مقاومة جنين... السلاح صاحٍ

مقاومة جنين... السلاح صاحٍ

17 اغسطس 2021
خلال تشييع الشهيدين رائد أبو سيف وأحمد عمار في جنين أمس (جعفر اشتية/فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن الاشتباك المسلح أمس الإثنين، بين مقاومين فلسطينيين وجنود الاحتلال في جنين شمال الضفة الغربية، والذي أدى إلى استشهاد 4 فلسطينيين تم تشييعهم وسط حالة غضب شعبية واسعة، حادثة معزولة، فعمليات إطلاق النار صوب قوات الاحتلال والاشتباكات المسلحة بين مقاومين وجيش الاحتلال تكررت خلال الأشهر الماضية، وتحديداً منذ بداية عام 2021، إذ يمكن رصد 16 عملية إطلاق نار أو اشتباك في المحافظة. ويتصدر مقاومو مدينة جنين ومخيمها، ومنهم شبان ولدوا مطلع انتفاضة الأقصى الثانية (عام 2000)، المواجهة الفعلية لاقتحامات جنود الاحتلال الإسرائيلي، في ما بات يوصف بأنه معقل نقاط الاشتباك الحقيقي المسلح مع قوات الاحتلال.

مجزرة جديدة في جنين ومخيمها
واستيقظ أهالي مدينة جنين ومخيمها فجر أمس الإثنين، على وقع اشتباك مسلح بين مقاومين فلسطينيين وقوات الاحتلال على المدخل الرئيس لمخيم جنين، ما أدى لاستشهاد أربعة مقاومين ووقوع إصابات عدة، فيما أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن الشبان ينتمون لحركتي "فتح" و"الجهاد الإسلامي". وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية استشهاد الشبان: صالح أحمد عمار (19 عاماً)، ورائد أبو سيف (21 عاماً)، ونور الدين جرار وأمجد حسينية. علماً بأن سلطات الاحتلال كانت تحتجز حتى أمس جثماني الشهيدين الأخيرين.

وفي التفاصيل، قال شهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إنّ قوات الاحتلال اقتحمت مخيم جنين فجراً، لاعتقال أحد الشبان وهو محمد أبو زينة، وبالتزامن نشرت قواتها الخاصة والقناصة وجنودها النظاميين في مناطق عدة من المخيم، كما اعتلى قناصة الاحتلال أسطح منازل عدة. وأثناء انسحاب تلك القوات بعد اعتقال أبو زينة، أطلق شبان مقاومون النار باتجاه جيش الاحتلال، لكنهم فوجئوا بوجود قوة خاصة إسرائيلية تنصب كميناً في إحدى البنايات على مدخل المخيم، فاستهدف قناصة الاحتلال شابين واحتجزوا جثمانيهما، فضلاً عن استهداف الشبان الموجودين في الشارع وكل من حاول الوصول إلى جثماني الشهيدين، ما أدى لوقوع عدة مصابين استشهد منهم لاحقاً شابان آخران، أحدهما استهدفه قناص من جيش الاحتلال كان يقود دراجة نارية. ووفق شهود العيان، فإن قوات الاحتلال اختطفت الشابين الجريحين نور الدين جرار، وأمجد حسينية، واللذين أعلن عن استشهادهما لاحقاً، فيما تمكن الشبان من تخليص جثماني الشهيدين رائد أبو سيف وصالح عمار من قوات الاحتلال، ونقلهما إلى مستشفى جنين الحكومي، مع عدة مصابين آخرين.

تكثفت عمليات المقاومة في محافظة جنين منذ مايو الماضي

من جهته، أوضح مدير الإسعاف والطوارئ في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، محمود السعدي، لـ"العربي الجديد"، أنّ طواقم إسعاف الهلال الأحمر نقلت أربع إصابات بالرصاص الحي، بينهم شابان أعلن عن استشهادهما، إذ جرى نقل المصابين والشهيدين إلى مستشفى جنين الحكومي. وعمّ الحزن والغضب في جنين عقب استشهاد الشبان، الذين لكل واحد فيهم حكاية. فالشهيد أمجد حسينية مثلاً كانت عائلته رزقت به بعد استشهاد عمه أمجد، مطلع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وأسمته باسم عمه الشهيد، بينما استشهد الشاب نور الدين جرار بعد يوم واحد فقط من الذكرى الثالثة لوفاة شقيقه الأكبر محمد أثناء إجرائه عملية جراحية. وشيعت جنين ومخيمها ظهر أمس الإثنين، جثماني الشهيدين عمار وأبو سيف على وقع الهتافات الغاضبة المنددة بجريمة الاحتلال وسط دعوات لتصعيد المقاومة، فيما تزامن التشييع مع إضراب شامل دعت له القوى الوطنية والإسلامية ومؤسسات جنين حداداً على أرواح الشهداء الأربعة.

