مفاوضات وقف حرب غزة... مسار التعطيل الإسرائيلي

15 يناير 2025
جنود إسرائيليون على الحدود مع غزة، يونيو 2024 (جاك غويز/فرانسبرس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منذ بداية حرب غزة في أكتوبر 2023، واجهت الفصائل الفلسطينية تحديات في المفاوضات مع إسرائيل، رغم جهود الوساطة من قطر ومصر، التي تعثرت بسبب الخلافات داخل مجلس الأمن وعرقلة القرارات من قبل واشنطن.

- في عام 2024، قدمت قطر وتركيا ومصر مقترحات لوقف الحرب تضمنت انسحاباً إسرائيلياً وتبادل الأسرى، لكن إسرائيل رفضتها وواصلت العمليات العسكرية، مما أدى إلى اغتيال قادة من "حماس".

- كان ملف "اليوم التالي للحرب" عقبة رئيسية، حيث رفضت إسرائيل وجود "حماس" في السلطة بعد الحرب، واقترحت مصر تشكيل لجنة لإدارة الشؤون المدنية في غزة، لكن الاقتراح قوبل برفض من السلطة الفلسطينية.

منذ بداية حرب غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، خاضت الفصائل الفلسطينية وخصوصاً حركة "حماس" عملية تفاوضية عسيرة وقاسية وطويلة أمام الاحتلال الإسرائيلي الذي كان محاطاً بدعم غير مسبوق من الولايات المتحدة ودول أوروبية، فيما لم يكن معنياً في أوقات كثيرة بالوصول إلى صفقة تنهي الحرب. ولعب الوسطاء دوراً بارزاً في الأيام الأولى لمحاولة الوصول إلى اتفاق لوقف حرب غزة، لا سيما قطر ومصر، عبر السعي الدائم لتقديم مبادرات تلقى قبولاً لدى كلا الطرفين، سواء المقاومة الفلسطينية أو الاحتلال الإسرائيلي. ولم يكن المسار التفاوضي لوقف حرب غزة هو الوحيد الذي سعى له الوسطاء، بل شهدت الفترة من 16 أكتوبر 2023 وحتى 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، سلسلة من الجدل داخل أروقة مجلس الأمن نتيجة عرقلة سلسلة من القرارات الخاصة بالدعوة لوقف إطلاق نار فوري وتام في غزة نتيجة اختلاف الصيغ وعرقلة واشنطن أكثر من مرة الوصول لقرار.

رفض نتنياهو وغالانت تمديد هدنة نوفمبر 2023 واتجها نحو عملية برية واسعة في غزة

وفي 24 نوفمبر 2023 نجحت قطر ومعها مصر في التوصل إلى اتفاق هدنة لمدة أسبوع في ما عُرف حينها بـ"الصفقة الإنسانية" والتي أفرج في حينها عن عدد من الأسرى الإسرائيليين المدنيين بالإضافة لـ25 من حملة الجنسيات الأجنبية. وعلى الرغم من سعي الوسطاء لتمديد هذه الهدنة واعتبارها مدخلاً للوصول إلى اتفاق، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن حينها يوآف غالانت قررا إنهاء الهدنة، واتجها نحو عملية برية واسعة في مدينة خانيونس جنوبي القطاع، بزعم وجود أسرى فيها، وأنها مسقط رئيس حركة حماس يحيى السنوار، الذي اغتيل في أكتوبر 2024 في مدينة رفح.

محاولات مضنية لوقف حرب غزة

وشهدت الفترة من يناير/كانون الثاني 2024 حتى مايو/أيار 2024، محاولات مضنية ومكثفة قامت بها أطراف عدة مثل قطر وتركيا ومصر للوصول إلى مقترح مقبول من قبل "حماس" والاحتلال لوقف حرب غزة، وهو ما ظهر حينما نجح الوسطاء في الوصول إلى صيغة في السادس من مايو قبلت بها "حماس" والفصائل الفلسطينية فيما رفضها نتنياهو وذهب نحو تنفيذ عملية برية واسعة في مدينة رفح. وكان هذا المقترح ينص على الوصول إلى اتفاق من ثلاث مراحل ينتهي بالانسحاب الإسرائيلي الكلي من قطاع غزة، وتسليم الأسرى الإسرائيليين مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين، عدا عن تفكيك محور نتساريم والانسحاب منه والسماح بعودة تدريجية للنازحين من مناطق غزة والشمال وإعادة الإعمار وإدخال المساعدات، بالإضافة لوقف الحرب وعدم العودة إليها.

ومع استمرار حرب غزة وسعي الوسطاء للوصول إلى صيغة جديدة، شهد شهر يونيو/حزيران الماضي حراكاً متصاعداً للوصول إلى صيغة اتفاق وهو ما حصل حينما تم تقديم مقترح الثاني من يوليو/تموز 2024، الذي استند إلى مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن، وهو ما قبلت به "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، غير أن نتنياهو رفض هذه الصيغة أيضاً وقرر مواصلة حرب غزة واغتال بعدها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران أواخر يوليو 2024. وشهد هذا المقترح تعديلات بسيطة عن مقترح شهر مايو، تمثلت في الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفي) جنوبي القطاع والأراضي المصرية، بالإضافة للانسحاب من معبر رفح ومحور نتساريم ووقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى.

