مقاطعة التيار الصدري في العراق: محاولة لإفشال الانتخابات؟
استمع إلى الملخص
- التيار الصدري، بقيادة مقتدى الصدر، يرفض الانتخابات الحالية، مطالبًا بدولة فعالة وشفافة، مع انسحاب أحزاب أخرى مثل ائتلاف النصر، مما يعكس عدم الثقة في العملية الانتخابية.
- مقاطعة الصدر قد تؤدي إلى خلل في الانتخابات المقبلة، مما يضعف شرعيتها، وسط توقعات بتأثير كبير على النتائج واستحقاق المكون الشيعي في البرلمان.
تتخوف معظم الأحزاب والتحالفات العراقية، بما فيها التحالف الحاكم في البلاد "الإطار التنسيقي"، من حملة المقاطعة التي يقودها أنصار زعيم التيار الصدري التي ترفع شعار مقاطعة الانتخابات، وصاروا يؤكدونها عبر مسيرات واحتجاجات في محافظة البصرة، جنوبي العراق. ومن المتوقع أن تشهد العاصمة بغداد حملات واسعة للمقاطعة تتخللها احتجاجات واسعة، فيما تزداد خشية الأحزاب التقليدية من أن تؤثر هذه الحملة بقاعدتها الانتخابية، ولا سيما مع اتساع نطاقها لتشمل تيارات مدنية وتجمعات سياسية شبابية، منبثقة من الحراك الاحتجاجي السابق، وآخرين ناقمين على النظام السياسي القائم.
واعتبر "وزير الصدر" وهو صالح محمد العراقي، الذي يتولى نشر مواقف الصدر وآرائه السياسية، أن بديل مقاطعة الانتخابات هو "الإصلاح الشامل" و"تغيير الوجوه، لإنقاذ العراق". وهاجم العراقي، الأحد الماضي، كلاً من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وزعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، قائلاً: "كيف نعطي أصواتنا لمن تقول تسريباته إنه يريد قتلنا والهجوم علينا في النجف الأشرف؟ أو نعطيه لمن (فصّخ مصفى بيجي)"، في إشارة إلى نهب مصفاة بيجي النفطية من قبل مسلحي المليشيا.
وكان الصدر قد انسحب في 15 يونيو/حزيران 2022، من العملية السياسية في البلاد، مؤكداً عدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين". وجاء ذلك خلال اجتماعه في النجف وقتها بنواب الكتلة الصدرية الذين قدموا استقالاتهم من البرلمان بعد ثمانية أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية. وعقب ذلك، تمكن تحالف الإطار التنسيقي، من تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، بالاتفاق مع الأحزاب الكردية والسُّنية.
ورغم المخاوف الكبيرة لدى معظم الأحزاب، وما رافقها من إتاحة المجال للمحللين والصحافيين التابعين للإطار التنسيقي والفصائل المسلحة بالظهور الإعلامي ومهاجمة الصدر وبيانه الأخير الخاص بالمقاطعة، إلا أن القيادي في التيار الصدري، الشيخ صادق الحسناوي، أكد أن التيار الصدري لا يُجرِّم المشاركين في الانتخابات. وقال الحسناوي في مقابلة تلفزيونية، إن "التيار لم يجرِّم من شارك في الانتخابات، ولم يجرِّم من يريد مقاطعتها، فهي حق وليست واجباً على المواطن، ولا تشكّل إثماً عليهم إذا تركها أو شارك فيها"، موضحاً أن "الموقف سياسي نتيجة متغيرات وتراكم الفساد والأخطاء في إدارة الدولة العراقية منذ عام 2003، ومقاطعة الانتخابات إجراء لتقديم البديل الأفضل عن هذه الانتخابات".
وتواصل "العربي الجديد"، مع عدد من أنصار التيار الصدري من المؤثرين في مجتمعاتهم المحلية في مدن وسط وجنوب البلاد، وأكدوا أن "انسحاب الصدر ونوابه الذي يزيدون على 70 عضواً في البرلمان، ترك المساحة لبقية الأحزاب في الإطار التنسيقي لإدارة الدولة، ولكن ما تحقق هو الفشل على كل المقاييس، حيث باتت العملية السياسية عرجاء والنظام الانتخابي فاشلاً، والأحزاب المعروفة لا تزال تمارس كل الطرق للاحتيال على العراقيين وتسرق المال من مؤسسات الدولة، ناهيك عن خلق أسوأ دورة برلمانية شهدها العراق بعد الاحتلال الأميركي".
وأشار أحد المصادر إلى أن "التيار الصدري يشكل حالياً أكبر جبهة معارضة للنظام السياسي الحاكم، ومع ذلك لا نية لإفشال الانتخابات المقبلة بطريقة مقصودة، لكنها معرضة للفشل بسبب شراء الذمم والبطاقات والتعيينات وتصعيد الخطاب الطائفي، وهذا سيؤدي إلى مزيدٍ من الفشل ومعظم العراقيين متفقون مع رأي الصدر في مقاطعة العملية السياسية والانتخابات"، موضحاً أن "لا وجود لأي نية لإسقاط النظام الحالي، إنما تغييره وإصلاحه".
من جهته، بيَّن المحلل السياسي القريب من التيار الصدري مناف الموسوي أن "مقاطعة التيار الصدري تمثل أعلى مراحل الرفض للوضع السياسي، وأن الصدر ليس طامعاً بالسلطة إنما يبحث عن بناء دولة عجز عن بنائها الإطار التنسيقي والأحزاب التقليدية، كما أنه يريد انتخابات فعالة وشفافة وألا يكون فيها سلاح يؤثر على الناخبين والنتائج، بالإضافة إلى حل المليشيات وإبعاد العراق عن التبعية للخارج وحصر السلاح بيد الدولة وتمكين الاقتصاد، وهي الملاحظات التي قدمها الصدر عام 2021 وأفشل مشروعه في صناعة حكومة الأغلبية".
واستكمل حديثه مع "العربي الجديد"، أن "المقاطعة ليست صدرية فقط، إنما شملت انسحاب أحزاب مهمة مثل ائتلاف النصر الذي يقوده حيدر العبادي وبعض التيارات المدنية، لعدم الشعور بالشفافية التي تؤدي إلى التغيير، ناهيك عن 80 بالمائة من الشعب العراقي"، مؤكداً أن "الصدر لا يثق بالانتخابات على شاكلتها الحالية، وأن عدم المشاركة التيار الصدري سيحدث خللاً كبيراً في الانتخابات، وهذا يعني فشل شرعيتها ومشروعيتها".
لكن الباحث في الشأن السياسي القريب من تحالف "الإطار التنسيقي" محمد الياسري، لفت إلى أن "مقاطعة الصدر جاءت لأنه يعلم أنه لن يستطيع تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر في المرحلة المقبلة، ولذلك اختار المقاطعة وهو خيار محترم، لكن الصدر لا يمثل إلا نفسه ورأي أتباعه، وليس العراقيين جميعهم"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "المقاطعة هو موقف سياسي، لكنه ستضعف استحقاق المكون الشيعي في البرلمان العراقي المقبل".
ويستعد العراق لإجراء سادس انتخابات تشريعية منذ الغزو الأميركي للبلاد وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، فيما يتنافس أكثر من 300 حزب وكيان وتجمع سياسي في هذه الانتخابات التي ستجرى في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ويسمح لأكثر من 25 مليون ناخب بالمشاركة فيها من أصل 46 مليون مواطن.