مفاوضات معقّدة لحل أزمة "قسد" في شرق الفرات

21 يناير 2025
مقاتلات من "قسد" في الحسكة، 21 ديسمبر 2024 (إيلكه سكولييرز/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التوترات والمفاوضات حول "قسد": تشهد سوريا توترات متزايدة حول مصير "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مع تهديدات تركية بعمل عسكري لطردها. تجري مفاوضات بين الولايات المتحدة وتركيا وسوريا و"قسد" لحل الأزمة، مع التركيز على دمج مقاتلي "قسد" في الإطار الأمني السوري.

- المطالب والتحديات: قائد "قسد" يطالب بالإدارة اللامركزية، بينما يرفض وزير الدفاع السوري الجديد هذا المطلب. تستمر المحادثات بين الأطراف المعنية لتحقيق استقرار سوريا.

- الوضع الميداني والتهديدات التركية: تستمر المواجهات في شمال شرقي سوريا، مع تهديدات تركية بعمل عسكري ضد "قسد". يرى الخبراء أن الحل يتطلب تفكيك "قسد" ودمج مقاتليها في الجيش السوري.

بات مصير "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في سورية واحداً من أكثر القضايا حساسية التي تلقي بظلالها على مستقبل البلاد، في ظل تلويح بعمل عسكري واسع من قِبل تركيا وحلفائها السوريين لطرد هذه القوات من مناطق سيطرتها. لكن بالتوازي مع ذلك، تجري مفاوضات مكثفة بين أطراف مختلفة للتوصل إلى اتفاق لحل أزمة "قسد" في شرق الفرات، لكن يبقى أن أي حل بحاجة لوقت طويل ولأشهر للوصول إليه، وهو ما قد يدفع الإدارة الجديدة في سورية للتحرك عسكرياً في حال شعرت بالمماطلة من قبل "قسد". وكشفت وكالة رويترز نقلاً عن نحو عشرة مصادر أن مفاوضين دبلوماسيين وعسكريين من الولايات المتحدة وتركيا وسورية إلى جانب "قسد" منخرطون في مفاوضات لحل أزمة "قسد" في شرق الفرات، وأن هذا الأمر قد يمهد الطريق لاتفاق في الأشهر المقبلة من شأنه أن يتضمن مغادرة بعض المقاتلين الأكراد من شمال شرقي سورية، فيما يضع آخرين تحت قيادة وزارة الدفاع الجديدة. لكن المصادر قالت إن هناك العديد من القضايا الشائكة التي لا يزال يتعين حلها. ومن بين هذه القضايا كيفية دمج مقاتلي "قسد" في الإطار الأمني السوري وإدارة الأراضي الخاضعة لسيطرتهم.

وكان قائد "قسد" مظلوم عبدي قد قال في حديث تلفزيوني قبل أيام إن المطلب الأساسي لقواته هو الإدارة اللامركزية، موضحاً أن "قسد" منفتحة على ربط نفسها بوزارة الدفاع والعمل وفق قواعدها، ولكن "ككتلة عسكرية". وكشف عبدي أنه التقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، وأن الجانبين اتفقا على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة لبحث كيفية دمج "قسد" مع وزارة الدفاع. ووصف الاجتماع مع الشرع بالإيجابي. لكن وزير الدفاع السوري الجديد مرهف أبو قصرة قال في مقابلة مع "رويترز"، أول من أمس الأحد، إن مقترح أن تظل "قسد" كتلة واحدة "لا يستقيم". واتهم قادة "قسد" "بالمماطلة"، وقال إن "اندماج كل المناطق تحت الإدارة الجديدة... حق للدولة السورية". ونقلت "رويترز" عن دبلوماسي أميركي كبير قوله إن مسؤولين أميركيين وأتراكاً يعقدون مناقشات "مكثفة للغاية" منذ الإطاحة ببشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وأضاف أن البلدين لديهما "وجهة نظر واحدة بشأن أين يتعيّن أن تنتهي الأمور"، بما في ذلك الاعتقاد بأن جميع المقاتلين الأجانب يجب أن يغادروا الأراضي السورية، وأشار إلى أن المفاوضين الأتراك يرون أنه يتعين تسوية الأمور "على وجه الاستعجال".


