أثار حصول حزب "العدالة والتنمية" على 3 مقاعد خلال انتخابات مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي) التي جرت أمس الثلاثاء، جدلا واسعا داخل الحزب ذي التوجه الإسلامي وخارجه، وصل إلى حد مطالبة الفائزين بتقديم استقالتهم.
وشكل احتلال "العدالة والتنمية"، الذي كانت تشير التوقعات إلى إمكانية غيابه عن الخريطة الجديدة لمجلس المستشارين المرتبة السادسة بـ 3 مقاعد، مفاجأة للكثيرين، بعدما كان الحزب قد اكتفى بترشيح ثلاثة مستشارين جماعيين فقط في الانتخابات التي جرت أمس، وهم مصطفى الدحماني بجهة الدار البيضاء سطات، وسعيد شكير بجهة فاس، ومحمد بنفقيه بجهة سوس ماسة.
وإذا كان حضور المستشارين الثلاثة في الغرفة الثانية للبرلمان المغربي لن يفيد الحزب الإسلامي في تشكيل كتلة نيابية حتى ولو تحالف مع نقابة "الاتحاد الوطني للشغل" بالمغرب (الذراع النقابية للحزب وحصل على مقعدين)، في ظل اشتراط القانون الداخلي للمجلس التوفر على 6 مقاعد، إلا أنه أثار علامات استفهام في صفوف الحزب، على اعتبار أنها "مقاعد منحت للحزب وأنه لا يستحقها".
وشكك عدد من قياديي "العدالة والتنمية" في أحقية حزبهم بالمقاعد الثلاثة بالنظر إلى النتائج الضعيفة التي كان قد حصدها الحزب في الانتخابات التشريعية (مجلس النواب) التي جرت في الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي، على مستوى مجالس الجماعات الترابية، معلنين تبرؤهم منها، ومطالبين المستشارين البرلمانيين الثلاثة بتقديم استقالتهم.
وفي السياق، تحدث القيادي في "العدالة والتنمية" عبد العزيز أفتاتي، عن قيام من نعته بـ"خادم التزوير" بـ"إصدار مخرجات لا علاقة لنا بها البتة في ثلاث جهات وإلصاقها بالحزب لأغراض حقيرة"، معلنا أن "لا علاقة للحزب مركزيا ومجاليا بأي شكل أو صفة بهذا العدوان على الدستور والمتمثل في إكراه زبانية 8 سبتمبر/ أيلول الماضي للتصويت المغرض لفائدة بعض لوائحنا تحت طائلة الضبط بالوسائل المعلومة".
ودعا أفتاتي، المعروف بتصريحاته المثيرة للجدل في تدوينة له على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، إلى التبرؤ من هذه "النتائج المزعومة بمجلس المستشارين والطعن فيها سياسيا وإعلان أن لا حضور ولا وجود للحزب بهذه المؤسسة"، ومتابعة محاسبة المتورطين (مرتبين ومنفذين) في هذا الجرم الدستوري وتحميلهم مسؤولية تصحيحه".
من جانبه، تساءل عضو الأمانة العامة للحزب رضا بوكمازي، في تدوينة له: "كيف لمن لم يقبل أن يترشح مع العدالة والتنمية يوم 8 سبتمبر إما ترهيبا أو ترغيبا وروج لمقولة (الدولة غير راغبة في العدالة والتنمية) أن يتحول فجأة إلى مناضل شرس، يتحدى دولة الأمس، ليصوت على العدالة والتنمية بهذه الكثافة يوم 5 أكتوبر؟".
وعلق عضو الأمانة العامة عبد الصمد الإدريسي، على نتائج حزبه بالقول إنه "لا يمكن لمن سلب في 8 سبتمبر/ أيلول أن يعطي في 5 أكتوبر/ تشرين الأول. إنهم يدفعون في اتجاه مزيد من قتل السياسة وفقدان الثقة في السياسيين"، داعيا إلى رفض ما وصفه بـ "العبث"، وطالب برفض "العطية" في السياسة وعدم قبول المقاعد "الحرام سياسيا".
رئيس اللجنة المركزية لشبيبة "العدالة والتنمية"، وعضو المجلس الوطني للحزب، حسن حمورو، اعتبر أن "الأصوات والمقاعد التي يتم تداولها لصالح حزبنا في انتخابات مجلس المستشارين (فئة ممثلي أعضاء مجالس الجماعات الترابية) ليست لنا"، لافتا إلى أن على "قيادة الحزب أن ترفض تلك المقاعد وتتبرأ منها، أو تنسحب فورا من السياسة".
وتعليقا على الجدل المثار بخصوص مقاعد "العدالة والتنمية"، قال المحلل السياسي نوفل البعمري: "إذا لم يوضح الحزب ما حدث، فلن يكون له أي أثر في الانتخابات المقبلة لأنه سيكون قد استنفد كل رصيده أو ما تبقى منه في هذه الاستحقاقات. كما أن صمته تواطؤ"، مضيفا: "إذا كان ما زال لحزب يمتلك بعض الخجل السياسي، فيتعين عليه فتح تحقيق مع الأعضاء الذين نجحوا في الانتخابات، ويسألهم كيف تم ذلك وبأي طريقة حصلوا على تلك الأصوات".
واعتبر البعمري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القول إن السلطات تسعى لإنقاذ "العدالة والتنمية" من خلال منحه أصواتا ليحصل على ثلاثة مقاعد في مجلس المستشارين "مجرد بدعة سياسية لتبرير ما لا يبرر"، مضيفا: "أن يتمكن مستشارو الحزب من جمع أكثر من 800 صوت في جهة يتوفرون فيها على 83 مقعدا جماعيا (البلديات)، فإننا أمام البهتان السياسي لا الدوباج (المنشطات) المخزني الذي يحاول البعض الترويج له تارة تحت اسم التوازن السياسي، وتارة أخرى تحت مسمى إنقاذ العدالة والتنمية".
وكان حزب "التجمع الوطني للأحرار"، قائد الائتلاف الحكومي الجديد في المغرب، قد تصدر نتائج انتخابات مجلس المستشارين بعد حصوله على 27 مقعدا من أصل 120 مقعدا، متبوعا بحزب "الأصالة والمعاصرة" بـ 19 مقعدا، في حين تمكن "العدالة والتنمية" من خلق المفاجأة بعدما تمكن مرشحوه الثلاثة من ضمان مقاعدهم.
وكشفت النتائج التي أعلنت عنها ليل الثلاثاء، وزارة الداخلية، عن احتلال حزب "الاستقلال" (أعرق الأحزاب المغربية) المرتبة الثالثة بـ 17 مقعدا، يليه حزب "الحركة الشعبية" بـ 12 مقعدا، وحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" بـ 8 مقاعد.
وبإعلان نتائج اقتراع مجلس المستشارين، يكون المغرب قد أسدل الستار على الفصل الأخير من مسلسل انتخابي طويل انطلق في شهر أغسطس/آب الماضي، لتكتمل بذلك خريطة البرلمان الجديد وفق نظام المجلسين الذي كرسه دستور عام 2011.