مقابلة | الناشطة على متن سفينة ألما أوغرايدي تنقل رسالة أسطول الصمود إلى غزة

الدوحة
صحافية فلسطينية، عملت في صحف ومواقع عدّة. متخصصة بمتابعة الشؤون الإسرائيليّة.
بيروت حمود
صحافية فلسطينية، من أسرة "العربي الجديد".
23 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 27 سبتمبر 2025 - 21:34 (توقيت القدس)
الناشطة على متن سفينة ألما أوغرايدي تنقل رسالة أسطول الصمود إلى غزة
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تبحر السفينة "ألما" ضمن أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار على غزة، بمشاركة ناشطين عالميين مثل تارا أوغريدي، التي تسعى لدعم الأمهات الفلسطينيات المتضررات.
- تواجه النساء في غزة تحديات كبيرة مثل نقص وسائل الحماية والرعاية الصحية، وتدعو أوغريدي لدعم عالمي للفلسطينيين والالتزام بالقوانين الدولية لتحقيق العدالة.
- رغم التهديدات الإسرائيلية، يصر الأسطول على مواصلة طريقه، وتنتقد أوغريدي دعم الولايات المتحدة للاحتلال وتدعو لاستبعادها من محادثات السلام.

على متن سفينة "ألما"، ثاني أكبر سفن أسطول الصمود العالمي، الذي تبحر في إطاره نحو 50 سفينة، بمشاركة مئات الناشطين من مختلف أنحاء العالم، الهادفين إلى كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ نحو عقدين، والذي تفاقمت تبعاته إلى كارثة إنسانية غير معهودة، في ظل الإبادة المتواصلة منذ عامين، تبحر المناضلة الأيرلندية تارا أوغريدي، المعروفة بمواقفها المناصرة لحقوق الإنسان والشعوب المضطهدة حول العالم. وأجرى "العربي الجديد" مقابلة عبر الهاتف مع أوغريدي لمرافقتها في رحلتها المليئة بالمصاعب والتحديات.

أوغريدي، وهي رئيسة منظمة "لا سلام من دون عدالة"، كرّست حياتها منذ نحو ثلاثة عقود للدفاع عن الإنسان والإنسانية، تجد ذاتها اليوم مضطرة إلى متابعة الطريق الذي سلكته لأن العدالة لم تتحقق بعد، ولأن القوّة العظمى، المتمثلة بالولايات المتحدة، لا تزال مصرّة على معارضة صوت الأغلبية العالمية الداعية لوقف الحرب، مغذّية الأخيرة من خلال دعمها غير المشروط للاحتلال الإسرائيلي، وقد تبدى ذلك أخيراً باستخدام مندوبتها في مجلس الأمن الدولي حق النقض (الفيتو)، بوجه جميع الدول الأعضاء التي أيّدت قرار وقف الحرب.

وقبل أن تنشط في المجال الحقوقي الإنساني، فإن أوغريدي هي أيضاً أم تركت خلفها عائلة تنتظر رجوعها إلى البيت سالمة، وسط خشية على حياتها، نظراً لما قد يقدم عليه الاحتلال لاعتراض طريق الأسطول، حيث سبق أن استهدف "ألما" بالتحديد، بواسطة مسيّرة، ما تسبب باندلاع حريق، حالت السيطرة السريعة عليه دون وقوع إصابات بين الناشطين. وفي هذا السياق، ترى أوغريدي أن إبحارها على متن "ألما" ينطوي على دلالات عدة، إذ يحمل اسم السفينة معاني عدّة، أهمها المشتق من معناه في اللاتينية: "الأم الخيّرة"، وهو وصف أطلق أيضاً على والدة يسوع، مريم، وآلهات آمن الناس بها في غابر الأزمان. ومن هُنا، فإنها ترى بمشاركتها محاولة للتعبير عن تعاطفها كأم مع الأمهات الفلسطينيات اللواتي يعانين مرارة الفقد والثكل بسبب استشهاد أطفالهن، سواء بالقصف الإسرائيلي، أو بسبب التجويع، واللواتي يتحملّن أيضاً المعاناة المستمرة بسبب الظروف الكارثية التي يعشن فيها، في ظل انعدام أبسط مقومات الحياة الآدمية.

ومن خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، تنقل إلى الفلسطينيين في غزة عموماً، والأمهات خصوصاً، رسالة تضامن ومحبة، قبل أن تشير إلى أن النساء في غزة يعانين مشاكل مرتبطة بالحرب، "لا يمكننا نحن الذين نعيش خارج بيئة الحرب العنيفة تصوّرها"، موضحة أن "معاناة النساء لا تقتصر على انعدام وسائل الحماية والنظافة الشخصية، وخصوصاً في فترات الدورة الشهرية، بل تمتد إلى الاضطرابات البيولوجية الكاملة، بسبب عدم وجود مكان آمن للراحة والنوم والإقامة، واضطرارهن المستمر للعناية بأطفالهن وعائلاتهن".

