استمع إلى الملخص
- التحديات والخلافات: تبرز الخلافات حول آلية إطلاق سراح الأسرى ومدة التهدئة، حيث تفضل حماس الإفراج على مرحلتين وتهدئة لـ90 يوماً، بينما تقترح إسرائيل فترة لا تتجاوز 60 يوماً.
- الدور الأميركي والضغوط الدولية: يسعى التدخل الأميركي لتقريب وجهات النظر، وسط ضغوط دولية على إسرائيل لقبول هدنة جزئية، مع استمرار الجهود لتقديم وثيقة مكتوبة لتسهيل الاتفاق.
عاد الحديث عن مفاوضات غزة لوقف إطلاق النار إلى الواجهة من جديد، بعد إعلان المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف عن تقديمه مقترحاً جديداً يستهدف الوصول إلى اتفاق بين حركة حماس والاحتلال خلال الفترة الحالية. وتزامن الأمر مع إعلان البيت الأبيض عن تفاؤله بشأن إمكانية مساهمة مقترح معدل لويتكوف في سد الفجوات بين إسرائيل و"حماس"، والنجاح بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى في وقت "قريب"، وذلك بحسب ما نقل موقع أكسيوس الأميركي عن ثلاثة مصادر مشاركة في المفاوضات أمس الخميس. وقال مصدر أميركي للموقع "إذا تحرك كل جانب ولو قليلاً، فقد نتوصل إلى اتفاق خلال أيام".
وعلمت "العربي الجديد" أن تفاصيل الاقتراح المعدّل لويتكوف حول غزة، تنصّ على أنه مع بدء تطبيق الاتفاق ستوقف إسرائيل فوراً جميع العمليات العسكرية الهجومية في غزة، وسيُطلَق سراح عشرة محتجزين إسرائيليين وستُسلَّم 18 جثة لأسرى أموات على مرحلتين. وبحسب المعلومات، ففي اليوم الأول لدخول الصفقة حيز التنفيذ، سيُطلَق سراح خمسة محتجزين أحياء وستُسلَّم تسع جثث محتجزة، فيما سيُطلَق سراح خمسة محتجزين أحياء وجثث تسعة أموات في اليوم السابع من وقف النار. في المقابل، ستفرج إسرائيل عن 125 أسيراً فلسطينياً محكوماً عليهم بالمؤبد، و1111 أسيراً من غزة اعتقلوا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إضافة إلى تسليم 180 جثة من سكان غزة، على مرحلتين أيضاً. وفي اليوم العاشر ستقدم "حماس" قائمة كاملة تتضمن تقريراً طبياً مفصلاً عن حالة الأسرى الإسرائيليين الموجودين في غزة.
ولم يمر إعلان ويتكوف مرور الكرام بالنسبة لأحزاب التيار الديني القومي وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، إذ أثار إعلانه عن طرح مقترح معدّل لوقف إطلاق النار في غزة ردود فعل هجومية منهما دعوا خلالها لاستمرار الحرب. من جهته، تبنّى وزير الخارجية جدعون ساعر موقفاً أكثر مرونة، مشيراً إلى أن "إسرائيل وافقت قبل 11 يوماً على الاقتراح الأميركي بشأن الصفقة، وحماس هي من رفضته حتى الآن". وأضاف: "إذا وُجد احتمال حقيقي للإفراج عن الأسرى، يجب تحقيقه. هذا هو ما يريده غالبية الشعب، ويجب التصرف وفقاً للمصالح القومية، لا وفقاً للضغوط أو التهديدات السياسية".
