مصير القواعد الأجنبية في سورية محور نقاشات

09 فبراير 2025
قوة أميركية في القحطانية بالحسكة، 3 سبتمبر 2024 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت الحكومة السورية مفاوضات مع تركيا وروسيا والولايات المتحدة حول مصير القواعد الأجنبية، مع التركيز على إبرام اتفاقيات دفاعية لضمان الأمن. وأبدت سوريا استعدادها للسماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها الجوية والبحرية، مع إمكانية تعديل الوجود التركي.

- تحتفظ الدول الثلاث بقواعد في سوريا لأسباب مختلفة، حيث تدعم روسيا نظام الأسد، وتركز الولايات المتحدة على مكافحة داعش، بينما تسعى سوريا لتعزيز شراكتها مع تركيا لمواجهة التهديدات.

- يعتمد مستقبل القواعد الأجنبية على العلاقات الدولية، حيث قد يؤدي تبني عقيدة غربية للجيش السوري إلى تقليص الوجود الروسي، بينما تواجه روسيا تحديات مرتبطة بالعقوبات الغربية.

شرعت الحكومة السورية الجديدة في مفاوضات وُصفت بـ"الحساسة" مع كل من تركيا وروسيا والولايات المتحدة لتقرير مصير القواعد الأجنبية في سورية التي تحتفظ بها الدول الثلاث في الجغرافيا السورية لأسباب مختلفة، في ظل حديث عن اتجاه هذه الحكومة نحو إبرام اتفاقيات دفاعية مع عدة دول، ما يجعل وجود بعض القواعد الأجنبية حاجة ملحة لمواجهة الأخطار المحتملة على الأمن والاستقرار في البلاد. وفي مقابلة له مع صحيفة واشنطن بوست أجريت في العاصمة دمشق، قال وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة إن بلاده منفتحة على السماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها الجوية والبحرية على الساحل السوري، طالما أن أي اتفاق مع الكرملين يخدم مصالح سورية. ولفت إلى أن سورية تدرس اتفاقيات دفاعية مع عدة دول، وتخوض مفاوضات حساسة مع كل من الولايات المتحدة وتركيا حول وضع قواعدهما العسكرية الموجودة على الأراضي السورية. وأشار إلى أن الاتفاقات العسكرية الجديدة مع أنقرة قد تشمل خفضاً أو "إعادة توزيع" للقوات التركية في البلاد.


ضياء قدور: إذا اعتنق الجيش الجديد عقيدة غربية، فقد يتقلص الوجود الروسي في سورية

ملف القواعد الأجنبية في سورية

تحتفظ تركيا وروسيا والولايات المتحدة بقواعد ونقاط عسكرية في سورية، جرى إنشاؤها خلال سنوات الحرب في سورية، لأسباب متعددة. وتفرض التحديات الأمنية والعسكرية التي تواجه الحكومة السورية الجديدة التعاطي مع ملف القواعد الأجنبية في سورية بالكثير من الحذر، كما تفرض عليها مقاربات مختلفة، لا سيما أن الأخطار لا تزال تحدق بالأمن الوطني، وتهدد الاستقرار في بلاد منهكة من الجوانب كافة، خصوصاً من الناحية العسكرية. وأنشأت روسيا عدة قواعد عسكرية في البلاد بدءاً من عام 2015، بموافقة من نظام بشار الأسد المخلوع لضمان مساندته في محاولاته القضاء على الفصائل السورية التي كان يواجهها. وبعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، سحبت موسكو قواتها في سورية باتجاه قاعدتها الرئيسية في منطقة حميميم بريف اللاذقية. وأقامت موسكو هذه القاعدة عام 2015 وكانت لعدة سنوات منطلقاً للطائرات الروسية التي قصفت مختلف المدن السورية وقتلت آلاف المدنيين ودمّرت مرافق حيوية تحت ذريعة محاربة الإرهاب. وتقع قاعدة حميميم بالقرب من بلدة على الساحل السوري تحمل الاسم نفسه، لا تبعد سوى أربعة كيلومترات من مدينة جبلة، و19 كيلومتراً من مدينة اللاذقية.

وسرّبت وسائل إعلام غربية مطلع عام 2016 ما قالت إنه "اتفاق سري" بين النظام والجانب الروسي ينصّ على أن "استفادة قوات روسيا الفيدرالية من قاعدة حميميم تتم من دون مقابل"، وأن "من حق الطرف الروسي نقل أي أجهزة أو ذخائر إلى داخل سورية أو إلى خارجها، من دون أي تكاليف أو رسوم". ويبدو أن موسكو حريصة على عدم خسارة هذه القاعدة التي كانت تخطط لأن يكون وجودها فيها طويل الأمد وثابتاً في شرق البحر المتوسط. ولموسكو قاعدة أخرى في مدينة طرطوس على الساحل السوري اقل أهمية، مختصة بعمليات الإصلاح والإمداد لأسطول البحر المتوسط الروسي. وإلى جانب الروس، هناك حضور للتحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة بشكل طاغٍ في شرق سورية، وتحديداً في ريفي دير الزور والحسكة. وللولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي تقوده قاعدة العمر التي تقع ضمن حقل نفطي يحمل ذات الاسم، ويُعَدّ من أكبر الحقول في سورية. ويُعتقد أن في القاعدة قوات متنوعة أميركية وفرنسية وبريطانية، وفي داخلها مهبط للطيران المسيّر والمروحي، يضم مروحيات قتالية.

