مصر: وفاة معتقل سياسي وغضب بأوساط المحامين

07 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 13:17 (توقيت القدس)
عناصر الأمن المصري في سجن طرة، القاهرة 11 فبراير 2020 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعدت الانتهاكات في السجون المصرية، مع توثيق وفاة السجين السياسي محمد السعيد شمعون بسبب إهمال طبي، واحتجاز قاصرين في ظروف قاسية، مما يشكل انتهاكاً للدستور والاتفاقيات الدولية.
- تدهورت الحالة الصحية للدكتور محمد سعد عليوة في سجن بدر، حيث أضرب عن الطعام بسبب ظروف الاحتجاز القاسية، وأشارت تقارير إلى الفجوة بين الرواية الرسمية وواقع المحتجزين.
- أثار قرار النيابة العامة بإخلاء سبيل 38 متهماً جدلاً بسبب عدم الشفافية في الإعلان عن الأسماء، مما يعكس أزمة أوسع بين نقابة المحامين والحكومة حول تعديل قانون الإجراءات الجنائية.

كشفت تقارير حقوقية متزامنة عن تصاعد الانتهاكات داخل السجون ومقارّ الاحتجاز الرسمية في مصر وسط اتهامات لوزارة الداخلية، وقطاع الأمن الوطني، بمسؤولية مباشرة عن وفاة سجين سياسي وإهمال طبي متعمّد بحق آخرين، إضافة إلى استمرار احتجاز قاصرين في ظروف قاسية مخالفة للقانون. فيما أثار إعلان النيابة المصرية، أمس الاثنين، عن إطلاق سراح 38 محبوساً احتياطياً جدلاً واسعاً، بعدما عبّر محامون وحقوقيون عن غضبهم مما وصفوه "تعتيماً" على أسماء المفرج عنهم، وحرمان المحامين من أداء دورهم القانوني في متابعة موكليهم.

الإهمال الطبي بالسجون في مصر

وثقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء، وفاة السجين السياسي محمد السعيد شمعون (50 عاماً)، من قرية منية محلة دمنة بمحافظة الدقهلية، فجر أمس الاثنين، بعد 48 ساعة فقط من إطلاق سراحه من مقرّ الأمن الوطني بالمنصورة. وأوضحت الشبكة، في بيان، أن الفقيد ظلّ محتجزاً على نحوٍ غير قانوني داخل المقرّ الأمني رغم صدور قرار قضائي بإخلاء سبيله منذ يوليو/تموز الماضي، بعد أن أمضى عقوبة بالسجن المشدد عشر سنوات في القضية المعروفة إعلامياً باسم "خلية السويس". وذكرت الشبكة أن سلطات الأمن الوطني امتنعت عن تنفيذ قرار الإفراج، واحتجزته قسراً رغم تدهور حالته الصحية الخطيرة، التي شملت فشلاً كبدياً وتسمماً دموياً ونزيفاً داخلياً متكرراً. وأضافت أن الإفراج عنه، يوم الجمعة الماضي، جاء بعد أن وصلت حالته إلى مرحلة الخطر الشديد، خشية وفاته داخل مقرّ الأمن الوطني، وبعد نقله إلى مستشفى المنصورة الدولي، فارق الحياة.

وحمّلت الشبكة وزارة الداخلية وقطاع الأمن الوطني المسؤولية الكاملة عن وفاته، معتبرة أن استمرار الإخفاء القسري والاحتجاز خارج إطار القانون والحرمان من العلاج يمثل انتهاكاً للدستور المصري وللاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب. وشددت الشبكة على أن حالة شمعون لم تكن استثناءً، بل تعكس نمطاً متكرراً لسياسات ممنهجة تؤدي إلى وفاة المعتقلين داخل أماكن الاحتجاز نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب وسوء المعاملة. وطالبت بفتح تحقيق قضائي مستقل وشفاف في ملابسات الوفاة.

كما رصدت الشبكة، في بيان آخر، حالة انتهاك أخرى أثارت القلق، تتعلق بالطفل محمد خالد جمعة عبد العزيز (15 عاماً)، والمحبوس منذ فبراير/شباط الماضي في قسم شرطة المطرية بالقاهرة. وأوضحت الشبكة أن الطفل اختفى قسرياً لمدة شهر تقريباً بعد اقتحام منزله من قوة أمنية تابعة للأمن الوطني، قبل أن يظهر أمام نيابة أمن الدولة العليا في مارس/آذار، إذ وُجهت إليه تهم تتعلق بـ"اعتناق أفكار داعشية"، وهي تهم أنكرها تماماً.