كانت العراقيل الإسرائيلية مرتبطة بدرجة أساسية برفض إنهاء حرب غزة واشتراط عودة العمليات العسكرية بعد انتهاء مراحل أي صفقة

وكانت العراقيل الإسرائيلية مرتبطة بدرجة أساسية برفض إنهاء حرب غزة واشتراط عودة العمليات العسكرية بعد انتهاء مراحل الصفقة، وهو ما ترفضه المقاومة الفلسطينية و"حماس" التي أصرت على ضمانات حقيقية من الوسطاء وتحديداً الأميركي للوصول إلى أي اتفاق، لا سيما مع الرفض الإسرائيلي طلب الفصائل الفلسطينية دخول الطرفين الروسي والصيني بوصفهما جهات ضامنة لأي اتفاق في حال الوصول إليه. وسعى نتنياهو وحكومته لفرض عدة سيناريوهات أبرزها البقاء في محور صلاح الدين على الحدود بين القطاع ومصر، وهو ما كانت ترفضه الفصائل والقاهرة على حدٍ سواء وتتمسكان بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع. علاوة على ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية أرادت فرض مناطق عازلة وإدخال قوات دولية إلى القطاع وإسقاط حكم "حماس" واستبداله بأطراف مقبولة ليس من بينها السلطة الفلسطينية، والعمل على فرض منهاج دراسي جديد وتغيير الشكل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للقطاع وتعزيز الهجرة الطوعية لخارج القطاع.

تقارير عربية
التحديثات الحية

في المقابل، شهد موقف المقاومة الفلسطينية في مسارات المفاوضات مرونة في عدة مرات مع التمسك بالمبادئ الأساسية المتمثلة في الانسحاب الكلي مع نهاية مراحل الاتفاق، ووقف حرب غزة وعدم العودة إليها وإبرام صفقة تبادل مشرفة وإعادة الإعمار. وقبلت الفصائل وعلى رأسها "حماس" بعدة صيغ كانت تضمن الوصول إلى اتفاق سواء عبر اتفاقات مرحلية متدرجة أو اتفاق من رزمة واحدة ينهي الحرب ويحقق الانسحاب الإسرائيلي وإبرام تبادل للأسرى الفلسطينيين ويكفل إدخال المساعدات بوتيرة كبيرة وضمان عملية إعادة اعمار شاملة للقطاع.

اليوم التالي للحرب

ويُعتبر ملف اليوم التالي للحرب من العقبات التي كانت تعترض التوصل للاتفاق، لا سيما مع تمسك الاحتلال الإسرائيلي بعدم وجود "حماس" في السلطة بعد انتهاء الحرب، وضرورة وجود جسم سياسي جديد يدير القطاع. في حين كان الموقف الفلسطيني المتمثل في "حماس" والفصائل المتحالفة معها مثل "الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وفصائل أخرى يؤكد أن قرار اليوم التالي للحرب متعلق بالفلسطينيين أنفسهم وضرورة عدم تدخّل أي أطراف في هذا القرار. أما السلطة الفلسطينية وقيادتها وحركة فتح، فرأت أنه آن الأوان لأن تبسط الحكومة الفلسطينية في رام الله سيطرتها على القطاع وأن يكون البرنامج السياسي موحداً ويتبع منظمة التحرير. وعرضت مصر أخيراً مشروع لجنة تحمل اسم "لجنة الإسناد المجتمعي" تقوم على الشراكة بين مختلف المكونات السياسية الفلسطينية بما في ذلك حركة حماس لإدارة الشؤون المدنية للقطاع وعملية إعادة الإعمار، فقبلت به الحركة، إلا أن القيادة الفلسطينية متمثلة بالرئيس محمود عباس رفضت هذا الاقتراح وأبلغت الجانب المصري تمسكها بأن تتولى الحكومة التي يترأسها محمد مصطفى إدارة شؤون غزة بالكامل بما في ذلك الملف المالي.

وتدير "حماس" شؤون القطاع منذ سيطرتها عسكرياً عليه في يونيو 2007، حيث سبق وأن تم الوصول لأكثر من 16 اتفاق مصالحة مع "فتح" كان آخرها إعلان بكين في الصين قبل أكثر من عام إلا أنه لم يجر تنفيذ أي من بنوده. ومن المقرر أن تشهد القاهرة اجتماعات جديدة لبحث ملف اليوم التالي للحرب في ظل مواصلة الجانب المصري عمله واتصالاته مع الفصائل الفلسطينية للخروج بصيغة مقبولة من قبل كل الأطراف في ما يتعلق بإدارة شؤون القطاع والإشراف عليه.

المساهمون