مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق غزة: جولة أصعب من سابقاتها

01 فبراير 2025
حاجز تفتيش عند محور نتساريم، 29 يناير2025 (عمر القطاع/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت الوساطة القطرية والمصرية في التحضير لجولة ثانية من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وسط تعقيدات بسبب المواقف الإسرائيلية الداخلية، خاصة من الأحزاب القومية الدينية.
- تركز المفاوضات على تنفيذ بنود الاتفاق المتعلقة بالهدوء المستدام، وقف الحرب، الانسحاب الإسرائيلي، وإعادة الإعمار، مع ملفات حساسة مثل تبادل الأسرى والمحتجزين.
- تواجه المفاوضات تحديات كبيرة، منها مطالب إسرائيل بنزع سلاح حماس والضغوط السياسية الداخلية، بينما تلعب إدارة ترامب دورًا مهمًا في العملية التفاوضية.

بدأ الوسطاء القطريون والمصريون خلال الأيام الأخيرة عملية استكشافية وتحضيرية للجولة الثانية من مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد جهود مضنية ومفاوضات استمرت لأشهر. وتبدو الإرهاصات الأولية المتعلقة بهذه الجولة من مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق غزة وترتيباتها، معقدة وغير متفائلة لجهة سرعة الوصول إلى إنهاء الحرب التي استمرت أكثر من 15 شهراً، لا سيما وسط المواقف الإسرائيلية الداخلية المرتبطة بالأحزاب القومية الدينية، التي تريد استئناف الإبادة.

ويستعد الوسطاء للجولة الثانية من المفاوضات المقرر أن تنطلق بشكل عملي وفعلي في اليوم الـ16 (الاثنين المقبل) من المرحلة الأولى التي بدأت يوم الأحد 19 يناير الماضي، بحيث يتم التحضير للمرحلتين الثانية والثالثة من عملية تبادل المحتجزين والأسرى، وتطبيق كافة بنود الاتفاق، والتي تشمل الهدوء المستدام ووقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من القطاع وإعادة الإعمار.

وتضمنت بنود اتفاق وقف إطلاق النار نصاً واضحاً يتحدث عن استمرار حالة الهدوء خلال عملية التفاوض، حتى لو انتهت مهلة الـ42 يوماً، المتعلقة بتنفيذ المرحلة الأولى. إلا أن هذا البند يمكن للاحتلال أن يتلاعب به في ضوء الحالة السياسية الداخلية. فقد شكلت استقالة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير من منصبه، التي دخلت حيّز التنفيذ بعد يومين من تنفيذ الاتفاق، أولى الضربات للائتلاف الحكومي، بالإضافة إلى تلويح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالاستقالة من منصبه في حال عدم عودة الحرب في المرحلة الثانية. ما يعزز من خشية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من انفراط عقد حكومته في ظل ضغوط الأحزاب اليمينية التي تشكل هامش الأمان لهذه الحكومة، منذ تشكيلها في 2022. علماً أن تنفيذ صفقة التبادل (تحقق منها 3 دفعات، الأحد 19 يناير والسبت 25 يناير والخميس 30 يناير) تزامناً مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كان أول الطلبات التي حققها نتنياهو للرئيس الأميركي، على الرغم من حالة التناغم في المواقف العامة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

وعلى الرغم من أن الكثير من التقديرات توحي باستحالة عودة الحرب بشكلها القديم، في ظل تدفق مئات الآلاف من النازحين من جنوبي القطاع وعودتهم إلى مناطق مدينة غزة وشمالها، إلا أن ثمة اعتقاداً بإمكانية عودتها بشكل عملياتي مختلف، يتبع فيها الاحتلال سياسة جز العشب والعمليات العسكرية المشابهة لتلك التي ينفذها في الضفة الغربية المحتلة.

في سياق آخر، يجري الربط حالياً بين تصريحات ترامب عن "تطهير قطاع غزة"، ورغبته في نقل جزء من سكان القطاع غزة إلى بعض الدول المجاورة مثل الأردن ومصر، بشكل "مؤقت أو طويل الأمد"، في سياق عملية إعادة الإعمار، وبين ما قد تشهده مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق غزة. لا سيما أن المرحلة الأولى شهدت بعض العراقيل الإسرائيلية، إذ أخّر الاحتلال عودة النازحين لمدة يومين بذريعة خرق المقاومة للصفقة وعدم تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود، وهو ما نجح الوسطاء في الوصول إلى حل له وتسليمها أمس الأول الخميس.