اشتباكات مكثفة منذ العدوان على القدس وغزة
ومنذ مطلع العام الحالي، تصاعدت عمليات المقاومة والاشتباكات في محافظة جنين، لكن كثافتها كانت بعد تفجر الأوضاع الميدانية إثر الهبة الشعبية ضد اقتحامات قوات الاحتلال المسجد الأقصى وتهديدات سلطات الاحتلال بتهجير سكان حي الشيخ جراح في القدس المحتلة والعدوان على غزة، في مايو/أيار الماضي. إذ رُصدت 11 عملية إطلاق نار أو اشتباك مسلح، كان أبرزها في 7 مايو الماضي، بعد إعدام الاحتلال شهيدين وإصابة ثالث، زاعماً أنهم حاولوا اقتحام وتنفيذ عملية إطلاق نار على حاجز سالم شمال جنين. كما كان الاشتباك الذي دار في شهر يونيو/حزيران الماضي، من أبرز تلك المحطات واستشهد خلاله المقاوم جميل العموري من حركة الجهاد الإسلامي، علماً بأنه كان مطارداً من قبل قوات الاحتلال، كما استشهد في الاشتباك نفسه اثنان من عناصر جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطيني، وهما الملازم أدهم عليوي والنقيب تيسير عيسة واللذان أيضاً خاضا اشتباكاً مع قوات الاحتلال. كذلك، استشهد الفلسطيني ضياء الصباريني في 11 أغسطس/آب الحالي، متأثراً بإصابته برصاص الاحتلال خلال اشتباك في الثالث من الشهر نفسه. وارتبطت معظم الاشتباكات المسلحة باقتحامات لجيش الاحتلال لمناطق متفرقة من محافظة جنين بهدف تنفيذ عمليات اعتقال أو تصفية لمقاومين، وفق ما تؤكده شخصيات من محافظة جنين. وكان لمدينة جنين ومخيمها حصة الأسد من هذه الأحداث، فيما اندلعت اشتباكات أيضاً في بلدتي قباطية وبرقين.

مقاومون بالوراثة
ويبدو أن الاحتلال يحاول من خلال الاقتحامات، إنهاء جذوة أي عمل مقاوم، لكن الأمر يقابل بمزيد من المقاومة، على الرغم من الظروف التي تمر بها الضفة الغربية تحديداً على صعيد المقاومة المسلحة التي كانت في أوجها في انتفاضة الأقصى التي استمرت لسنوات انطلاقاً من عام 2000. وفي السياق، يقول أمين سر حركة فتح في جنين، عطا أبو رميلة، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الاحتلال يسعى لمزيد من القتل والتدمير بهدف كسر إرادة شعبنا الفلسطيني، ولكن نقول له إنه حاول كثيراً، خاصة في جنين، وواجهناه وتم تمريغ أنفه بالتراب، خصوصاً في معركة مخيم جنين (عام 2002). واليوم يهدد هذا الاحتلال عبر وسائل إعلام عبرية، بأنه سينفذ اقتحامات واجتياحا واسعا لكل المحافظة، ونحن نقول إنه لن يستطيع كسر إرادتنا". ويتابع أبو رميلة: "عندما يقتحم الاحتلال جنين، يظنّ أنه يدخل في نزهة، يقتل ويعتقل ثمّ يخرج، لكن يجب أن يدفع الثمن، وصحيح أننا ندفع نحن أيضاً الثمن من شبابنا الصغار الذين يستشهدون، ولكن نؤكد بمواجهته أن جذوة المقاومة والنضال مستمرة، ولا يمكن أن نرفع الراية البيضاء ولا يمكن كسر إرادتنا".

