معركة سيفيرودونيتسك: هل تكرر روسيا سيناريو ماريوبول بمصنع "آزوت"؟

معركة سيفيرودونيتسك: هل تكرر روسيا سيناريو ماريوبول بمصنع "آزوت"؟

15 يونيو 2022
مصنع "آزوت" في سيفيرودونيتسك، فبراير 2021 (غاييل جيربيه/ Getty)
+ الخط -

لم تمرّ أسابيع على إخراج عناصر كتيبة "آزوف" الأوكرانية من مصنع "آزوفستال" في مدينة ماريوبول الساحلية وأسرهم، حتى بدت روسيا قريبة من تكرار السيناريو ذاته في مصنع "آزوت" للكيميائيات، آخر معاقل المقاومة الأوكرانية، في مدينة سيفيرودونيتسك الواقعة في غرب مقاطعة لوغانسك، شرقي أوكرانيا.

وبدأت مصطلحات مثل "الاستعداد لإجلاء المدنيين" و"فتح ممر آمن" تتكرّر في بيانات وزارة الدفاع الروسية، في سيفيرودونيتسك بعد ماريوبول. وذكرت الوزارة، أمس الاثنين، أنها مستعدة لإجلاء المدنيين من مصنع "آزوت"، وأن "أوكرانيا طلبت فتح ممر آمن إلى المناطق الخاضعة لسيطرة كييف".

ومنذ بدء النزاع العسكري في منطقة دونباس الواقعة في الشرق الأوكراني والموالية لروسيا في عام 2014، ظلت سيفيرودونيتسك المركز المحلي لأراضي مقاطعة لوغانسك الخاضعة لسيطرة كييف، مشكّلة في المرحلة الحالية، إلى جانب ليسيتشانسك، آخر مدينتين كبريين في المقاطعة لم تتمكّن روسيا من إخلائهما من وحدات القوات الأوكرانية بشكل كامل حتى الآن.

وسيفيرودونيتسك البالغ عدد سكانها نحو 100 ألف نسمة والتي أنشئت في ستينيات القرن الماضي لاحتضان العاملين بـ"آزوت"، هي فعلياً امتداد لمدينة ليسيتشانسك يربط بينهما جسر فوق نهر سيفيرسكي دونيتس، مما يجزم بأن ليسيتشانسك ستصبح هي الهدف المقبل الروسي المقبل في دونباس.

سيفيرودونيتسك عقبة أمام السيطرة على دونباس

وفي هذا الإطار، يعتبر المحلل المتخصص في الشأن الأوكراني، ألكسندر تشالينكو، أن سيطرة روسيا وحلفائها من قوات دونباس على سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك ستعني "تحريراً كاملاً" لأراضي "جمهورية لوغانسك الشعبية"، المعلنة من جانب واحد، ضمن الحدود التي اعترفت بها روسيا عند بدء الغزو في 24 فبراير/ شباط الماضي، مقراً في الوقت نفسه بأن التقدم باتجاه ليسيتشانسك لن يخلو من صعوبات بسبب وقوعها على مرتفع.

ويقول تشالينكو، في حديث لـ"العربي الجديد" من مدينة دونيتسك شرق أوكرانيا، "فعلياً، تمت السيطرة على مدينة سيفيرودونيتسك باستثناء مصنع آزوت، وقد تواصلت عناصر القوات الأوكرانية المحاصرة فيه مع القوات الروسية ووحدات جمهورية لوغانسك الشعبية، طالبة مغادرة المنطقة الصناعية برفقة المدنيين باتجاه مدينة ليسيتشانسك المجاورة والتي لا تزال خاضعة لسيطرة كييف. إلا أن هذا الطلب قوبل بالرفض، في ظل إصرار روسيا وحلفائها على تسليم هؤلاء أنفسهم مقابل ضمان سلامتهم ومعاملتهم معاملة الأسرى".

ومع ذلك، يستبعد تشالينكو احتمال إقدام القوات الروسية على اقتحام "آزوت"، مضيفاً: "يضمّ المصنع مخابئ وملاجئ من القنابل، تتسع لنحو ألفي شخص، ولن تدمرها أي قنابل. أما عملية الاقتحام، فستتسبب في خسائر كبيرة في قوات التحالف (الروس والانفصاليون) والمدنيين الموجودين داخل المنطقة الصناعية. وحتى عند شن ضربات بالمدفعية، يتعين على القوات الروسية توخي الحذر لعدم إصابة صهاريج المواد الكيميائية".


ألكسندر تشالينكو: تمت السيطرة على سيفيرودونيتسك باستثناء مصنع آزوت

وحول رؤيته للخطط الروسية في دونباس بعد السيطرة الكاملة على سيفيرودونيتسك، يشير تشالينكو إلى أنه "بعد سقوط سيفيرودونيتسك، ستصبح ليسيتشانسك آخر جيب للمقاومة الأوكرانية في جمهورية لوغانسك الشعبية، ولكن موقعها الجغرافي على مرتفع يزيد من صعوبة اقتحامها عبر الجسر من سيفيرودونيتسك".