استعداد لبدء مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق غزة

قال مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، إن مفاوضات المرحلة الثانية ستبدأ في اليوم السادس عشر من بدء الاتفاق رسمياً "لكن الاحتلال يحاول جس النبض مع الوسطاء منذ اليوم الأول لتوقيع الاتفاق"، مضيفاً أن "حركة حماس مستعدة جيداً للمفاوضات في المرحلة الثانية التي ستشمل استكمال كل الملفات المتعلقة بالانسحاب والإغاثة وتأهيل البنية التحتية والمؤسسات العامة وإعادة الإعمار". وأشار إلى أن "هذه الجولة من المفاوضات ستكون حول الملفات المتعلقة بمفاتيح تبادل المحتجزين والأسرى في المرحلة الثانية والشروط المتعلقة بالإفراج وعملية التبادل والتي ستكون مختلفة عن المرحلة الأولى".

مصدر: حركة حماس مستعدة جيداً للمفاوضات في المرحلة الثانية 

من جهة أخرى شدّد المصدر نفسه على ضرورة "إلزام الاحتلال الإسرائيلي من قبل الوسطاء بتنفيذ الاتفاق في المرحلة الأولى، لا سيما ما هو متعلق بالبروتوكول الإنساني في هذه المرحلة، من إدخال المساعدات والإغاثة للشعب الفلسطيني في غزة".

مرحلة أكثر خطورة

اعتبر الكاتب والباحث في الشأن السياسي ساري عرابي، أن المرحلة الثانية لاتفاق غزة "تبدو أكثر خطورة من المرحلة الأولى، لأنها المرحلة التي يفترض أن تنهي الحرب وتدفق قوات الاحتلال للخروج من قطاع غزة"، وتبحث في طياتها الملفات الكبرى التي تنسف حديث نتنياهو عن النصر المطلق". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "الحساسية في المرحلة الثانية متعلقة بطبيعة المفاوضات بما في ذلك تبادل المحتجزين والأسرى، إذ سيكون كل طرف مطالبا بتقديم تنازلات في هذا الملف، لا سيما أن التبادل سيشمل الضباط والجنود الإسرائيليين في الوقت الذي سترفع فيه المقاومة من سقف طلباتها بعد المرونة التي أبدتها في المرحلة الأولى".

وعن المحتجزين المتبقين لدى حركة حماس، فهم وفق عرابي "أكثر نوعية، وبالتالي فإن مفاتيح التفاوض في المرحلة الثانية ستكون مختلفة عن المرحلة الأولى وهو ما سيدفع بالحركة للمطالب بأسماء ثقيلة (من الأسرى الفلسطينيين مقابلهم) وأعداد أكبر". أما عن فترة الـ42 يوماً للمرحلة الأولى، فباعتقاد عرابي "قد تبدو ضئيلة من الناحية الزمنية للتوافق على شروط المرحلة الثانية، وهو ما دفع بحماس للإصرار على شرط الاستمرار في وقف إطلاق النار خلال عملية التفاوض على المرحلة الثانية".

ساري عرابي: مفاتيح التفاوض في المرحلة الثانية ستكون مختلفة عن المرحلة الأولى

وبرأيه فإن "عوامل عودة الحرب قد تبدو قائمة، غير أن العوامل الأخرى تدفع باتجاه وقف إطلاق النار، على الأقل دون اتفاق على شكل المرحلة الثانية، لا سيما مع عودة النازحين للشمال"، موضحاً أنه "سيكون من الصعب دفع الفلسطينيين للتهجير من جديد من مناطق الشمال نحو الجنوب". وأشار إلى أن المرحلة الثانية لاتفاق غزة "مرتبطة عضوياً بالمرحلة الأولى عبر نصوص واضحة في الاتفاق، بالإضافة إلى أن هناك ضمانات من الوسطاء والولايات المتحدة بشأن الاتفاق، علاوة عن أن فكرة عملية إعادة الإعمار تتناقض عملياً مع العودة للحرب". واعتبر أن "تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق بشكل كامل سيجعل من الصعب عودة الحرب، لا سيما مع تراجع الدافعية القتالية لجيش الاحتلال، عدا عن تفكيك القواعد الداخلية للجيش التي كانت موجودة داخل غزة".

