مطالبة ترامب "بتفكيك" النووي الإيراني... خطوة لصرف إسرائيل عن الخيار العسكري؟

05 مايو 2025
ترامب في مقابلة مع شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، 4 مايو 2025 (لقطة شاشة)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أظهر الرئيس ترامب تناقضًا في موقفه من البرنامج النووي الإيراني، حيث انتقل من الحديث عن صفقة مشابهة لصفقة 2015 إلى المطالبة بتفكيك المشروع بالكامل، مما يشير إلى رفع سقف التفاوض دون التزام نهائي.

- تزايدت التوترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بعد تهديدات نتنياهو بالرد على الصاروخ الحوثي، مما أثار قلق واشنطن من احتمال عملية عسكرية ضد إيران، ودفع ترامب لتبني مطلب "التفكيك الكامل" لطمأنة إسرائيل.

- رغم تصعيد الخطاب ضد إيران، يفضل ترامب الحل الدبلوماسي ويستخدم التصعيد كورقة ضغط للحصول على تنازلات إيرانية، ولمنع نتنياهو من مغامرة عسكرية قد تكون لها تداعيات خطيرة.

في مقابلة شاملة أجرتها شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية مع الرئيس دونالد ترامب حول محصول أول مائة يوم من رئاسته، وتطلعاته للمائة يوم التالية، لفت انتقاله المفاجئ من الحديث عن صفقة حول البرنامج النووي الإيراني (من نوع صفقة 2015)، إلى لغة مناقضة تشدد على وجوب "تفكيك" هذا المشروع بالكامل.

واللافت أكثر أن عبارته هذه غابت مع السؤال والجواب، عن صيغة المقابلة التي أذاعتها الشبكة على برنامجها الأسبوعي الشهير "لقاء مع الصحافة"، وظهرت فقط في النص الموجود على موقعها عبر شبكة الإنترنت، وكأن البيت الأبيض أراد بها رفع سقف التفاوض لا أكثر، من غير التزام نهائي بهذا المطلب، أو كأن الظرف استدعى استحضارها. حُذفت مقاطع أخرى من المقابلة تتعلق بقناة بنما والإشكالات التي أثارها وزير الدفاع بيت هيغسيث وقضايا أخرى، لكن من دون أن يجري التوقف عندها، خلافاً لهذا المطلب الذي لم يسبق للرئيس أن طرحه بمثل هذا الوضوح، بل على العكس، حرص باستمرار على تأكيد تفضيله للحل الدبلوماسي، خاصة وأن احتمالاته تعززت بعد التصريحات الإيجابية عموماً التي أدلى بها فريقه المفاوض في أعقاب جولات الحوار الثلاث التي جرت في مسقط وروما. ولم تظهر مؤشرات على حصول تغيير في مقاربته التي تقوم على دبلوماسية الصفقة، بل ظهر ما يؤكد تمسّكه بها واستبعاد الخيارات الأخرى حتى الآن.

يشار في هذا السياق إلى ما تردد أخيراً بأن تعاون مستشار الأمن القومي مايك والتز سراً مع إسرائيل "للتخطيط لضربة عسكرية ضد إيران"، قد ساهم في إزاحته عن منصبه، على أساس أن أولوية الإدارة ما زالت للسعي لتسوية مع طهران. لكن يبدو أن رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نبرة تهديداته برد واسع على الصاروخ الحوثي الذي استهدف الأحد مطار بن غوريون، أثار القلق في واشنطن من احتمال اغتنام نتنياهو هذه الفرصة للقيام بعملية عسكرية ضد إيران، الأمر الذي ربما يكون قد حمل ترامب على العودة إلى مطلب "التفكيك الكامل" الذي طالما شدد عليه نتنياهو مراراً وتكراراً، علّه يطمئن إسرائيل بتبنيه مطلبها هذا، وبما يحملها على صرف النظر عن الخيار العسكري في الوقت الحاضر، وطالما بقي خيار المفاوضات قائماً، ولو أن الرئيس لم يأتِ على سيرته خلال المقابلة.

ترامب لم يضع أيضاً مسألة تفكيك البرنامج النووي الإيراني كبند على جدول المباحثات المقبلة، التي ما زال موعدها مفتوحاً من دون تحديد. قال إن هذا هو "كل ما أقبل به"، باعتبار أنه يمثل "الهدف النهائي للمفاوضات"، لكنه سارع مستدركاً إلى القول إنه "منفتح للاستماع" إلى حيثيات حاجة إيران إلى الاستخدام المدني للطاقة النووية، وذلك بعدما أعرب عن شكوكه بهذه الحاجة التي "يمكن لإيران أن تسدّها بما تملكه من موارد كبيرة للطاقة" التي يوفرها النفط والغاز الطبيعي.

موقف متأرجح، لكنه رغم رماديته، لا يبدو أنه ينطوي على مغادرة لخيار الصفقة. العودة إلى النسخة النووية الليبية، مقدّمة ترجح المواجهة في قراءات المراقبين، طبعاً ما عدا الصقور الذي يدفعون باتجاه "التلويح بالقوة لحمل إيران على التراجع" (كما قال روبرت غرينواي من مؤسسة هيريتج فاوندايشن للدراسات والأبحاث في واشنطن، وغيره، مثل السفير السابق جون بولتون، والجنرال المتقاعد جاك كين، وغيرهما من عتاة المحافظين).

يعتمد نتنياهو على هذه الأصوات وأمثالها في الإعلام والكونغرس ومراكز الدراسات، لتسويق سياساته في المنطقة والترويج لها في واشنطن، لكن معطيات الواقع وأولويات الرئيس ترامب في الوقت الراهن، لا ترجح فرضية انتقاله من الدبلوماسية إلى المجازفة بمطالب تهدد هذا التوجّه، فهو في حرب تجارية مفتوحة مع الصين، مع كل ما يترتب عليها من تداعيات مكلفة. كما أنه أمام حرب أوكرانية، لمّح في مقابلته الأحد إلى أنه قد يتعذر عليه وضع حدّ لها كما وعد لها في المدى القريب، وهو نفض يده من غزة ووقف نارها.

على هذه الخلفية، يصعب تفسير تصعيد خطابه ضدّ إيران على أنه مقدمة لمواجهة أخرى، بقدر ما هو ورقة ضاغطة لاستدرار المزيد من التنازلات الإيرانية، وفي الوقت ذاته كبح نتنياهو ومنعه من مغامرة يحذر البعض في واشنطن من مضاعفاتها التي قد تتحول إلى "عراق آخر" في المنطقة. يُذكر أن الرئيس ترامب أعرب أخيراً عن عزمه على "عدم انجرار" إدارته إلى حرب مع إيران.

المساهمون