معركة أولويات متباينة داخل مجلس الأمة الكويتي

معركة أولويات متباينة داخل مجلس الأمة الكويتي

20 ديسمبر 2020
شهدت الجلسة الافتتاحية للبرلمان تنافساً على الرئاسة (جابر عبد الخالق/ الأناضول)
+ الخط -

وضعت معركة انتخابات رئاسة مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي أوزارها أخيراً، بعد نجاح مرزوق الغانم بالحصول على الرئاسة للمرة الثالثة على التوالي، ضد منافسه النائب الحالي والوزير السابق بدر الحميدي. وشهدت الجلسة الافتتاحية تنافساً محتدماً، والعديد من السجالات بين المعارضة ورئيس السن الموالي للحكومة حمد الهرشاني، الذي أصر على سرية التصويت، فيما أصر نواب المعارضة على علنية التصويت في انتخابات الرئاسة. لكن رئيس السن احتكم إلى المادة 33 من لائحة مجلس الأمة، والتي أكدت على سرية التصويت.

ستحاول الحكومة والنواب الموالون لها رد قانون "العفو الشامل" عبر إثارة موضوع "خلية العبدلي" التابعة إلى حزب الله

لكن معركة رئاسة مجلس الأمة ليست الأخيرة، إذ تنتظر الحكومة وكتلة المعارضة معارك جديدة، أبرزها تشكيل لجان البرلمان، والتي كان من المقرر عقد جلسة التصويت عليها الأربعاء الماضي، أي عقب الجلسة الافتتاحية بيوم. لكن الغانم قرر تأجيلها لأيام، وذلك لإعطاء الحكومة فرصة لالتقاط أنفاسها بعد معركة انتخابات رئاسة المجلس. وتعد اللجنة التشريعية في مجلس الأمة الهدف الأساسي للحكومة والمعارضة على حد سواء. ويطمح الطرفان إلى السيطرة عليها، وذلك لأهميتها الكبيرة في سن القوانين وتمريرها وعرضها على مجلس الأمة للتصويت. وتوصف اللجنة التشريعية بأنها "مطبخ القوانين" داخل البرلمان.

وقال مصدر في الحكومة الكويتية، لـ"العربي الجديد"، إن "أحد أهم الأهداف الحكومية هو السيطرة على اللجنة التشريعية، أو وضع نائبين مواليين فيها على الأقل، لضمان عدم انفراد المعارضة بها. وهو ما يعني انفرادها بمفتاح تمرير القوانين داخل مجلس الأمة". لكن النائب بدر الداهوم قال، لـ"العربي الجديد"، إن الأولوية القصوى للمعارضة لا تتعلق بانتخابات اللجان فحسب، بل تمتد إلى أمور أهم، وهي القوانين التي انتخب الناس المعارضة من أجل تمريرها، وأبرزها "العفو الشامل" و"تعديل الجرائم الإلكترونية" و"اختصاص القضاء بالنظر في دعاوى الجنسية"، بالإضافة إلى قانون "جمعية المحامين للبدون".

ويمثل مشروع قانون "العفو الشامل" أهمية كبيرة للمعارضة. وجرى انتخاب الكثير من أعضاء مجلس الأمة، خصوصاً في الدائرتين الرابعة والخامسة، بناءً على تقديمهم وعوداً لناخبيهم بتمريره. وينص مشروع القانون على العفو عن قادة المعارضة الذين قاموا باقتحام مجلس الأمة أواخر العام 2011، ضمن الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد آنذاك ضد رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح، وانتهت بإقالة الحكومة وحل مجلس الأمة وانتخاب برلمان معارض في 2012. وحكمت محكمة التمييز الكويتية، في يوليو/ تموز 2018، بالسجن مدة 3 سنوات ونصف السنة على قادة المعارضة، وبينهم نواب سابقون، ما أدى لخروجهم من البلاد بانتظار صدور قانون عفو بحقهم.

