استمع إلى الملخص
- تاريخ الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة يعود لاتفاقية بوليه نيوكومب 1923، مع استمرار النزاعات رغم انسحاب إسرائيل عام 2000، حيث تحفظ لبنان على بعض النقاط مثل مزارع شبعا.
- يواجه لبنان تحديات في المفاوضات مع إسرائيل وسط ضغوط دولية، لكنه يظل متمسكًا بحقوقه وسيادته وفق الاتفاقيات الدولية.
برزت في الساعات الماضية تطورات على جبهتي لبنان وإسرائيل على صعيد ترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار، وتحرير الأسرى، مع تحريك ملف الحدود البرية الجنوبية، والنقاط الخلافية المتنازع عليها، وسط تمسّك لبناني بالخرائط الرسمية المودعة لدى الأمم المتحدة.
وتبلّغ الرئيس اللبناني جوزاف عون، أمس الثلاثاء، أنه بنتيجة المفاوضات التي أجرتها لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في الجنوب، تسلّم لبنان أربعة أسرى لبنانيين كانت قد احتجزتهم القوات الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة، على أن يتم تسليم أسير خامس اليوم الأربعاء. وبينما أعلنت رئاسة حكومة الاحتلال أمس أنه "تم خلال اجتماع اللجنة، الاتفاق على إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة تهدف إلى استقرار المنطقة، وستركز على النقاط الخمس التي تسيطر عليها إسرائيل في جنوب لبنان، مناقشات حول الخط الأزرق والنقاط التي لا تزال محل نزاع، وقضية المعتقلين اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل"، قالت مصادر رسمية لبنانية لـ"العربي الجديد"، إنه تقرّر في الاجتماع أن تبدأ المفاوضات ليس لترسيم الحدود، لأن الحدود مرسّمة أصلاً، بل للبحث في النقاط المختلف عليها، واحتلال التلال، وذلك تطبيقاً لاتفاق نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، واستكمالاً لتطبيق القرار 1701.
وأشارت المصادر إلى أنّ "حدود لبنان البرية مرسّمة ومعترف بها وفق اتفاقية بوليه نيوكومب التي أقرّت عام 1923، وأودع محضر الترسيم لدى عصبة الأمم عام 1924، وهناك بالتالي خرائط رسمية مودعة لدى الأمم المتحدة، وعلى إسرائيل أن تنسحب من الأراضي التي لا تزال تحتلها إلى جانب التلال الخمس التي تتمركز فيها في خرق مستمرّ لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر الماضي، وأي مفاوضات ستكون انطلاقاً من هذه الثوابت".
ودائماً ما يطلّ ملف الحدود البرية إلى الواجهة عند كل حدث أو تطور أمني، وأحدثه، بعد ترسيم الحدود البحرية عام 2022، إبّان عهد الرئيس ميشال عون، ليبرز من ثم في جولات الموفدين الدوليين، خصوصاً الفرنسيين والأميركيين، ومفاوضاتهم للتسوية وإنهاء حرب أكتوبر/ تشرين الأول 2023، باعتباره بنداً أساسياً يقتضي إثارته ووضعه على الطاولة، ومعالجته بما هو طريق ضروري لتحقيق الأمن والاستقرار على المدى الطويل.
تاريخ ترسيم الحدود البرية وتفاصيل النقاط الخلافية
وفي شرحٍ مفصّل لأبرز المراحل التي مرّت بها الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، يقول الخبير العسكري اللبناني العميد علي أبي رعد لـ"العربي الجديد"، إن "الحدود معروفة ومثبتة ومرسَّمة وفق اتفاقيات دولية، أولها في العام 1923، عُرفت باتفاقية بوليه نيوكومب، بعد مفاوضات حصلت بين ممثل فرنسا، المقدّم بوليه، وممثل بريطانيا، المقدّم نيوكومب، وقد شمل الاتفاق 38 نقطة فصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، بالإضافة إلى النقطة 39 على الحدود المشتركة اللبنانية - السورية - الفلسطينية، من رأس الناقورة إلى منطقة الحمة السورية، وأودع الاتفاق لدى عصبة الأمم، وتمّ التصديق عليه وثيقةً دولية في 6 فبراير/ شباط 1924".
