معركة اقتراع المغتربين تهدد الانتخابات النيابية في لبنان
استمع إلى الملخص
- تتباين الآراء بين القوى السياسية حول قانون الانتخابات؛ حزب الله يصر على القانون الحالي الذي يخصص ستة مقاعد للمغتربين، بينما تطالب قوى أخرى بإلغاء المادة 112 للسماح لهم بالتصويت لـ128 نائباً.
- تقرير المرصد البرلماني يوصي بتعديل النظام الانتخابي لضمان حقوق المغتربين، بإلغاء المقاعد المخصصة لهم والسماح بالاقتراع لجميع المرشحين لضمان عدالة الانتخابات.
تُخاض معركة جديدة في الساحة السياسية في لبنان عنوانها "اقتراع المغتربين"، وذلك على مسافة أشهر من موعد الانتخابات النيابية في مايو/أيار 2026، الأمر الذي بدأ يطرح علامات استفهام جدية حول احتمال تأجيلها، خصوصاً في ظلّ توسع رقعة الخلاف، وبدء مسار تعطيل جلسات البرلمان.
ولليوم الثاني على التوالي رفع رئيس مجلس النواب نبيه بري
الجلسة التشريعية، اليوم الثلاثاء، بسبب عدم اكتمال النصاب، وجاء ذلك بعد رفع جلسة أمس الاثنين على وقع مشادات كلامية وسجالات سياسية حادّة واتهامات متبادلة بنيات "تطيير" الانتخابات. وأسفرت خلافات الأمس بالمجلس عن انسحاب نواب حزب القوات اللبنانية (يترأسه سمير جعجع)، وحزب الكتائب اللبنانية (برئاسة النائب سامي الجميل)، والتغييريين وعدد من المستقلين، اعتراضاً على عدم مناقشة انتخاب المغتربين وتمسكهم بضرورة إلغاء المادة 112 من القانون الانتخابي ليتمكن المغتربون من الاقتراع لـ128 نائباً.وقاطع النواب المنسحبون أمس جلسة اليوم الثلاثاء احتجاجاً على حرمانهم من حق مناقشة القانون الانتخابي والتصويت عليه بشكل ديمقراطي، واعتبر بعضهم أن مجلس النواب يُحيَّد عن مناقشة جميع القرارات المصيرية ومنها قرار الحرب والسلم وانتخاب غير المقيمين.
وحذّر نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، الثلاثاء، من أنّ تفاقم الأزمة سيتطلب حلاً وتفاهماً سياسياً، مشيراً إلى أن تعطيل جلسة اليوم سيبقي على القوانين التي أُقرّت أمس مجمّدة بانتظار عقد جلسة لإقفال المحضر، مشدداً كذلك على أنه من حق النواب ممارسة صلاحياتهم بالحضور أو المقاطعة، لكنه سأل عن الخطوة التالية بعد المقاطعة وما إذا كانت ستطول، منبّهاً من أن تعطيل التشريع يعني تعطيل إقرار القوانين الإصلاحية.
واعتبر حزب القوات اللبنانية أن القوى السياسية والكتل والشخصيات النيابية استُنفرت لتلقين الممانعة درساً مفاده أن مفاتيح مجلس النواب تكمن في نظامه الداخلي لا في جيوبها، وشدد اليوم على أن "فريق الممانعة يستخدم المؤسسات لتعطيل الانتخابات النيابية"، مؤكداً خوض معركة كل يوم كي يؤمن إجراء الانتخابات في موعدها، وكي يضمن تصويت المغتربين. بدوره، أكد الحزب التقدمي الاشتراكي (يترأسه تيمور وليد جنبلاط)، أنه ضد تعطيل الجلسات لكنه في المقابل يتمسّك بضرورة إلغاء المادة 112 من قانون الانتخاب.
أما رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، فيرى أن من يقول إن القانون الانتخابي غير قابل للتطبيق يريد تأجيل الانتخابات. وهناك حلول كثيرة ممكنة لكن يجب تطبيق القانون النافذ كي لا "نشلّح" المغتربين حقهم، مشيراً إلى أن آخر مهلة لتسجيل المغتربين هي في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، وبالتالي فإن فتح باب التسجيل يُفترض أن يبدأ والحكومة عليها أن تطبق القانون لأنه نافذ.
ويعتبر نواب حزب الله أنّ مقاطعة الجلسة هو هروب من المسؤولية وإصرار على الانقلاب على قانون الانتخابات النافذ، وأشار النائب علي فياض إلى أن فريقه السياسي لديه إشكالية في اقتراع الاغتراب، لأنه عندها سنفقد مبدأ تكافؤ الفرص، كما لفت إلى أنه قال لوزير الداخلية إنه يريد فيزا لزيارة أميركا ولقاء قواعده الانتخابية، حيث يوجد لبنانيون شيعة من الجنوب، وإذا لم يحصل عليها فهذا يمهّد للطعن في اقتراع المغتربين للنواب الـ128. وقال النائب علي حسن خليل، من كتلة حركة أمل: "واضح من الذي اتخذ قرار تعطيل العمل التشريعي وليتحمّل هو نفسه المسؤولية".