إبراهيم المدهون: الخلاف الجوهري حالياً يبرز في آلية إطلاق سراح الأسرى
مسار مفاوضات غزة
ورأى المحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن مفاوضات غزة غير المباشرة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي ما زالت مستمرة، في ظل سعي الأطراف المختلفة إلى بلورة اتفاق يفضي إلى تهدئة ميدانية وتبادل للأسرى. وأضاف المدهون في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن مسار مفاوضات غزة قد شهد في بدايته توافقاً على مسودة مقترحة من قبل ويتكوف، حظيت بموافقة حركة حماس، قبل أن تُحال إلى الجانب الإسرائيلي الذي قابل بعض بنودها بالرفض، خصوصاً تلك المتعلقة بآليات تنفيذ الصفقة وضمانات وقف الحرب. ووفقاً للمدهون، فإن الخلاف الجوهري حالياً يبرز في آلية إطلاق سراح الأسرى؛ إذ تصر إسرائيل على الإفراج عن عشرة أسرى دفعة واحدة في مستهل الاتفاق، فيما تفضّل "حماس" توزيع الإفراج على مرحلتين: خمسة في الأسبوع الأول من التهدئة، وخمسة في الأسبوع الأخير، ما يمنح الصفقة توازناً وضماناً لعدم تنصّل الطرف الآخر.
وأوضح المدهون أن إسرائيل ترفض في المقابل تقديم أي تعهدات مكتوبة بشأن المسار السياسي لما بعد الصفقة، وترفض الالتزام بوقف الحرب بشكل نهائي، بينما تصر "حماس" على ضمانات واضحة ومكتوبة، وتُفضّل أن تكون صادرة عن الإدارة الأميركية، بل ومن الرئيس دونالد ترامب شخصياً، لضمان استمرار المسار السياسي بعد الصفقة، وعدم عودة إسرائيل إلى التصعيد العسكري بمجرد إتمام المرحلة الأولى. وبيّن أن مدة التهدئة تشكل نقطة تباين إضافية في مفاوضات غزة مع مطالبة "حماس" بمرحلة أولى تمتد لـ90 يوماً، فيما تقترح إسرائيل فترة لا تتجاوز 60 يوماً، في إشارة إلى نيّتها إبقاء الخيار العسكري حاضراً على الطاولة. في المقابل، فإن إدارة ترامب، تحاول التوصل إلى صيغة توافقية تأخذ بعين الاعتبار ملاحظات الطرفين، لكنها قد تميل في نهاية المطاف إلى وجهة النظر الإسرائيلية.
من جانبه، اعتبر الكاتب محمد الأخرس، أن السلوك الأميركي في ظل إدارة ترامب، وتحديداً فريق ويتكوف الذي يقود مفاوضات غزة، "فوضوي"، وذلك مع انشغال ويتكوف بالملف الإيراني والملف الروسي. وأضاف الأخرس في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هناك أحاديث عن القنوات المتعددة والمتباينة في إدارة ملف مفاوضات غزة فضلاً عن أن التسريبات التي تطرقت لها وسائل الإعلام الإسرائيلية، تجعل من المقترح الجديد مشابهاً لذات المقترح الذي رفضته المقاومة.
وأوضح أنه من الصعب على المقاومة القبول بعملية تسليم الأسرى جميعاً خلال الأيام الأولى للاتفاق، إذ من الممكن أن يعود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحرب أو التنصل من الاتفاق، فيما لو حصل على العدد المتفق عليه في الأسبوع الأول. وأبدى الأخرس اعتقاده أن هناك ضغطاً إنسانياً كبيراً وعسكرياً وهو ما يجعل مفاوضات غزة عملية صعبة جداً، غير أنه لا توجد أي إشارات جدية بشأن إنهاء الحرب على غزة، خصوصاً من إدارة ترامب التي لم تصدر أي إعلان رسمي بشأن نيتها إنهاء الحرب. ولفت إلى أن غياب الضمانات الحقيقية بشأن نهاية الحرب يجعل من جولة مفاوضات غزة الحالية لا تختلف كثيراً عن سابقتها، غير أن المختلف هو زيادة الضغط الدولي وحالة العزلة التي يواجهها الاحتلال الإسرائيلي. وتنصّل الاحتلال الإسرائيلي من اتفاق 19 يناير/كانون الثاني الماضي المبرم بوساطة قطرية ـ مصرية وحضور أميركي، بعدما عرقل مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق ورفض الانخراط بها، بل فرض حصاراً مشدداً في 2 مارس الماضي، قبل استئناف العدوان في 18 مارس الماضي.