ويضيف "بعد نكبة عام 1948، وقيام اتفاقية الهدنة بين لبنان وفلسطين المحتلة في 23 مارس/ آذار 1949، والمصادق عليها من مجلس الأمن الدولي، اعتُمدت احداثيات خاصة، بحيث تم الاتفاق على رسم الحدود بالاستناد إلى اتفاقية بوليه نيوكومب، مع وضع نقاط متوسطة بين النقاط 38، من النقطة BP2 الناقورة لغاية BP38 على نهر الوزّاني". ويتابع أبي رعد "عام 1961، تم الاتفاق على وضع الشارات الـ38 المذكورة أعلاه، مع زيادة نقاط متوسطة سُمّيت B وكان عددها 97، ونقاط أخرى مساعدة سُمّيت BP/، وعلى أساسها حُددت الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة"، مضيفاً "حصلت على مرّ الحروب خلافات كثيرة وإشكاليات في ما خصّ مسألة ترسيم الحدود، وفي فترة عام 1978، حاولت الأمم المتحدة ترسيم الحدود، وقد تبيّن أن النسخة الأصلية من تقرير الترسيم لعامي 1923 و1949 قد اختفت من مقر مراقبة الهدنة في القدس، وكان محتلاً من قبل إسرائيل، كما تبين أيضاً أن النسخة الأصلية أيضاً مختفية من الأرشيف في نيويورك".
ومع خروج المحتل في 25 مايو/ أيار 2000، مارس الإسرائيلي أسلوبه بالمراوغة، وقد اعتمدت الأمم المتحدة على إحداثيات خاصة، كناية عن صور جوية سُمّيت حينها بخريطة لارسن، نسبة إلى تيري رود لارسن، الذي كان وقتها مندوباً خاصاً للأمم المتحدة.
وبحسب الجيش اللبناني، أجريت دراسات على هذه الخريطة، وتم وضع ثلاثة تحفظات في BP16 (الرميش)، وBP35 وBP36 وBP37 (مسكفعام)، وBP38 وBP39 (المطلّة). وفي 23 يونيو/ حزيران 2000 تسلّم لبنان من اليونيفيل لائحة إحداثيات مؤلفة من 198 نقطة، إلّا أنه تحفظ على مزارع شبعا والجزء اللبناني من بلدة الغجر.
ويلفت أبي رعد إلى أنّ مجمل النقاط المتحفظ عليها عددها 13، بدءاً من رأس الناقورة أي BP1 وهي ذات أهمية استراتيجية كبرى، فهي تبعد عن البلدة حوالي 20 إلى 30 متراً، لذلك كان هناك إصرار إسرائيلي على عدم التخلّي عنها، كما تتمتع بأهمية عسكرية، باعتبار أنها تشرف على مساحات كبيرة بالنظر، خصوصاً من جهة فلسطين المحتلة، تصل إلى حيفا.
أما النقطة الثانية، فهي في علما الشعب، وفيها أساساً 3 نقاط، ومن ثم بلدة البستان، وفيها بركة ريشا التابعة للعدو، إلى جانب مروحين، ورميش، ومارون الراس، وبليدا، وميس الجبل، والعديسة، وهذه تُعد أقرب نقطة لبنانية لفلسطين المحتلة من الجهة الشرقية، وآخر قرية خرج منها الاحتلال عام 2000، وتعاني اليوم من الألغام في التلال التابعة لها، ثم كفركلا، كذلك الوزاني، يقول أبي رعد.
ويتوقف أبي رعد عند وجود فارق كبير بين خط الحدود والخط الأزرق، فالأول حُدِّد باتفاقيتي 1923 و1949 ورُسّم بموجب قرار دولي مسجّل بالأمم المتحدة، وإضافة له أنشأ العدو سياجاً تقنياً بمعنى شريطاً شائكاً أو حائطاً إسمنتياً على طول الحدود بموازاة الخط الأزرق الذي اقتطع من الأراضي اللبنانية مساحات كبيرة. ويلفت أبي رعد إلى أن لبنان يعتبر أن الخط الأزرق اقتطع بما مجموعه حوالي 485 ألف متر مربع، علماً أن الرقم يختلف من منطقة إلى أخرى، فمثلاً في علما الشعب، اقتطعت مساحة بحدود 33 ألف متر مربع، ومارون الراس 12500 متر مربع، ومروحين 490 متراً مربعاً، وأكثرها موجودة في العديسة وكفركلا بحدود 18 ألف متر مربع.