لكن البرلمان السابق فشل في تمرير أي قانون للعفو، وذلك بعد نجاح الحكومة في إسقاط مشاريع القوانين التي تقدم بها الأعضاء المعارضون، ليتحول هذا القانون إلى أولوية قصوى للمعارضة اليوم. وستحاول الحكومة والنواب الموالون لها رد هذا القانون عبر إثارة موضوع "خلية العبدلي" التابعة إلى "حزب الله". ويشترط النواب الشيعة في الكويت على المعارضة موافقتها على العفو عن خلية "حزب الله" لتتم الموافقة على العفو على مقتحمي مجلس الأمة. لكن مراقبين سياسيين يؤكدون أن المعارضة لا تملك المرونة الكافية لتوافق على مقترحات الكتلة الشيعية في البرلمان، خصوصاً وأن طيفاً كبيراً من المعارضة ينتمي إلى كتلة أصغر، هي الإسلاميون المستقلون، والتي ترفض قواعدها الانتخابية أي عفو عن الخلية التي تم الإمساك بها في 2015. واجتمع 20 نائباً في ديوان النائب مساعد العارضي، ليعلنوا عن اتفاقهم على تمرير قانون العفو الشامل وجعله "أولوية الأولويات". وقال النائب الإسلامي فايز غنام الجمهور، لـ"العربي الجديد": "أولويتنا القصوى هي قانون العفو الشامل، الذي سيعيد لنا إخوتنا الذين يعيشون في الخارج منذ أكثر من عامين، وبعدها سنبحث في الأولويات الأخرى".

في المقابل، قال النائب الموالي للحكومة حمد الهرشاني، لـ"العربي الجديد"، إن "أعضاء المعارضة يعلمون أن قانون العفو الشامل لن يمر، والقيادة السياسية تتحفظ على هذا القانون كما تتحفظ على قوانين أخرى، وذلك لأن العفو يُطلَب ولا يُفرض"، مضيفاً "لا يمكن لمن قام باقتحام مجلس الأمة أن يفرض عفواً يعفيه من المساءلة وهو يعيش في الخارج ومن ثم يعود إلى البلاد ويشارك في العملية السياسية ويصبح عضواً في مجلس الأمة". وتوقع الهرشاني أن تقف الحكومة "بكل حزم" ضد هذا القانون مهما كان الثمن حتى ولو اضطرها الأمر لحل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة، وفق قوله.

ويقول متابعون إن المعارضة على وعي بأن هذا القانون لا يمكن له أن يمر إلا بالتوافق مع القيادة السياسية. فحتى في حالة نجاح المعارضة في تمرير مشروع القانون في المرة الأولى فإن أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح يملك حق رفضه، وإعادته إلى مجلس الأمة. وسيؤدي هذا لتطلب الحصول على أغلبية الثلثين لتمريره، ورفعه إلى أمير البلاد مرة أخرى، والذي يملك حق حل المجلس حينها، أو تعطيل عمله لمدة شهر.

تتهم المعارضة الحكومة باستخدام ورقة سحب الجنسية لأغراض سياسية

كما يأتي قانون الجرائم الإلكترونية، والذي تسبب بسجن العديد من الناشطين السياسيين نتيجة لإبداء آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ليكون أحد الأولويات المهمة للمعارضة، إضافة إلى قانون نظر المحاكم الكويتية واختصاصها في قوانين الجنسية، ما يغلق المجال أمام تحكم الحكومة في عملية سحب الجنسية. وتتهم المعارضة الحكومة باستخدام ورقة سحب الجنسية لأغراض سياسية، تحديداً في 2014، فيما تقول الحكومة إنها لا تسحب الجنسية إلا من المزورين لها، أو مزدوجي الجنسية، الذين تمنع القوانين الكويتية امتلاكهم لجنسية أخرى علاوة على الكويتية. ويأتي مشروع قانون "جمعية المحامين للبدون"، وقام ناشطون حقوقيون بصياغته بالتعاون مع نواب في مجلس الأمة السابق، كأحد الأولويات التي تطرحها المعارضة في هذا البرلمان، فيما تطرح الحكومة قانوناً آخر يعرف باسم "قانون مرزوق الغانم للبدون".

ورغم وضوح الأولويات بالنسبة للمعارضة، إلا أن حالة الارتباك الناتجة عن صدمة خسارة انتخابات رئاسة البرلمان لا تزال تسيطر عليها، بالإضافة إلى إمكانية تفتت كتلة المعارضة نتيجة للانقسامات الفكرية والطبقية بينها. واختار 6 من النواب المحسوبين على "الحضر" الاجتماع وحدهم يوم الخميس الماضي، وبحث القضايا المهمة بالنسبة لهم، رغم أنهم جزء من المعارضة. ويفتح هذا الأمر باب الاحتمالات أمام نجاح الحكومة في مساعيها لتفكيك الكتلة والانفراد بالأعضاء، وبالتالي ضمان عدم تمرير أي أولوية من هذه الأولويات.

المساهمون