هشام اسكيف: نحن في معركة مستمرة، ولكن قد تتطور بدخول أكبر للحليف التركي

أزمة "قسد" في شرق الفرات

لكن الدبلوماسي قال إن المحادثات "معقدة للغاية" بشأن أزمة "قسد" وستستغرق وقتاً طويلاً. ووفق "رويترز"، ذكر مسؤولون من جميع الأطراف أن محادثات تجري بالتوازي بين الولايات المتحدة وكل من "قسد" و"هيئة تحرير الشام"، ومحادثات بين تركيا و"هيئة تحرير الشام"، وأخرى بين "قسد" و"هيئة تحرير الشام". وقال الدبلوماسي الأميركي إن الإطاحة بالأسد فتحت الباب أمام واشنطن لدراسة سحب قواتها من سورية في نهاية المطاف، إلا أن جانباً كبيراً من الأمر يعتمد على ما إذا كانت قوات موثوقة مثل حلفائها الأكراد ستظل منخرطة في الجهود الرامية إلى مواجهة أي عودة لتنظيم داعش. من جهته، قال مصدر في وزارة الخارجية التركية إن نزع سلاح الفصائل المسلحة ورحيل "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" أمر ضروري من أجل استقرار سورية وسلامة أراضيها، وأنه كلما حدث ذلك في أقرب وقت كان أفضل. وأضاف المصدر "إننا نعبر عن هذه التوقعات بأشد العبارات خلال اتصالاتنا مع الولايات المتحدة والإدارة الجديدة في دمشق".

ووفق "رويترز"، أفاد بعض المسؤولين السوريين والدبلوماسيين بأن "قسد" ستحتاج على الأرجح إلى التخلي عن السيطرة على مناطق واسعة وعائدات النفط التي تسيطر عليها في إطار أي تسوية سياسية. وفي المقابل، قد تُمنح الفصائل الكردية حماية للغتها وثقافتها داخل هيكل سياسي لامركزي، وفقا لبسام القوتلي، رئيس الحزب الليبرالي السوري الصغير الذي يدعم حقوق الأقليات لكنه لا يشارك في المحادثات. وأقر مصدر كردي سوري كبير بأن بعض هذه المقايضات قد تكون ضرورية على الأرجح في سياق أزمة "قسد" في شرق الفرات، لكنه لم يقدم تفاصيل. وعلى الرغم من هذه المفاوضات، تبقى إمكانية التصعيد في شمال شرقي سورية قائمة، حيث تدور مواجهات متواصلة. وبحسب مصادر إعلامية سورية، أرسلت إدارة العمليات العسكرية قوات إلى محافظة دير الزور، شرقي البلاد، وإلى محور القتال المحتدم منذ أكثر من شهر في ريف حلب الشمالي الشرقي في ريف منبج ومحيط سد تشرين على نهر الفرات، بين فصائل سورية في غرفة عمليات "فجر الحرية"، وقوات "قسد".

ولكن هشام اسكيف، وهو قيادي في "الجيش الوطني" المنضوية فيه فصائل هذه الغرفة، أكد في حديث مع "العربي الجديد"، أن "من يقاتل على جبهة السد (تشرين) هي قوات الجيش الوطني، وهي تخوض معارك شرسة وضارية منذ أكثر من أسبوعين استطاعت من خلالها التقدم باتجاه السد وتثبيت نقاطها، وما زال التقدم مستمراً". وتابع: "نحن في معركة مستمرة، ولكن قد تتطور بدخول أكبر للحليف التركي. نحن نخوض معركة وحدة سورية، والمؤكد أننا والحليف التركي نتشارك في الأهداف نفسها، وحدة الأراضي السورية والقضاء على التنظيمات الإرهابية". وكانت قوات "قسد" قد تقدمت في ريف حلب الشرقي بعد أيام من سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، ووضعت يدها على عدة بلدات وقرى كانت تحت سيطرة قوات النظام المخلوع. ولم تحاول إدارة العمليات العسكرية حتى اللحظة التعامل بقوة مع أزمة "قسد" لتفسح المجال لمحاولات التوصل إلى تفاهمات سياسية تُعيد الشمال الشرقي من البلاد والذي يضم الجانب الأكبر من ثروات سورية إلى السلطة المركزية في دمشق من دون قتال.

