استمع إلى الملخص
- تشن "قوات سوريا الديمقراطية" هجومًا على المليشيات الإيرانية شمال نهر الفرات، بدعم جوي أمريكي، بهدف إبعاد الخطر الإيراني عن القواعد الأمريكية وإعادة النازحين، حيث تعتبر القرى المستهدفة ذات أهمية استراتيجية لإيران.
- تتزايد الدعوات لحل سياسي شامل في سوريا، مع تأكيد قطر على تجنيب المدنيين تبعات الصراع، ودعوة الأمم المتحدة لوقف القتال، بينما تتصاعد التوترات بين تركيا وإيران بشأن الأوضاع في الشمال السوري.
بينما كانت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل المعارضة السورية تواصل معركتها ضد قوات النظام السوري، وتقترب من مدينة حماة كانت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) تحاول الاستفادة من الوضع لشن هجوم على قوات النظام والمليشيات الإيرانية، بدعم جوي أميركي، للسيطرة على سبع قرى تقع شمال نهر الفرات ليس بعيداً عن حقل كونيكو للغاز في محافظة دير الزور في أقصى شرق سورية. يأتي ذلك في ظل تصاعد الدعوات لحل سياسي في سورية يبدأ باقتناع النظام بضرورة الانخراط في جهود جدية للتوصل إلى حل ينهي الصراع السوري المتواصل منذ العام 2011.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، أمس الثلاثاء، أهمية إيجاد حل شامل في سورية. وقال الأنصاري، في المؤتمر الصحافي الأسبوعي، إن "موقف قطر واضح وداعم لمصلحة الشعب السوري والحسم العسكري لن يؤدي إلى حل في سورية". وأضاف: "نؤكد أهمية تجنيب المدنيين تبعات الصراع وإيجاد حل شامل وندعم أي مبادرة تنهي الحرب"، لافتاً إلى أن "لا معلومات عن اجتماع يعقد في قطر لبحث الأزمة في سورية". ودعا إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن في سورية والعودة إلى طاولة المفاوضات ووقف الأعمال العسكرية.
من جهته، كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في اتصال هاتفي مع رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني أمس الثلاثاء، وجوب انخراط النظام السوري في عملية سياسية جادة لمنع تفاقم الوضع في البلاد. وذكرت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، في بيان، أن أردوغان "شدد خلال الاتصال على أن أولوية تركيا هي الحفاظ على الهدوء خارج حدودها ومنع إلحاق الأذى بالسكان المدنيين، وعلى أهمية وحدة سورية وسلامة أراضيها، وأن أنقرة تشاطر بغداد الرأي في هذا الخصوص". وأشار إلى أن "تركيا اتخذت وستتخذ تدابير تتماشى مع أمنها ومصالحها لمنع تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي وأذرعه من الاستفادة من التطورات الأخيرة في سورية".
ماجد الأنصاري: الحسم العسكري لن يؤدي إلى حل في سورية
في المقابل، هاجم علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، أمس الثلاثاء، الحكومة التركية بشدة بسبب تطورات الأوضاع في الشمال السوري، قائلاً إن "تركيا للأسف منذ فترة تحولت إلى أداة بيد أميركا والكيان الصهيوني". واعتبر أن بلاده كانت تأمل أن ينهي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان "أخطاء" السياسة الخارجية التركية "لتجربته في الاستخبارات والسياسة الخارجية"، مؤكداً أن "على دول المنطقة أن تعلم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستدعم الحكومة السورية حتى النهاية". وأضاف ولايتي، في مقابلة مع قناة تسنيم الإيرانية، أنه "لم نكن نتصور أن تركيا بتاريخها الإسلامي الطويل تقع في حفرة أنشأتها أميركا والكيان الصهيوني"، معتبراً أن "ما يدعو للاستغراب هو أن تمارس هذه الأعمال باسم الشعب التركي الذي ظل صامداً في الدفاع عن الإسلام بإيمان راسخ منذ بداية الإسلام إلى اليوم". وتابع أن "على أميركا والصهاينة ودول المنطقة من العربية إلى غير العربية أن تعلم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستبقى حتى النهاية إلى جانب الحكومة السورية".
