معركة سيفيرودونيتسك... أوكرانيا بانتظار السلاح الغربي

معركة سيفيرودونيتسك... أوكرانيا بانتظار السلاح الغربي

15 يونيو 2022
قوات أوكرانية بالقرب من سيفيرودونيتسك (ريك مايف/Getty)
+ الخط -

معركة سيفيرودونيتسك في غرب مقاطعة لوغانسك في شرق أوكرانيا تقترب من النهاية، حسب تقديرات خبراء غربيين. وكلما تقدمت خطوة في هذا الاتجاه، زادت عنفاً وقسوة وعدداً أكبر في الخسائر البشرية من الطرفين.

الجيش الروسي يطوّق المدينة ويتوغل داخلها، وبات الحسم والسيطرة الكاملة عليها مسألة وقت فقط، مثلما تؤكد تصريحات المسؤولين الروس، بينما تشدد الروايات الأوكرانية على مواصلة الصمود والقتال داخل المدينة بوسائل مختلفة.

تداخل كبير بين القوات الروسية والأوكرانية في سيفيرودونيتسك

ونقل مراسل قناة "إل سي إي" الفرنسية أخيراً، أن الأوكرانيين يتبعون داخل المدينة تكتيكاً قتالياً شجاعاً وخطيراً، يعتمد على مهاجمة المواقع الروسية من داخل المدينة. ويبدو أن هناك تداخلاً كبيراً بين الطرفين، بحيث أن المقاتلين الأوكرانيين باتوا يتغلغلون داخل المواقع الروسية وخلفها، حيث يقومون بعمليات حرب عصابات تركز على التصفيات الجسدية والتفجيرات وتخريب المنشآت. وهم بهذا التكتيك يحدون من التفوق الروسي.

وبثت القناة الفرنسية أخيراً صوراً نقلتها عن وسائل إعلام روسية، لمعركة توغل يقوم بها الجيش الروسي، وتبدو كأنها عملية تدريب أو مناورة حربية بالذخيرة الحية، والهدف منها هو التغطية على الطابع الفعلي للحرب الذي اتسم باستخدام أسلحة ذات قدرة هائلة على التدمير.

وقدر خبراء عسكريون فرنسيون أن خسائر أوكرانيا تصل في اليوم الواحد إلى 100 قتيل و500 جريح، بينما يتجاوز ذلك بعدة مرات العدد في الجانب الروسي وقوات الانفصاليين، التي يضعها الروس في الخطوط الأمامية.

المعركة في سيفيرودونيتسك ليست متكافئة من حيث السلاح

رهان أوكراني على الأسلحة الغربية

الأوكرانيون يخوضون حرباً دفاعية، ولديهم أمل بهزيمة الروس ويراهنون على وصول الأسلحة الغربية. وحتى لو سقطت المدينة، فإن ذلك لا يعني بالنسبة لهم نهاية معركة إقليم دونباس. وينقل مراسلو قنوات التلفزة الأجنبية شهادات من الميدان تعكس مدى إصرار الأوكرانيين على المقاومة.

وحسب خبير فرنسي، فإن المعركة ليست متكافئة من حيث السلاح الذي يشارك فيها. فمن الجانب الروسي، هناك 1500 بطارية مدفعية بعيدة المدى تشارك في معارك إقليم دونباس، بينما عددها في الجانب الأوكراني 4 قطع فقط هي التي وصلت من بين 150 بطارية تم التبرع بها من دول غربية عدة منها الولايات المتحدة، فرنسا، بولونيا، وبريطانيا.

ويقول هذا الخبير إن المعركة مرت بثلاثة أطوار؛ الهجوم الذي بدأ في نهايات شهر فبراير/شباط الماضي، ومن ثم المقاومة الأوكرانية التي احتوت الهجوم الأول، وبعد ذلك الهجوم الثاني عقب فشل معركة كييف وتركيز روسيا على هذه الجبهة في الشرق، والطور الثالث هو الحالي الذي تشير بعض التقديرات إلى أنه سيكون لصالح الأوكرانيين شريطة توافر عاملين:

العامل الأول هو وصول الأسلحة الغربية النوعية المنتظرة، والثاني هو إنهاك القوات الروسية التي لا تبدو في حالة جيدة على الرغم مما يشاع ويجري الحديث عنه في الإعلام الروسي.