وكناجية من مرض السرطان، تبين أوغريدي "كنت محظوظة لأن الطب كان قادراً على شفائي، أمّا بالنسبة إلى امرأة في غزة تعاني من سرطان الثدي، فلن تحصل على تشخيص لهذا المرض في ظل الحرب وتدمير المستشفيات، وإذا كان لديها المرض، فلا يوجد وصول للعلاج الكيميائي أو العلاج الإشعاعي أو أي نوع من الأدوية للتعامل مع الآثار الجانبية المصاحبة للإصابة بالسرطان... وهذا بحد ذاته مأساة كاملة". وتلفت إلى أن هذه الظروف لا تقتصر على النساء، بل تطاول الرجال، والأطفال، وغيرهم، الذين تُسحق كرامتهم، فيما يواجهون الموت، والدمار، والقصف، والتجويع، والحصار الجائر.

في غضون ذلك، تدعو الناشطة الأيرلندية شعوب العالم إلى "الاستيقاظ والقيام بكل ما يلزم لدعم الفلسطينيين"، فيما توجه رسالة إلى الأخيرين تقول فيها إنه "للأسف لا يمكننا الوصول إليكم بسرعة كافية... أتلهف حقاً لأن أكون معكم، لأعبّر عن تضامننا". وتضيف: "نحن مصممون بشدة على الوصول إليكم بأسرع وقت ممكن. لم أكن أعلم قبل مشاركتي في هذه المهمة أن السفر في البحر بطيء مثل المشي، حيث تستغرق السفينة ساعة كاملة لقطع مسافة خمس عُقد، أي خمسة أميال تُقطع خلال ساعة مشي". وأضافت "هناك الكثير من التعقيدات في هذه المهمة، لكن لا شيء يضاهي التعقيدات التي تواجهونها أنتم في غزة، حيث تتمسكون بأطفالكم وتأملون ألا يتعرضوا للقصف في الأيام المقبلة".

وتعبّر أوغريدي عن أسفها لأن الفلسطينيين في غزة "يكافحون لإيجاد مكان شبه آمن لهم ليناموا فيه تحت تهديد مستمر، دون أي إمكانية على الإطلاق للحصول على دعم نفسي أو استشارات لعلاج الصدمات النفسية". وتصف ما سبق بأنه "وصمة سوداء على جبين الإنسانية"، مؤكدة: "نحن نراكم، ونسمعكم، ونريد أن نكون معكم، وأنتم حقاً تُلهموننا بالتضحية التي تقدّمونها، وهو شيء لم تختاروه بأنفسكم... وبحق لن ننسى هذا مطلقاً من أجل غزة، ومن أجل فلسطين، وحريّتها".

بموازاة ما تقدم، تتحدث الحقوقيّة الأيرلندية عن مسألة العدالة الدولية، والخطوات التي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الأوروبية، معتبرة أن إصدار مذكرة التوقيف بحق رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وآخرين من المسؤولين عن الإبادة الجماعية "يجدد الأمل"، مستدركةً بالقول: "بالنسبة لي، لا يوجد قانون عادل إلا عندما يكون الناس مستعدون للالتزام به وتطبيقه. فقواعد السلوك والثقة في المنتدى الدولي للعدالة والقانون يمكن تعزيزها فقط إذا كانت الحكومات مستعدة لدعمها والالتزام بها".

وعلى خلفية ما سبق، تتابع أوغريدي: "من المؤسف أننا في مرحلة من التاريخ تُتخذ فيها إجراءات عقابية ضد الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، مثل العقوبات المفروضة على المحكمة الجنائية الدولية بسبب قيام فرانشيسكا ألبانيزي بعملها المشروع في مجال حقوق الإنسان، بصفتها المقررة الأممية الخاصة المعنية بفلسطين". وفي السياق، تعرّج على قمع دول عدة الاحتجاجات السلمية التي نادت بوقف الحرب، مشيرةً إلى أنه "في عواصم مثل برلين، ولندن، ونيويورك، يتعرض المحتجون السلميون للضرب من قوات الشرطة والأجهزة الأمنية المختلفة. وفي الحقيقة، لا يمكن للعدالة أن تكون إلا في أيدينا نحن أنفسنا".

وتلفت إلى أن العدالة هي عبارة عن "عقد اجتماعي"، موضحةً أنه "إذا كنت تعيش تحت مظلة مجتمع توجد فيه قوانين منتهكة، فإن الطريقة الوحيدة لمواجهة القوانين الظالمة هي كسرها فعلياً، وهذا ما يحاول المحتجون فعله بطرق ناعمة لاستعادة السلطة والقرار"، ويتبدى ذلك بحسبها في "الاحتجاجات، وإزالة المنتجات عن رفوف المتاجر التي تصر على شراء البضائع من المستوطنات في الأراضي المحتلة.. هذا تماماً ما حدث بين عامي 1984 و1987، عندما رفض الناس التعامل مع بضائع من جنوب أفريقيا في عهد نظام الفصل العنصري".

