الدبيبة مع حفتر كان ثقيلاً على حلفاء الدبيبة المسلحين في طرابلس، وعلى شريكه التركي"، مبيناً أن "إنكار الدبيبة السريع كان بمثابة محاولة للتراجع، بعدما شعر بأنه لن يفلح في إقناع شركائه بجدوى التحالف مع حفتر، خصوصاً الأتراك الذين ذهبوا للبحث عن مخرج قد يمر من خلال إجراء تسوية مع عقيلة صالح بالتوافق مع خالد المشري يحاول الأخيران استثمارها لمصلحتهم ضد حفتر". 

ويشير المصدر إلى أن "شراكة الدبيبة مع حفتر لم تكن مقنعة حتى في صفوف الداعمين لحفتر"، واستدل على ذلك بمنع عسكريين تابعين "لحفتر في سبها نزول طائرة إغاثة من أجل المساهمة في نقل مصابي انفجار صهريج وقود بالجنوب، لمجرد أن وزيرة خارجية الدبيبة، نجلاء المنقوش، كانت على متنها برفقة عدد من مسؤولي حكومته". 

لكل ذلك يرى المصدر البرلماني أن مقترح تكليف اللافي تشكيل حكومة بديلة "بعيد التحقيق ولا تتوافر ظروف قبوله"، وقال: "قد يكون من السهل سحب البساط من تحت الدبيبة بإقناع حلفائه المسلحين في طرابلس، لكن من غير الممكن إقصاء حفتر لأنه مكون عسكري في الأساس وبالتالي سيدخل مشروع اللافي في دائرة الرفض والعرقلة". 

ومع هذه التجاذبات، تستمر حكومة الدبيبة في السيطرة على طرابلس والمؤسسات السيادية والحيوية فيها، ولا تزال ترفض تسليم مهامها إلا لسلطة منتخبة، فيما تتخذ حكومة باشاغا من مدينة سرت مقراً مؤقتاً لها، مع محاولات رئيسها استمالة قادة الكتائب والحكماء والأعيان والسياسيين في المنطقة الغربية، بعد انتقاله إلى مصراتة، ويظل مصير الحكومة الليبية رهينة الأيام المقبلة.