وفي مؤشر على حرب النفس الطويل، ينسحب الأوكرانيون من الخط الأول من أجل تعزيز خط الدفاع الثاني لاستدراج القوات الروسية وضربها. وهناك إجماع لدى المراقبين على أن القيادة الروسية تتعامل مع جنودها كوقود معارك ولا تعير اهتماماً كبيراً للخسائر البشرية، بل تخفيها. ولا ينطلي هذا التعتيم على الشارع الروسي، وهو ما يفسر سر المعارضة المتنامية للحرب في أوساط الجنود الشبان الروس، ولجوء موسكو إلى قوات مرتزقة من بلدان أخرى.

قمتا الدول الصناعية السبع وحلف شمال الأطلسي

إلى ذلك، يجري النظر إلى المناورات الروسية في بحر البلطيق على أنها نوع من الحرب الباردة، التي لا تقف هنا، بل إن روسيا تقوم باستعراض مستمر لقواتها الجوية والبحرية في المنطقة، بما يتجاوز الحدود السيادية للدول المجاورة، وخصوصاً فنلندا والسويد. وهذا تصعيد سيتفاقم تدريجياً قبل انعقاد قمتين مهمتين مخصصتين للنظر بالمسألة الأوكرانية في نهاية هذا الشهر.

القمة الأولى هي الخاصة بالدول الصناعية السبع (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، كندا، اليابان، إيطاليا)، المقررة في ألمانيا في 25 يونيو/حزيران الحالي، أما الثانية، فهي قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" التي ستنعقد في إسبانيا في 28 من الشهر الحالي. وكلاهما سينعقد على مستوى رؤساء الدول.

وأعلنت واشنطن أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيحضر القمتين، وهو ينوي حث الحلفاء على تطوير مساهمتهم في الحرب، وإبداء دعم أكبر؛ عسكري وسياسي لأوكرانيا، كي تواصل مواجهة الغزو الروسي، وكذلك تعزيز صفوف الحلفاء بعد التصدعات التي تظهر بقوة من حين لآخر بين أطراف أساسيين، كما هو الحال بين بريطانيا وفرنسا من جهة، وبولونيا وفرنسا من جهة ثانية.

بوتين حرّض رئيس السنغال على ضرورة تمرّد أفريقيا على المعادلات الغربية المفروضة عليها

وصعّد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أخيراً، هجومه على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من دون أن يسميه، وقال إن "من أهان وأذل روسيا هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وليس نحن"، في رد على تصريحات ماكرون التي قال فيها إنّه "لا يجوز إذلال روسيا حتى نتمكّن، في اليوم الذي يتوقف فيه القتال، من بناء مخرج عبر القنوات الدبلوماسية".

بدوره، هاجم الرئيس البولندي أندجي دودا زعماء فرنسا وألمانيا بسبب إجرائهم عددا من المكالمات الهاتفية مع بوتين. وقال أخيراً إن "هذا مثل إجراء مكالمة هاتفية مع أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية". وتابع: "هل قال أحد ما مرة إنه يجب إنقاذ كرامة هتلر؟ إنه يجب التعامل بصورة لا تهينه؟ لم أسمع مثل هذه الأصوات".

ويجري النظر إلى مناوشات جونسون مع ماكرون على أنها من قبيل توظيف القضية الأوكرانية في معركة رئيس الوزراء البريطاني الداخلية ومن أجل تجاوز الأزمة التي يمر بها وتراجع رصيده لدى الرأي العام البريطاني، الذي يؤيد على نحو واسع المقاومة الأوكرانية.

ويرى خبراء فرنسيون أنه بغض النظر عن ردود الفعل حيال اتصالات وتصريحات ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، منذ بداية الحرب، فإن الحوار مع الرئيس الروسي مسألة لا بديل عنها في وقت من الأوقات، ومن المرجح أن ذلك سيحتاج إلى وسيط يحظى بثقة الأطراف كافة.