ويوضح أن "قدرات المدفعية الروسية تفوق مثيلاتها الأوكرانية بأضعاف، ولكن الجيش الأوكراني قادر على شن ضربات مدققة من المرتفعات. لذلك ستتم محاصرة المدينة بواسطة قطع طرق إمداد المؤن والأسلحة إلى المدينة".

وبحسب تقديرات الشرطة الشعبية لـ"جمهورية لوغانسك الشعبية"، فإن عدد المدنيين الموجودين داخل أرض مصنع "آزوت" قد يتراوح بين 300 و500 شخص، يحتاج بعضهم إلى العون الطبي.

ويعدّ "آزوت" أكبر مصنع للكيميائيات في أوكرانيا، وأثار وقوعه في قلب المعارك الروسية الأوكرانية مخاوف الخبراء الصناعيين والمعنيين بحماية البيئة، من حصول تلوث في حال تعرضت صهاريج المواد الكيميائية للقصف أو تفجيرات.

وفي موسكو، يشير الخبير الصناعي، ليونيد خازانوف، إلى أن "آزوت" هو المصنع الرائد في أوكرانيا في إنتاج الأسمدة الكيميائية، محذراً من تسمم أعداد كبيرة من سكان سيفيرودونيتسك في حال انفجار مواد كيميائية.

ويقول خازانوف الذي يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد، في حديث لـ"العربي الجديد": "يعتبر مصنع آزوت في سيفيرودونيتسك من المنشآت الأوكرانية الرائدة في مجال إنتاج الأسمدة النيتروجينية، مثل اليوريا ونترات الأمونيوم وخليط كارباميد والأمونيا. وفي النصف الأول من عام 2021، أنتج المصنع ما يقارب 400 ألف طن من الأسمدة، بينما لم تتوفر بيانات أحدث بعد. وكانت منتجاته تباع في كافة أنحاء أوكرانيا، وبشكل أساسي في مناطقها الجنوبية والجنوبية الشرقية الرائدة في مجال زراعة الحبوب".


ليونيد خازانوف: مخاوف من تفجير الأوكرانيين حاويات كيميائية

وحول تصوره للمخاطر البيئية المتعلقة بالقتال في المنطقة الصناعية لـ"آزوت"، يرى أن "هناك خطراً في تفجير القوميين الأوكرانيين حاويات الأمونيوم وأحماض النيتريك والأسيتيك والميثانول، التي قد تكون موجودة داخل أرض المصنع. وقد يؤدي ذلك إلى تسمم أعداد كبيرة من سكان سيفيرودونيتسك. وقد حدثت في مايو/أيار الماضي واقعة انفجار صهريج يحتوي على حامض النيتريك، وبأعجوبة لم يصب بأذى أحد".

معركة سيفيرودونيتسك

وبدأت الأنباء عن وقوع اشتباكات في محيط سيفيرودونيتسك تتوارد منذ الأسابيع الأولى من الحرب الروسية في أوكرانيا، ولكن البيئة المحيطة المشكلة من الغابات الكثيفة وطوق من البلدات الصغيرة حالت دون تحقيق القوات الروسية تقدماً سريعاً.

لكن منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي، بدأت قوات الجيش الروسي و"جمهورية لوغانسك الشعبية" تحقق تقدماً لافتاً، مسيطرة على البلدات المحيطة بالمدينة، وذلك بعد انسحاب القوات الروسية من مناطق وسط أوكرانيا ومحيط العاصمة كييف وتركيز العمليات في دونباس.

ومنذ منتصف مايو الماضي، بدأت تنتشر أنباء على اعتماد القوات الروسية على عربات "تيرميناتور" الداعمة للدبابات، المصممة لاقتحام المواقع المحصنة والقادرة على القتال في ظروف حرب الشوارع.

وفي مطلع يونيو/ حزيران الحالي، بدأت بعض القوات الأوكرانية بمغادرة سيفيرودونيتسك، بينما حوصرت وحدات أخرى بمصنع "آزوت"، فيما أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، قبل نحو أسبوع، عن السيطرة الكاملة على الأحياء السكنية في سيفيرودونيتسك.

وسبق أن استمر القتال في ماريوبول أكثر من 80 يوماً، بين 24 فبراير ومنتصف مايو الماضيين، بما فيه محاصرة الروس والانفصاليين قوات الجيش الأوكراني وكتيبة "آزوف" في مجمع "آزوفستال" الصناعي لأكثر من شهر، لتنتهي بأسر ما بين 1500 و2500 مقاتل أوكراني، وفق تقديرات مختلفة.

وعلى الرغم من تشابه الوضع بين "آزوفستال" و"آزوت" لكونهما آخر معقلين للمقاومة الأوكرانية في ماريوبول وسيفيرودونيتسك على التوالي، إلا أن معركة "آزوت" تبدو أقل نطاقاً، لأن عدد العسكريين والمدنيين المحاصرين فيه لا يتجاوز المئات، فضلاً عن الرمزية التي كانت توليها موسكو للقضاء على كتيبة "آزوف" المصنفة في روسيا كـ"نازية".

المساهمون