ويستمر الجانب التركي بالتلويح بعمل عسكري واسع النطاق ضد قوات "قسد". وفي هذا الصدد، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة الماضي، في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية بولاية قيصري، إنه "لا يمكن لتركيا أن تشعر بالأمان التام ما دام هناك إرهابيون انفصاليون يحملون السلاح في سورية". وكرر تهديده بسحق وحدات حماية الشعب الكردية في سورية في حال لم تُلقِ السلاح طوعاً، مضيفاً: هدفنا هو محو كل التنظيمات الإرهابية في سورية لتحقيق الأمن الدائم بالمنطقة.


ضياء قدور: الوضع في شمال شرقي سورية يتطلب حلاً حاسماً

الدعوة لحل سريع وحاسم

ورأى الخبير العسكري ضياء قدور، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع في شمال شرقي سورية يتطلب حلاً حاسماً وسريعاً"، معرباً عن قناعته بأن "قسد والمليشيات الأجنبية الانفصالية التابعة لها تشكل تهديداً لاستقرار المنطقة ووحدة الأراضي السورية". واعتبر أن المفاوضات التي تجريها الإدارة الجديدة في دمشق بشأن أزمة "قسد" "خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستقرار"، مستدركاً بالقول: ولكن يجب أن تكون هذه المفاوضات مشروطة بتفكيك قسد ودمج مقاتليها في الجيش السوري، وطرد العناصر الإرهابية الأجنبية منها خارج التراب السوري. وتابع: يجب أن تضمن هذه المفاوضات عدم وجود أي كيان مستقل داخل الأراضي السورية، وأن تكون جميع القوات تحت قيادة عسكرية واحدة في البلاد. ولم يستبعد قدور شن "العمليات العسكرية" عملية ضد قوات "قسد" في شمال شرقي البلاد "في حال فشل المفاوضات، لضمان عدم بقاء أي قوة مسلحة خارج سيطرة الدولة السورية". وأعرب عن اعتقاده بأن "المساعي التي تبذلها الحكومة السورية الجديدة في إعادة بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها قسد، جادة وحاسمة أكثر من أي وقت مضى"، مضيفاً: "المسألة لم تعد تحتمل التأجيل والمماطلة غير المفيدة". وبرأيه، "يجب أن تكون الأولوية لتحقيق الاستقرار ووحدة الأراضي السورية"، مضيفاً: أرى أن التعاون بين الإدارة السورية الجديدة والجيش الوطني السوري في شمال البلاد هو السبيل الأمثل لحل أزمة "قسد" في شرق الفرات.

وتسيطر "قسد"، التي شكلها التحالف الدولي ضد الإرهاب في عام 2015، على ما يُعرف اصطلاحاً بـ"شرقي الفرات"، حيث تقع أغلب مساحة محافظة الرقة وكل محافظة الحسكة تحت سيطرتها، إضافة إلى نصف محافظة دير الزور، وجانب كبير من ريف حلب الشمالي الشرقي، شرقي نهر الفرات. وتعد المنطقة التي تسيطر عليها "قسد" والتي يشكل العرب غالبية سكانها، الأكثر غنى بالثروات، فهي تضم أهم وأكبر حقول النفط والغاز تحت سيطرة "قسد"، ولعل أبرزها حقول الرميلان في محافظة الحسكة وحقلا العمر وكونيكو في ريف دير الزور، فضلاً عن الثروة الزراعية الهائلة.

تقارير عربية
التحديثات الحية