من جهته، أكد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، الجنرال محمد باقري، في مباحثات هاتفية مع نظيريه في العراق وسورية ووزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف، أن "هجوم الإرهابيين على سورية مخطط أميركي عبري"، مضيفاً أن هذا الهجوم "يمثل خطوة أولى لسيناريو خطير للمنطقة". واعتبر أن "التزامن بين الهجوم في الشمال السوري ووقف إطلاق النار الهش للكيان الصهيوني مع لبنان يكشف عن مؤامرة منسقة أميركية وعبرية لإضعاف سورية وحلفائها ومحور المقاومة"، ودعا القادة العسكريين في روسيا والعراق وسورية لاتخاذ تدابير لمنع تمدد الإرهاب.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن "قلقه" إزاء تصاعد العنف في شمال سورية، داعياً إلى وقف فوري للقتال، بحسب ما أعلن الناطق باسمه ستيفان دوجاريك مساء أول من أمس الاثنين. وقال دوجاريك، في بيان: "على جميع الأطراف بذل ما في وسعها لحماية المدنيين والبنى التحتية المدنية، خصوصاً من خلال السماح بمرور آمن للمدنيين الذين يفرون من الأعمال العدائية". وأضاف دوجاريك أنّ "السوريين يعانون هذا الصراع منذ حوالى 14 عاما، وهم يستحقّون أفقا سياسيا يقودهم إلى مستقبل سلمي وليس إلى المزيد من إراقة الدماء".
"قسد" تهاجم قوات النظام والمليشيات الإيرانية
ميدانياً، لم تقتصر المعارك والاشتباكات على شمال وشمال غرب سورية، بل انتقلت إلى أقصى الشرق السوري، حيث بدأ مجلس دير الزور العسكري التابع لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، معركة ضد المليشيات الإيرانية للسيطرة على قرى تسيطر عليها تقع شمال نهر الفرات ليس بعيداً عن حقل كونيكو للغاز. وأوضحت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن القرى التي تسيطر عليها المليشيات الإيرانية شمال نهر الفرات منذ العام 2017، هي حطلة، الزغيّر، مرّاط، الحسينية، مظلوم، طابية جزيرة، وخشام. وأشارت المصادر إلى أنّ سكان هذه القرى نزحوا إلى مناطق تحت سيطرة "قسد"، خشية قيام قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية بتنفيذ عمليات انتقامية بحقهم، بعد استعادة القرى السبع من تنظيم "داعش" في ذلك العام، مشيرة إلى أن السكان يريدون اليوم العودة إلى بيوتهم. وذكرت وكالة سانا، التابعة للنظام، أن قوات النظام والقوات الرديفة تتصدى لهجوم شنته قوات تابعة إلى "قسد" في الريف الشمالي لمحافظة دير الزور.
اعتبر ولايتي أن تركيا تحولت إلى أداة بيد أميركا والصهاينة
وقال الناشط الإعلامي جاسم العلاوي، المنحدر من ريف محافظة دير الزور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن العمل العسكري الذي أُطلق عليه اسم "عملية العودة" يهدف للسيطرة على القرى السبع، ودحر المليشيات الإيرانية إلى الطرف الجنوبي من نهر الفرات. وأشار إلى أن الطائرات الأميركية العاملة تحت مظلة قوات التحالف الدولي استهدفت صباح أمس الثلاثاء، بغارات جوية مستخدمة صواريخ شديدة الانفجار، مواقع للمليشيات الإيرانية داخل مطار دير الزور العسكري، إذ إن ثقل مدفعية المليشيات الإيرانية تنتشر داخل المطار.