تحديات كبيرة

رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، ناجي شراب، أن مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق غزة "تواجه تحديات كبيرة، أهمها وجهة نظر إسرائيل المتعلقة بنزع سلاح حماس بالكامل وإطلاق سراح جميع الأسرى والاحتفاظ بالمناطق العازلة التي أقامتها". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "وقف الحرب يتعلق بمطالب سياسية بعيدة تريد إسرائيل أن تحقق فيها ما فشلت في تحقيقه بالحرب، بالإضافة لمطلب تهجير الفلسطينيين أو تفريغ القطاع وهو مطلب سيشكل تحدياً تفاوضياً لدى حماس".

ناجي شراب: موقف إدارة ترامب ومستشاريه يعتبر عاملا مهما في العملية التفاوضية
 

وعن أهداف "حماس"، اعتبر ناجي شراب أن الحركة "تسعى الآن للبقاء في غزة والحفاظ على حكمها كما ظهر من خلال المشاهد الأولى التي تبعت تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق". من جهة أخرى لفت إلى أن "موقف إدارة ترامب ومستشاريه يعتبر عاملاً مهماً في العملية التفاوضية على الرغم من أنه قام بتزويد الاحتلال بقنابل تزن ألفي رطل ورفع العقوبات عن المستوطنين، وهو ما قد يجعل المفاوضات أكثر صعوبة من خلال الغطاء الكامل الموفر للاحتلال". أما القضية الأهم، بحسب شراب، فهي أنه إلى جانب مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق غزة "تبدو الحكومة (الاحتلال) مرتبطة بقضية تجنيد الحريديم (المتدينين الإسرائيليين) وهي التي قد تلقي بظلالها على استقرارها، إلى جانب تحركات نتنياهو لتحقيق أكبر مكاسب سياسية ممكنة من الاتفاق".

وفي إطار المشهد الإسرائيلي الداخلي، اعتبر الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي، محمد هلسة، أنه مشهد "مركّب ومعقّد وتسوده الضبابية، لا سيما مع تنفيذ جزء من المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "جزءاً من الأحزاب اليمينية التي يتكئ عليها نتنياهو ويمثلها سموتريتش تريد العودة للحرب بعد انتهاء المرحلة الأولى، وتؤكد وجود ضمانات من نتنياهو للعودة للحرب من جديد".

محمد هلسة: جزء من الأحزاب اليمينية التي يتكئ عليها نتنياهو ويمثلها سموتريتش تريد العودة للحرب

لكن هلسة لفت إلى "طرف آخر إسرائيلي يرى أن عودة النازحين أسقطت عودة الحرب بفرضيتها القديمة التي كانت عليها، لا سيما مع الاستعراض القوي الذي مارسته حركة حماس على كل من المستوى السياسي والعسكري والإداري". وأشار إلى أن "هذه المشاهد طرحت تساؤلات إسرائيلية كثيرة تتمثل في جدوى العودة لحرب مدمرة من جديد في ظل الفشل الذي رافق الحرب على مدار 15 شهراً وقدرة حماس على الحفاظ على هيكلها العام".

بالتوازي مع ذلك، نوّه هلسة إلى أن "ثمة سيناريو آخر يرى أن هناك إمكانية لعودة الحرب من جديد مع وصول رئيس أركان جديد (بعد إعلان الحالي هرتسي هاليفي أنه سيستقيل في مارس/ آذار المقبل) تختاره الحكومة ويتقاطع مع أفكارها بالإضافة لاستغلال وجود ترامب في البيت الأبيض لفرض احتلال غزة بالكامل". ووفقاً لمحمد هلسة، فإن مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق غزة "إن جرت على نطاق يرتبط بالقطاع فقط، قد لا يُكتب لها النجاح مقارنة مع ما إذا جرت في إطار مقاربة شاملة تشمل الاندماج الإسرائيلي في المنطقة والتطبيع والبرنامج النووي الإيراني"، موضحاً أن ذلك "ما قد يسعى ترامب لتحقيقه بالذات بعد أن يستقبل نتنياهو في البيت الأبيض خلال الأيام المقبلة".

المساهمون