قراءة في قانون الانتخابات الحالي
وفي تفاصيل الانقسام العمودي بين القوى السياسية، فإنّ الخلاف يقع بين من يريد تطبيق قانون الانتخابات النافذ حالياً ومن يريد تعديله. ويصر حزب الله وحلفاؤه والتيار الوطني الحرّ على تطبيق القانون الحالي، ما يعني أن المغتربين سيصوتون لستة مقاعد فقط موزّعة على القارات الست، ومؤيدي بقاء القانون متهمون بأنهم يخشون أصوات المغتربين لأنها تصب بغالبيتها ضدهم، عدا عن صعوبة في حركة أعضاء حزب الله ما يعيق وصولهم إلى قواعد الحزب في الخارج، بالنظر إلى العقوبات الأميركية والدولية عليه.
ويريد المطالبون بتعديل قانون الانتخابات إلغاء المادة 112 التي تنصّ على أنّ "المقاعد المخصَّصة في مجلس النواب لغير المقيمين هي ستّة، تُحدّد بالتساوي ما بين المسيحيين والمسلمين، وبالتساوي بين القارات الستّ، على أن يصبح عدد أعضاء المجلس 134 نائباً في الدورة الانتخابية التي سوف تلي الدورة الأولى التي ستجري وفق هذا القانون"، إلى جانب أيضاً إلغاء المادة 122. وتبعاً لقانون الانتخابات الصادر عام 2017، وربطاً بالمادة 122 منه، "تُضاف ستة مقاعد لغير المقيمين إلى عدد أعضاء مجلس النواب ليصبح 134 عضواً في الدورة الانتخابية التي سوف تلي الدورة الانتخابية الأولى التي ستجري وفق هذا القانون. وفي الدورة اللاحقة يخفض ستة مقاعد من عدد أعضاء مجلس النواب الـ128 من نفس الطوائف التي خصصت لغير المقيمين في المادة 112 من هذا القانون وذلك بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير".
وتمكّن المغتربون عام 2018 وللمرة الأولى من ممارسة حقّ الانتخاب، ومن ثمّ فعلوا ذلك أيضاً في انتخابات عام 2022، بعدما جرى تعليق العمل بإضافة ستة مقاعد نيابية، استثنائياً ولمرة واحدة، ليعود الانقسام اليوم بين من يريد إلغاء المواد المشار إليها، ومن يريد تطبيق القانون وحصر انتخاب المغتربين بالمقاعد الستّة.
وفي تقرير للمرصد البرلماني لدى المفكرة القانونية، فإن "إضافة ستة مقاعد نيابية لم تتم في انتخابات 2022 إذ جرى تعليق العمل بها استثنائياً ولمرة واحدة، ما يطرح إشكالية جديدة تهدد مجدداً نفاذ قانون الانتخابات: فهل الانتخابات التي ستجري سنة 2026 يتم اعتبارها كالدورة الأولى بعد انتخابات 2018، أي تلك التي يجب فيها رفع عدد النواب إلى 134 أو يمكن اعتبارها بمثابة الدورة الثانية بعد 2018 ما يوجب تخصيص ستة مقاعد للمغتربين من ضمن المقاعد الـ 128".
وأضاف التقرير أن "الغموض حول هذه المسألة بسبب التعليق الاستثنائي الذي حصل للقانون سنة 2021 يتطلب تدخل مجلس النواب من جديد بغية توضيح هذه الإشكالية، ما يؤكد مجدداً أن النظام الانتخابي الذي يرعى المغتربين في صيغته الحالية هو غير مكتمل ما يوجب تعديله في أسرع وقت ممكن من أجل تحصين حقوق المغتربين وتمكينهم من المشاركة في الانتخابات المقبلة كسائر اللبنانيين".
ويعتبر المرصد البرلماني أن كل هذه الإشكاليات كان يمكن تفاديها لو تم إلغاء المقاعد المخصصة للمغتربين والسماح لهم بالانتخاب كما حصل في دورتي 2018 و2022، أي عبر الاقتراع لكل المرشحين داخل لبنان، وهو الهدف الذي يسعى هذا الاقتراح إلى تحقيقه، الأمر الذي يتطلب إقرار ذلك في مجلس النواب قبل فترة معقولة من الانتخابات المقبلة، التي من المفترض أن تحصل بعد أقل من سنة، من أجل السماح للجميع بالمشاركة في الانتخابات انطلاقاً من أحكام قانونية واضحة تتيح للناخبين بشكل مسبق معرفة كيفية ممارستهم حقهم وتسمح للمرشحين بالحصول على الفرص نفسها، ما يضمن عدالة العملية الانتخابية.