وفي السياق، أوضح مدير مركز "الشرق نيوز"، فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أهمية القرى السبع للجانب الإيراني تنبع من كونها قريبة من القاعدة الأميركية في حقل كونيكو للغاز في ريف دير الزور الشرقي "ما يسهل له استهداف هذه القاعدة كلما تأزمت العلاقات بين طهران وواشنطن وهو ما حدث كثيراً منذ العام 2017". ورأى أن التحالف الدولي يهدف من وراء هذه العملية إلى "إبعاد الخطر الإيراني عن قواعده في ريف دير الزور شمال نهر الفرات"، مؤكداً أن مقاتلين محليين من هذا الريف يشاركون في العملية التي تستهدف إعادة النازحين إلى قراهم وبيوتهم.
اشتباكات "ضارية" على تخوم حماة
وعلى تخوم جبهة حماة الشمالية، تدور اشتباكات تُوصف بـ"الضارية"، حيث ما تزال فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) المنضوية في غرفة عمليات "ردع العدوان" تتقدم وتسيطر على مدن وبلدات وتلال حاكمة تمهيداً كما يبدو لاقتحام هذه المدينة الاستراتيجية والتي تعد البوابة الرئيسية إلى عموم مناطق سيطرة النظام وخاصة غرباً نحو الساحل السوري وجنوباً نحو حمص والعاصمة دمشق. وأعلنت إدارة العمليات العسكرية في عملية "ردع العدوان"، أمس الثلاثاء، السيطرة على تلة الناصرية الاستراتيجية في ريف حماة الشمالي، والتي تقع شمال بلدة خطاب، وتشرف عليها وعلى رحبة خطاب، التي تُعد من أهم المواقع العسكرية لقوات النظام في المنطقة. كما أعلنت السيطرة على مدينتي طيبة الإمام وحلفايا، إضافة إلى بلدة معردس، مشيرةً إلى أن الاشتباكات أسفرت عن مقتل أكثر من 50 عنصراً من قوات النظام. وسيطرت ذات الفصائل على بلدات وقرى الحويز والعمقية وطنجرة والحواش والحويجة وبيت الرأس والحمرا والتوينة والشريعة وباب الطاقة والكركات والمستريحة في منطقة سهل الغاب، بريف حماة الشمالي الغربي، شمال غربي سورية.
تؤكد المعطيات أن الفصائل على بعد 7 كيلومترات من حماة
وقال القيادي في إدارة العمليات العسكرية، المقدم حسن عبد الغني، إن قوات "ردع العدوان" تتابع تقدمها على عدة محاور على تخوم مدينة حماة، مشيراً إلى وجود انهيارات كبيرة ومتتالية في صفوف قوات النظام. وواصل الطيران الروسي استهداف المناطق السكنية في شمال غرب سورية، حيث قُتل أمس الثلاثاء مدنيان اثنان إثر غارات جوية روسية استهدفت الأحياء السكنية لمدينة خان شيخون جنوبي إدلب، بحسب الدفاع المدني.
من جانبه، تحدث إعلام النظام عن أن الطيران الحربي السوري الروسي المشترك يوجه ضربات جوية وصاروخية مركزة على ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، زاعماً أن هذه الضربات أوقعت عشرات القتلى والجرحى في صفوف المهاجمين ودمرت آلياتهم وأسلحتهم. وذكرت وكالة سانا أن "وحدات الجيش السوري تخوض مواجهات عنيفة مع التنظيمات الإرهابية شمال وغرب بلدة خطاب في ريف حماة الشمالي الغربي"، مشيرة إلى أن "وحدات الجيش تعمل على تدعيم الخطوط الدفاعية والإسناد على المحور الشمالي بريف حماة تمهيداً لبدء الهجوم المضاد ضد التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة".
