مفاوضات مغربية إسبانية لإدارة المجال الجوي في الصحراء

مفاوضات مغربية إسبانية لإدارة المجال الجوي في الصحراء

24 مارس 2023
من زيارة وفد إسباني إلى المغرب خلال فبراير الماضي (Getty)
+ الخط -

يدخل ملف إدارة المجال الجوي في منطقة الصحراء منعطفاً جديداً يفتح معه الأبواب أمام حسم ملف شائك آخر في العلاقات بين الرباط ومدريد، التي دخلت مرحلة جديدة منذ السابع من أبريل/ نيسان من العام الماضي، إثر المحادثات التي جمعت العاهل المغربي الملك محمد السادس برئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، ورسمت تفاصيل "خريطة طريق" أنهت أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين الجارين، على خلفية استقبال السلطات الإسبانية زعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي، بهوية جزائرية مزيفة للعلاج.

وفي تطور لافت، كشفت الحكومة الإسبانية عن أن المفاوضات "بدأت بالفعل" مع المغرب، بشأن إدارة وتنسيق المجال الجوي بين البلدين، بهدف "تحقيق قدر أكبر من الأمن في الاتصالات والتعاون الفني"، وذلك تماشياً مع النقطة السابعة من الإعلان المشترك الصادر في 7 أبريل/ نيسان 2022، والتي كانت قد أشارت إلى أنه "سيتم إطلاق مباحثات حول تدبير المجالات الجوية".

وجاء إعلان الحكومة الإسبانية عن بدء المفاوضات مع الجانب المغربي، في جوابها عن سؤال لعضو مجلس الشيوخ، عن تحالف جزر الكناري، فرناندو كلافيجو، بخصوص مفاوضات نقل إدارة المجال الجوي للصحراء إلى المغرب، وفق ما نشرته صحيفة "أي بي سي" الإسبانية أول من أمس الأربعاء.

وتأتي المفاوضات في سياق التحول الإسباني المعلن بشأن قضية الصحراء، والذي انطلق في 19 مارس/ آذار 2022، مع خروج مدريد من المنطقة الرمادية بإعلانها، لأول مرة علناً، دعمها موقف الرباط ومقترحها للحكم الذاتي في الصحراء، في تغيير جذري وتخلٍّ عما كانت تعتبره الدبلوماسية المغربية غموضاً في الموقف الإسباني، وحياداً سلبياً تجاه الملف.

ومنذ سبعينيات القرن الماضي تبدي السلطات الإسبانية، المستعمِر السابق للمنطقة، تشبثها بالإشراف وبشكل رسمي على الأجواء الجوية في الصحراء، من مركز المراقبة الجوية في كناريا الكبرى، في حين تصرّ السلطات المغربية على استعادة سيطرتها الكاملة على المجال الجوي في الصحراء.

ووفق منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو)، فإن كلّ طائرة تجارية أو عسكرية تمرّ عبر هذه المنطقة يجب أن ترفع تقاريرها إلى مركز مراقبة الحركة الجوية الموجود في مطار جاندو، حيث يعمل الجيش أيضاً والطيران الإسباني.

واعتبر رئيس مركز "أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية" محمد بودن إعلان الحكومة الاسبانية إجراء مباحثات مع المغرب بخصوص تدبير المجالات الجوية أنه يمثل امتداداً للدينامية التي انطلقت مند دخول العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة من الشراكة، وتم تفعيل بنود عديدة من البيان المشترك لتكتسب العلاقات بين البلدين زخماً جديداً.

وأوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المناقشات المغربية الإسبانية بخصوص تدبير المجالات الجوية تمثل إطاراً عملياً رحباً، واستجابة مرنة تعكس مدى الانفتاح والحوار بخصوص مسائل عالقة، فضلاً عن كونها محطة تأخذ بعين الاعتبار اهتمامات ومصالح كلا البلدين، وأفضل الممارسات الدولية في تدبير المجالات الجوية من منطلق اتفاقية شيكاغو 1944، التي تُعدّ أبرز اتفاقية دولية متعلقة بالسيادة على الإقليم الجوي، وكذلك الاتفاقية التي تؤطر حدود منطقة معلومات الطيران في إطار المياه الإقليمية.

وأكد أن "المفاوضات بين البلدين ترمي في النهاية إلى رسم حدود المجالات الجوية، بما يجعل الصحراء المغربية ومجالات جوية حيوية أخرى ضمن منطقة معلومات الطيران للمملكة المغربية، واعتمادها من قبل منظمة الطيران المدني الدولي".

وأضاف: "تدبير المملكة المغربية للمجالات الجوية بالصحراء المغربية واستعادة الأصول الاستراتيجية والسيادية في هذا الإطار ستكون لهما نتائج مربحة للجانبين المغربي والإسباني والمنطقة برمتها، حيث ستحدّد هذه الخطوة بوضوح أدوار ومسؤوليات كل طرف في الملاحة الجوية للمنطقة وخلق بيئة تنافسية، ما سيسمح بتطوير خدمات الملاحة الجوية بمطارات العيون والداخلة وغيرها، وتدفق معلومات الطيران بانسيابية، وتصميم المسارات الجوية للمجال الجوي الخاص بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية".

ولفت إلى أن ملف تدبير المجالات الجوية يرتبط في العلاقات المغربية الاسبانية ارتباطاً وثيقاً بالقضايا السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية، وكذلك أنظمة مراقبة الحركة الجوية ومعلومات الطيران. ولذلك، فإن الخطوات التالية من المباحثات بين الجانبين ينبغي أن تؤدي إلى تدبير مغربي كامل للمجالات الجوية المعنية بعملية التفاوض.

وبرأي بودن فإن نمو الحركة الجوية الدولية في الفضاء المتوسطي والمجال الأطلسي سيمكن الاتفاق المنتظر بين المملكة المغربية وإسبانيا بخصوص تدبير المجالات الجوية من توسيع الأنشطة المرتبطة بالنقل الجوي، وتحقيق نمو اقتصادي عبر الوصول إلى أسواق جديدة، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وعروض السياحة، وشبكات الشحن الجوي.

وبالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية المتوقعة، يرى رئيس مركز "أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية" أن أي ترتيبات بين المغرب وإسبانيا لتدبير المجالات الجوية من شأنها أن تمثل إطاراً محورياً لتعزيز سلامة الطيران، وتنظيم الحركة الجوية بشكل فعال، وهذا أمر بالغ الأهمية لمصالح الطيران في المنطقة، والحركة الجوية دولياً.

وتوقع بودن أن تمهّد المباحثات الخاصة بتدبير المجالات الجوية بين المغرب وإسبانيا الطريق لتعاون معمّق ووثيق في مختلف محاور الشراكة الاستراتيجية، ويمكنها أن تُتوَّج باتفاقية تحديد المجالات الجوية بين البلدين، بما ينسجم مع الموقف الإسباني المتقدم من المبادرة المغربية للحكم الذاتي بالصحراء.

المساهمون