وللتحالف قاعدة في حقل كونيكو للغاز في ريف دير الزور تضم مركزاً للتدريب ومهبط مروحيات. ولدى الولايات المتحدة في الحسكة قواعد عدة، أبرزها تلك الموجودة في محيط حقول رميلان للنفط والمعروفة بقاعدة خراب الجير، وهي من القواعد الأجنبية الأولى في سورية التي أقامتها الولايات المتحدة في سياق حربها ضد تنظيم داعش. وللولايات المتحدة قاعدة تُعَدّ الأكبر والأهم، وهي قاعدة التنف، التي أنشأها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2014، وتقع غرب الحدود العراقية، وتبعد نحو 22 كيلومتراً عن الحدود السورية - الأردنية، وهي من أهم القواعد العسكرية للتحالف الدولي في سورية.

في الشمال السوري، للجانب التركي نفوذ عسكري واسع، ضمن خريطة القواعد الأجنبية في سورية مع احتفاظ أنقرة بالعديد من القواعد سواء غرب الفرات أو شرقه، أقامتها على مدى سنوات الحرب السورية وتعززت أكثر بعد تفاهمات مع الجانب الروسي في سياق ما كان يُعرف بمسار أستانة. وتُعتبر نقطتا معسكر المسطومة بريف إدلب الجنوبي الغربي، ومطار تفتناز بريف إدلب الشمالي الشرقي، من أهم النقاط العسكرية التركية في شمال غرب سورية. وللجيش التركي قاعدة في محيط بلدة الباب شمال شرقي حلب، فضلاً عن نقاط شرق نهر الفرات في منطقتي تل أبيض ورأس العين. ولا تزال أنقرة ترى أن أمنها القومي يتعرض للخطر مع بقاء "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) سلطة أمر واقع في شمال شرق سورية، لذا من المتوقع أن تفاوض الحكومة السورية على البقاء التركي في الشمال لحين القضاء على هذا الخطر. وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن الحكومة السورية تتجه لنسج خيوط شراكة استراتيجية مع الجانب التركي، لا سيما في الجانب العسكري، وهو ما يتطلب ربما إقامة قواعد عسكرية تركية في عمق الجغرافيا السورية لمواجهة الأخطار المحتملة على الأمن الوطني السوري، خصوصاً من الجانب الإسرائيلي الذي دمّر أغلب القدرات العسكرية السورية بُعيد سقوط نظام الأسد.


فايز الأسمر: أميركا تماطل بالانسحاب بذريعة الخشية من عودة "داعش"

مستقبل القواعد الأجنبية

رأى الخبير العسكري ضياء قدور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مستقبل القواعد الأجنبية في سورية "يعتمد على العديد من العوامل، أبرزها العلاقات بين سورية والقوى الإقليمية والدولية المختلفة"، مضيفاً: أعتقد أن الإدارة الجديدة تسعى لتحقيق توازن بين القوى المختلفة لضمان مصالح واستقرار البلاد. وأشار إلى أن روسيا "تعد من اللاعبين الرئيسيين في سورية، وقاعدتيها في حميميم وطرطوس تمثلان أهمية استراتيجية كبيرة لها"، مضيفاً: "إذا قررت الإدارة السورية أن تتبنى عقيدة غربية للجيش السوري القادم، فقد يؤدي ذلك إلى تقليص أو حتى إنهاء الوجود الروسي في البلاد، ولكن لن يكون ذلك على الفور، لا سيما أن العلاقات السورية الروسية تمتد لأكثر من نصف قرن. وتابع: الهجمات الإسرائيلية المستمرة على سورية تزيد من الحاجة إلى الدفاعات الجوية القوية، لذا من الممكن أن تلعب القواعد التركية أو الروسية، خصوصاً تلك التي تحتوي على أنظمة دفاع جوي متقدمة مثل أس 400، دوراً مهماً في حماية سورية من هذه التهديدات.

وحول الوجود التركي في شمال سورية، بيّن قدور أن لأنقرة مصالح "وتعتبر وجود القواعد العسكرية التركية جزءاً من استراتيجيتها الأمنية ضد تهديدات المليشيات الانفصالية الإرهابية والمسلحين المدعومين من إيران"، مضيفاً: إذا تم توقيع اتفاقيات دفاع عسكرية بين الجانبين السوري والتركي، فإن ذلك قد يتطلب وجود قواعد عسكرية تركية دائمة داخل سورية. ووصف قدور الحضور العسكري الأميركي في سورية بـ"المحدود"، ويركز بشكل أساسي "على مكافحة تنظيم داعش"، مضيفاً: أعتقد ان مستقبل القواعد الأميركية في سورية قائم على الحاجة الأميركية لإبقاء عدد من قواتها هناك، والتوجهات السياسية للإدارة السورية الجديدة والعلاقات المنتظرة بين واشنطن ودمشق.

من جانبه، رأى المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، في تحليله لمستقبل القواعد الأجنبية في سورية أن مهمة القواعد الأميركية، "سواء تلك التي في شرق الفرات أو قاعدة التنف، انتهت مع نهاية داعش في سورية"، مضيفاً: "حالياً واشنطن تماطل في الانسحاب تحت ذريعة الخشية من عودة التنظيم". وتابع: "أعتقد أن الولايات المتحدة ستخفف من عدد قواتها في سورية ولكن لن تنسحب بشكل نهائي". وأشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن عدد القواعد التركية في سورية "سيقل في المستقبل"، مضيفاً: "ربما يقتصر الأمر على قاعدتين أكثر تجهيزاً وقوة بهدف التدخل السريع في أعمال قتالية ضد (قسد) وتوابعها". وبرأي الأسمر، فإن القاعدتين الروسيتين "أسهمتا في قتل وتهجير السوريين وتدمير بلادهم"، مبدياً تصوره أن الوجود العسكري الروسي في سورية سيواجه صعوبات، لا سيما أن الغرب ربط بين إنهاء هذا الوجود برفع العقوبات عن سورية.