وفيما يشهد العالم موجات تضامن غير مسبوقة مع فلسطين، من نيويورك إلى دبلن ولندن، وجوهانسبرغ، تظل قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مشلولة بسبب الفيتو الأميركي. وعلى ذلك تعلق أوغريدي قائلةً: "أصبحت الولايات المتحدة متعصبة جداً في موقفها العالمي، فهي تصر على احتكار القيادة قوة عظمى"، ورغم ذلك: "أشعر بأن هذا في الواقع هو الركلة الأخيرة لإمبراطورية تحتضر. وفي العموم، فإن التوسع الاستعماري الذي تمارسه أميركا هو من أجل المكاسب الرأسمالية فقط". وبحسبها فإن "الولايات المتحدة تغذي آلة الحرب، ورغم ذلك، ما زالت مشمولة في محادثات السلام، أو ضمن الأمم المتحدة بشكل عام، وخاصة في مجلس الأمن، وهو ما يتعارض مع حقوق الإنسان بالنظر إلى سلوكهم". ولذلك فإن الطريقة التي ستجعل الولايات المتحدة تقبل بقرار الأغلبية العالمية هي، كما تقترح أوغريدي، "طردها من محادثات السلام، حتّى يتعلّم مسؤولوها كيف يتصرفون كبشر بطريقة أفضل".

وجدّد الاحتلال الإسرائيلي، أمس الاثنين، تهديد أسطول الصمود العالمي، وقال إنه لن يسمح له بالوصول إلى غزة. وقالت وزارة الخارجية في بيان "لن تسمح إسرائيل للسفن بدخول منطقة قتالية نشطة، ولن تسمح بخرق الحصار البحري القانوني"، متهمة حركة حماس بتنظيم رحلة الأسطول خدمة لأغراضها، بحسب زعمها. وقالت الوزارة إن السفن يمكن أن ترسو في ميناء عسقلان، حيث يمكن نقل المساعدات إلى غزة، مضيفة "إذا كانت رغبة المشاركين في الأسطول هي إيصال المساعدات الإنسانية بالفعل وليس خدمة حماس، فإن إسرائيل تدعو السفن إلى الرسو في مارينا أشكلون وتفريغ المساعدات هناك، حيث سيجري نقلها بسرعة وبطريقة منسقة إلى قطاع غزة".

وجدّد أسطول الصمود العالمي، أمس، تأكيده أنه سيكمل طريقه باتجاه غزة، رغم التهديدات الإسرائيلية، لأن الأمر يتعلّق بالعدالة، والحرية، والحياة. وفي منشور عبر منصات التواصل الاجتماعي، قالت عضوة اللجنة التوجيهية لأسطول الصمود العالمي، الناشطة الألمانية ياسمين عكار، إن طائرات مسيّرة عدة تقوم بتتبع الأسطول، في خطوة تهدف لتخويفهم ودفعهم للتراجع، مشيرة إلى أن التكنولوجيا نفسها المستخدمة في غزة، تُستخدم الآن لمراقبة البحر الأبيض المتوسط. وأضافت أن الأسطول يراقب من كثب ما يحصل، مشددة على أنهم لن يتراجعوا، وسيواصلون طريقهم إلى غزة رغم الطائرات المسيّرة، ورغم الحرب النفسية.

ذات صلة

الصورة
خيم النازحين الغارقة في مدينة غزة، 14 نوفمبر 2025 (العربي الجديد)

مجتمع

تتفاقم معاناة مئات آلاف النازحين الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر، مع وصول منخفض جوي مصحوب بأمطار وكتلة هوائية باردة منذ فجر الجمعة.
الصورة
غزة (فرانس برس)

منوعات

يفرض الاحتلال الإسرائيلي حصاراً إعلامياً شاملاً على قطاع غزة يشمل منع دخول الصحافيين الأجانب والمعدات التقنية وأجهزة البث والتصوير.
الصورة
الناشطة لينا الطبال (شمال الصورة) على متن أسطول الصمود (فيسبوك)

سياسة

أكدت الباحثة والأكاديمية اللبنانية لينا الطبال، في مقابلة مع "العربي الجديد"، استعدادها لتكرار تجربة أسطول الصمود لكسر الحصار على غزة رغم الاعتقال والتعذيب
الصورة

منوعات

أطلق أكثر من 300 كاتب ومثقف من حول العالم حملة جماعية لمقاطعة قسم الرأي في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، متهمين إياها بـ"التواطؤ" ضد الفلسطينيين.
المساهمون