ومن غير الواضح ما إذا كان هذا الدور سيتولاه الرئيس الفرنسي أم نظيره التركي رجب طيب أردوغان، الذي يواصل اتصالات مفتوحة مع بوتين، ولعبت بلاده دوراً في تحريك قضية توريد القمح من الموانئ الأوكرانية، ومن أجل هذا الغرض، استقبلت وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الثامن من الشهر الحالي.

حرب ساخنة في أوكرانيا وأخرى باردة تمتد من تايوان إلى البلطيق، ويقدّر خبراء فرنسيون بأن تعايش هاتين الحربين يعني واحدة من التراجيديات. حرب أوكرانيا أوروبية تمتد نحو آسيا، وبالتالي ليست محلية أو معزولة، بل إن روسيا تعمل على تدويلها.

محاولات روسية للتأثير على موقف أفريقيا

ومن هنا، تكتسب زيارة الرئيس السنغالي ورئيس منظمة الاتحاد الأفريقي ماكي سال، أخيراً، إلى موسكو أهمية خاصة. فهو التقى بوتين في الثالث من الشهر الحالي، والهدف المعلن من الزيارة هو من أجل تسهيل مرور القمح من الموانئ الأوكرانية إلى بلدان أفريقيا المهددة بالمجاعة.

ولكن الزيارة تجاوزت هذا الهدف، إذ إن الرئيس الروسي حرّض ضيفه الأفريقي على ضرورة تمرّد أفريقيا على المعادلات الغربية المفروضة عليها، وأبدى استعداد روسيا لمساعدة السنغال في زراعة مساحات واسعة بالقمح من أجل اكتفاء غذائي ذاتي لكل أفريقيا.

وقال عضو في الوفد السنغالي لـ"العربي الجديد"، إنه "جرى التطرق إلى أن أفريقيا أسيرة النزاعات الدولية، وضحية للحرب في أوكرانيا، في وقت تتبع فيه بلدان أفريقيا لبعض البلدان الأوروبية، التي لا تعير اهتماماً جدياً بالقارة ومشاكلها الاقتصادية والصحية".

ولفت إلى أن بوتين عزف على وتر المشاعر المعادية للغرب في أفريقيا، من أجل تشكيل موقف أفريقي داعم لروسيا التي بدأت تتغلغل في القارة في الأعوام الأخيرة وتدعم بعض دولها سياسياً وأمنياً من خلال مجموعة "فاغنر" للمرتزقة، التي تنتشر في بلدان أفريقية عدة منها ليبيا، ومالي، والسودان. وقد تمكنت في مالي من تحريك مجموعة عسكرية لتولي الحكم، وتطالب هذه المجموعة اليوم برحيل القوات الفرنسية من البلد.

وهنا، تحضر ملاحظة مهمة جداً، وهي الحفاوة التي أبداها بوتين بنظيره السنغالي. ومن مظاهر ذلك أن اللقاء الذي دام ثلاث ساعات ونصف الساعة جرى خلال حفل غداء أقامه بوتين على شرف سال، فيما غابت عن المشهد الطاولة البيضاء الطويلة التي ظهرت قبيل اندلاع حرب روسيا على أوكرانيا، وأول من جلس قبالة بوتين عليها هو ماكرون.

بوتين عزف خلال لقائه سال على وتر المشاعر المعادية للغرب في أفريقيا، من أجل تشكيل موقف أفريقي داعم لروسيا

ونقل الصحافي الفرنسي، إيف تريار، في صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية عن سال، الذي التقاه في باريس في طريق عودته إلى بلاده، قوله إن بوتين خلاف ما راج في الأسابيع الأخيرة يتمتع بصحة جيدة، وكان منشرح المزاج خلال اللقاء.

وشكلت زيارة سال إلى موسكو محطة في حرب القمح التي تشنها روسيا. وظهر أن بوتين يلعب هذه الورقة كرد على العقوبات الغربية، ولذلك يديرها بحرص شديد بما يناسب مصالحه السياسية. ولذا، سيفرض شروطه في الصغيرة والكبيرة ولن يمنحها لدولة واحدة، بل سيستخدمها في عدة اتجاهات. لن يترك العملية مفتوحة، بل سيتحكم في تصدير القمح الأوكراني بمقابل سياسي أولاً.

المساهمون