محمد الأخرس: إدارة ترامب لم تصدر أي إعلان رسمي بشأن نيتها إنهاء الحرب
تدخل أميركي أكبر
بدوره، رأى الكاتب محمد هلسة، أن ما تشهده المرحلة الراهنة من تحركات سياسية يشير إلى تدخّل أميركي أكبر من المعتاد في مسار التهدئة بين إسرائيل و"حماس"، سواء من جهة الحضور السياسي أو الجهد الدبلوماسي المبذول. وأوضح هلسة في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن الإدارة الأميركية تتحرك بين مسارين: الضغط المباشر الذي لا تفضّله عادة بسبب الكلفة السياسية المترتبة عليه، والضغط غير المباشر عبر محاولات التوفيق بين المواقف الإسرائيلية ومطالب "حماس". وأوضح أن ما يُطرح حالياً هو اتفاق يقع بين سقفَين: دون الوصول إلى التعهد بإنهاء الحرب، وفوق مستوى الهدنة القصيرة المؤقتة، وهو ما يسمح لكل طرف بادعاء تحقيق إنجاز سياسي، فإسرائيل ستقول إنها لم تلتزم بإنهاء الحرب، بينما ستعتبر حماس أنها تجاوزت مجرد هدنة مؤقتة. ويفسر هذه الصيغة بأنها نوع من "الضمان الأميركي لاستمرار وقف إطلاق النار لأطول فترة ممكنة"، من دون الحاجة إلى التزام مسبق بإنهاء الحرب، على أمل أن تستغل واشنطن هذا الوقت لتهيئة الظروف التي قد تقود إلى نهاية النزاع، رغم أنها لا تُصرّح بذلك بوضوح كما تفعل في ملف الحرب الروسية الأوكرانية.
وأشار هلسة إلى أن هذه الصيغة قد تُستخدم لتوفير مخرج سياسي لنتنياهو أمام شركائه الأكثر تطرفاً في الائتلاف، مثل بن غفير وسموتريتش، رغم أن مواقفهما العلنية لا توحي حتى الآن بقبولهما بها، فالمعضلة لا تزال قائمة داخليا بالنسبة لنتنياهو، خصوصاً مع تصاعد الضغوط المجتمعية والدولية، في ظل التوتر مع عائلات الأسرى والمواقف الدولية التي تزداد انتقاداً له. واعتبر هلسة أن أي هدنة جزئية ستمنح إسرائيل فرصة لالتقاط الأنفاس وتخفيف الضغط الخارجي والداخلي، وهو ما سيستفيد منه نتنياهو للاستعداد لجولة جديدة من القتال من دون التخلي رسمياً عن استمرار الحرب، ما يساعده في الحفاظ على استقرار الائتلاف الحكومي. وبحسب هلسة، فإن الشكوك لا تزال قائمة حول مدى قبول الشركاء اليمينيين المتطرفين بأي تسوية لا تتضمن تصعيداً دائماً، إذ إن التوصل إلى صيغة نهائية موقّعة لا يزال بحاجة إلى مزيد من الوقت، رغم أن الولايات المتحدة تعمل حالياً على تقديم وثيقة مكتوبة، بعد فترة من التداولات الشفوية التي خلقت حالة من البلبلة الإعلامية والسياسية. ورجّح هلسة أن تشهد المرحلة المقبلة استعصاءً إسرائيلياً تكتيكياً في التفاصيل التنفيذية، خصوصاً إذا أصرت "حماس" على شروط تتعلق بالانسحاب إلى خطوط ما قبل انهيار الهدنة أو بتسهيلات إنسانية إضافية.