السعدي: المقاومة الحالية في جنين تنذر بانفجار واسع

أما القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي، بسام السعدي، فيرى أنّ "استمرار المقاومة في جنين تحديداً، يعود إلى الإرث والذكريات التي تعيشها منذ الثورة الفلسطينية في عام 1936، ووجود القائد عز الدين القسام وخليفته فرحان السعدي في بلدة يعبد (بمحافظة جنين). فضلاً عن معركة مخيم جنين في عام 2002، بعد اجتياح قوات الاحتلال للمخيم، حيث استشهد عدد كبير من قيادات المقاومة الفلسطينية". ويقول السعدي في مقابلة مع قناة "فلسطين اليوم" المحلية، علماً بأنه قليل الظهور الإعلامي: "إن الجيل الجديد الذي عاش ونشأ على قصص هؤلاء الشهداء، لا تزال الثورة تسري في عروقه". ووفق السعدي، فإن "ما يحصل هو جزء من محطات المقاومة المستمرة في جنين، وفي غيرها من المناطق والمدن الفلسطينية، حتى في الأراضي المحتلة عام 1948"، في إشارة إلى التحرك الشعبي في الداخل بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والقدس المحتلة، في مايو الماضي. ويؤكد السعدي أنّ "المقاومة الحالية تنذر بانفجار واسع، في حال استمر الاحتلال في قضم الأراضي الفلسطينية والتعدي على المواطنين عبر قواته والمستوطنين"، داعياً الفصائل إلى "تقييم المرحلة الحالية، والخروج ببرنامج وطني ناجز، يركز على المقاومة وعلى استراتيجيات بعيدة المدى، وليس على المفاوضات مع الاحتلال".

اشتباكات بمسارها الطبيعي
ظاهرة الاشتباكات المسلحة التي عادت بقوة في الأشهر الماضية، يقول عنها الأسير المحرر أسامة الحروب من جنين، في حديث مع "العربي الجديد": "إن هذا المشهد غاب من أغلب مناطق الضفة الغربية نتيجة خلل في السياسة الفلسطينية، لكنه يعود لأنّ السياق الطبيعي هو مقاومة احتلال يريد السيطرة على شعب يدفع الغالي والنفيس لاسترداد حقوقه". ويرى الحروب أن سبب تركز الظاهرة في جنين ومخيمها هو أنّ "الجيل الحالي الصغير هو من أبناء الأسرى والشهداء، الذين سقطوا خلال معركة مخيم جنين. وأبناء هذا الجيل تربوا على ثقافة مواجهة الاحتلال وأن من السهل مجابهته، كما أنهم تجاوزوا الترهل السياسي والتراشق والوضع السياسي المأزوم، وانطلقوا باتجاه المقاومة".
ومن الواضح أنّ المقاومة الحالية غير منظمة بالمعنى المعروف فلسطينياً، وهو ما يوضحه الحروب الذي يقول: "تغيب في هذه التحركات التنظيمات والقيادة أو فكرة القائد المفكر، كما كان الأمر في انتفاضة الأقصى. لكن بوجود الثقافة المحبة للمقاومة والمبتعدة باتجاه آخر غير اتجاه السلطة الفلسطينية، يغيب التنظيم بينما يبقى الانتماء للفكر، مثل فكر حركة الجهاد".
وحول كيفية تعاطي السلطة الفلسطينية مع هذه المقاومة، يقول الحروب: "أعتقد أن المستوى السياسي منزعج من هذه الظاهرة، وقد يعمل على احتوائها أو زوالها، لأنها مقلقة له، لكن الأمور فلتت من يد السلطة بسبب جرأة هذا الجيل الشاب وطريقة عمله". ويأتي اشتباك أمس، بعد أكثر من أسبوع على إعلان محافظة جنين تعرّض مبنى المقاطعة في المدينة، والذي يضم مقار الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لإطلاق نار، على خلفية مصادرة مركبة غير قانونية، على اعتبار أنها مركبة الشهيد جميل العموري الذي استشهد قبل نحو شهرين. لكن محافظة جنين، نفت على لسان المحافظ أكرم الرجوب، أن تكون المركبة عائدة للعموري. وأكد الرجوب أنه ستتم ملاحقة المتورطين بإطلاق النار "وتقديمهم للعدالة، كما سيستمر في الوقت نفسه العمل الأمني المستدام في محاربة كل الظواهر الخارجة عن القانون، ومن بينها المركبات غير القانونية". لكن مصادر محلية أكدت في حديث لـ"العربي الجديد"، وقتها، أنّ "الأجهزة الأمنية الفلسطينية تلاحق مركبات ودراجات نارية غير قانونية يستخدمها مقاومون للتغطية على نشاطاتهم".

تقارير عربية
التحديثات الحية