ويتابع "تم وضع علامات أو نقاط زرقاء على هذا الخط، لتعيين مواقع الخلاف، وفي وقتٍ لاحقٍ، عولج موضوع 7 نقاط من أصل 13، بحيث اعترف الإسرائيلي بأنها أراضٍ لبنانية، على أن تتم متابعة النقاط الست المتبقية". وتبعاً للجيش اللبناني، فإنه بعد عدوان يوليو/ تموز 2006، فقد تم وضع لائحة مؤلفة من 593 نقطة، وتم قياس 268 نقطة ووضع العلامات عليها، كما تم تحديد 147 نقطة. أما النقاط الباقية فهي 178 نقطة، تقع داخل مناطق وتم التحفّظ عليها وهي 13 منطقة، ولا يعتبرها لبنان الرسمي متحفّظا عليها، بل هي نقاط لبنانية صافية، استناداً إلى اتفاقية الهدنة، وأيضاً اتفاق بوليه نيوكومب.
ويلفت أبي رعد إلى أن هناك مشاكل في بعض المواقع منها مثلاً مزارع شبعا التي يطالب لبنان بالسيادة عليها، حيث إن الأمم المتحدة تعتبرها جزءاً من الأراضي السورية التي احتلها عام 1967، إضافة إلى تلال كفرشوبا التي هي في السفوح الغربية الجنوبية لجبل الشيخ، أي موجودة على مثلث الحدود بين لبنان وسورية وفلسطين المحتلة، ومن ميزاتها أنها موقع استراتيجي مهم، وتطل على سهل الحولة والجليل الأعلى في فلسطين المحتلة، كما على جبل عامل جنوباً وغرباً، الذي يعتبره الإسرائيلي بمثابة تهديد أمني لكل المواقع العسكرية التابعة له من تلة الرمثا، والسماقة، ورويسات العلم.
كذلك، يضيف أبي رعد "بلدة الغجر كانت محتلة بالشق الجنوبي من قبل الإسرائيلي، وتُعتبر منطقة إسرائيلية، بينما الجزء الشمالي يطالب به لبنان باعتباره أرضاً لبنانية، وحصلت مشاكل مع رفض أهل الغجر العودة إلى لبنان رغم أنها لبنانية ومثبتة بالأمم المتحدة، فكان أحد الطروحات نقلهم إلى مكان يقبلون الذهاب إليه، لكن الإسرائيلي يراوغ ويتمسّك بالبلدة، والدليل عندما قال وزير الدفاع الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر عام 2001 إننا لن نسمح بتغيير الأمر الواقع وهذا يؤشر إلى إصرار دائم على البقاء بكل المناطق".
على صعيدٍ ثانٍ، يرى أبي رعد أنّه لا يمكن تكهّن مسار المفاوضات سواء نجاحه أو فشله، خصوصاً أن هناك اليوم تلالا خمسا يتمركز فيها جيش الاحتلال، وهي بالحقيقة أكثر وتتراوح بين 7 وحتى 9، ما يعني أن التفاوض سيكون في إطار سلّة واحدة، مشيراً إلى أن "الإسرائيلي حتماً يريد أن يفرض شروطاً على الدولة اللبنانية، وسيستغل هذا الملف للوصول ربما إلى نوع من الهدنة أو اتفاق هدنة جديد مختلف عن عام 1949، أو توقيع اتفاق سلام قد يكون أحد عناوينه التطبيع مع العدو"، معتبراً أنّ "هناك ضغوطات تتعرض لها الدولة اللبنانية من قبل العدو بواسطة الأميركي والغرب بعد الحرب المدمّرة التي حصلت، وعنوانها الأبرز إعادة الإعمار، تضاف إليها الضغوطات المتمثلة بالخروقات الإسرائيلية اليومية لاتفاق وقف إطلاق النار".