الفصائل على أبواب حماة
ووفق التطورات الميدانية المتلاحقة، باتت فصائل المعارضة على الأبواب الشمالية لمدينة حماة مركز المحافظة التي تحمل ذات الاسم والتي لم تخرج عن سيطرة النظام طيلة سنوات الصراع الممتدة منذ العام 2011. ويبدو أن الفصائل المسلحة تضع في رأس أولوياتها السيطرة على هذه المدينة الاستراتيجية التي تعد البوابة الرئيسية لمحافظة حمص جنوباً، والساحل السوري غرباً. وتبلغ مساحة محافظة حماة نحو 10 آلاف كيلومتر مربع، وتمتد حدودها الإدارية شرقاً إلى عمق البادية السورية. وتؤكد المعطيات الميدانية أن الفصائل باتت على بعد سبعة كيلومترات فقط عن مدينة حماة.
وأوضح الخبير العسكري ضياء قدور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن لمدينة حماة "أهمية استراتيجية كبيرة لكل من الفصائل المشاركة في عملية ردع العدوان والنظام السوري"، مضيفاً: تقع حماة في وسط سورية، ما يجعلها نقطة وصل حيوية بين الشمال والجنوب، وكذلك بين الشرق والغرب. هذا الموقع الجغرافي يجعلها مركزًا لوجستيًا مهمًا لأي عمليات عسكرية أو تحركات للقوات. وتابع: "بالنسبة للنظام السوري، حماة تعتبر قاعدة دعم رئيسية، حيث تحتوي على العديد من المنشآت العسكرية والمراكز الحكومية. السيطرة على حماة تعني تأمين خطوط الإمداد والحفاظ على التواصل بين المناطق التي يسيطر عليها النظام في الشمال والجنوب.
وأشار إلى أن أهمية مدينة حماة بالنسبة للفصائل المعارضة، تكمن في أن "السيطرة عليها تعني قطع خطوط الإمداد للنظام وتعزيز مواقعها في وسط سورية. كما أن السيطرة على حماة تمنح الفصائل قاعدة قوية لشن هجمات على المناطق التي يسيطر عليها النظام في الجنوب نحو حمص والعاصمة دمشق، ما يزيد الضغط على قوات النظام ويضعف قدرتها على التحرك بحرية. وبيّن أن مدينة حماة تعتبر "نقطة استراتيجية حاسمة في الصراع السوري، والسيطرة عليها تمنح الطرف المسيطر ميزة كبيرة في العمليات العسكرية والسياسية". بموازاة ذلك، طالبت إدارة العمليات العسكرية عناصر قوات النظام، الذين بقوا في أحياء مدينة حلب، بمراجعتها خلال مدة أقصاها يوم الجمعة المقبل بهدف تسوية أوضاعهم. وقالت، في بيان: "إلى جميع من بقي في مدينة حلب من جنود النظام في الجيش والأمن والشرطة، مراجعة أقسام الشرطة المحددة لاستكمال إجراءاتهم وحمايتهم قانونياً".
في الأثناء، تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان أمس، عن أن قوات النظام ومجموعات الحشد الشعبي العراقية التي دخلت الأراضي السورية أخيراً، استعادت بلدة خناصر في ريف حلب الجنوبي من فصائل المعارضة السورية. وأشار إلى مفاوضات بين هيئة تحرير الشام والقوات الكردية الموجودة في حيي الشيخ مقصود والأشرفية لتحديد وضع هذه القوات في مدينة حلب. في الاثناء، قال رئيس الوزراء السوري السابق، رياض حجاب، في كلمة مرئية عبر "تلفزيون سوريا"، إن فصائل المعارضة السورية تمكنت من السيطرة على مدينة حلب والمناطق المحيطة بها دون إراقة دماء أو ارتكاب تجاوزات. وشدد على أن وحدة الأراضي السورية واستقلالها خط أحمر، ولا يمكن القبول بأي مشاريع تقسيمية، مضيفاً: "علينا أن ندرك أنه لا مستقبل لنا في سورية إلا من خلال التسامح".