وذكرت الشبكة أن خالد، يعاني من انهيار نفسي حاد بعد أكثر من سبعة أشهر من الاحتجاز في ظروف غير إنسانية، حُرم خلالها من التعليم ومن رؤية أسرته. وأشارت إلى أنه فقد والده قبل اعتقاله بثلاثة أشهر، ما ضاعف من معاناته. وأكدت أن احتجاز الأطفال في أقسام الشرطة والسجون يشكل انتهاكاً صارخاً للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، ودعت النائب العام ووزير الداخلية إلى التدخل العاجل لإخلاء سبيله، ومحاسبة المسؤولين عن اعتقاله وترويعه.

وفي تقرير آخر، صدر أمس الاثنين، وثّقت منظمة هيومن رايتس إيجيبت حالة تدهور صحي خطير للدكتور محمد سعد عليوة (70 عاماً)، رئيس قسم المسالك البولية بمستشفى بولاق الدكرور، والمعتقل في سجن بدر منذ ثلاث سنوات. وقالت المنظمة إن عليوة دخل في إضراب عن الطعام احتجاجاً على ظروف احتجازه القاسية، ما أدى إلى تكرار حالات الإغماء ودخوله في غيبوبات سكر متكرّرة دون أي رعاية طبية مناسبة. وبيّنت المنظمة أن السلطات لم تنقله إلى المستشفى رغم حالته الحرجة، بل أبقته داخل زنزانته في سجن يوصف بأنه من أشد السجون قسوة في مصر. وأضافت أن الدكتور عليوة، السجين منذ 2015، أمضى سنواته الأولى في سجن العقرب شديد الحراسة قبل نقله إلى بدر 3، حيث حُرم من الزيارات العائلية والتعرض لأشعة الشمس والتريض، وهو ما أدى إلى تدهور صحته الجسدية والنفسية.

وفي سياق متصل، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تقريراً تحليلياً موسعاً بعنوان "بين الدعاية والحقيقة: انتهاكات حقوق نزلاء سجون بدر"، بمناسبة الذكرى الرابعة لافتتاح مجمع بدر الأمني في أواخر عام 2021. ورصد التقرير، الذي غطى الفترة من 2021 إلى نهاية 2024، ما وصفه بـ"الفجوة الهائلة" بين الرواية الرسمية التي تقدم السجون الجديدة بوصفها "مراكز إصلاح نموذجية"، والرواية الواقعية التي قدمها المحتجزون وأسرهم ومحاموهم. وأوضح التقرير أن شهادات السجناء أكدت انتشار أنماط جديدة من العنف المؤسّسي، مدعومة بالتكنولوجيا المستخدَمة في إدارة السجون، مثل المراقبة الدائمة واستخدام الإضاءة والإغلاق الإلكتروني كوسائل عقاب. وأشار إلى أن المحتجزين في سجون بدر حُرموا من حقوقهم الأساسية في التريّض والزيارة والقراءة والرعاية الصحية، وأن إدارة السجن استخدمت الحرمان أداة ضغط وعقاب جماعي.

قرارات إخلاء سبيل ضبابية تثير غضب المحامين

أثار إصدار النيابة العامة المصرية بياناً، أمس الاثنين، أعلنت فيه إخلاء سبيل 38 متهماً، محبوسين احتياطياً على ذمة تحقيقات تُجريها نيابة أمن الدولة العليا، الجدل بعدما عبّر محامون وحقوقيون عن غضبهم مما وصفوه "تعتيماً" على أسماء المفرج عنهم، وحرمان المحامين من أداء دورهم القانوني في متابعة موكليهم. 

ورغم أن القرار بدا للوهلة الأولى بادرة إيجابية من المؤسسة القضائية، التي أكدت في بيانها أن القرار يأتي تنفيذاً لتوجيهات النائب العام المستشار محمد شوقي بمراجعة أوضاع المحبوسين احتياطياً دورياً حرصاً على العدالة التي "لا تقتصر على محاسبة مرتكبي الجرائم، بل تمتد لتشمل إعادة تأهيل المفرج عنهم ودمجهم في المجتمع"، وعلق المحامي الحقوقي مختار منير علق على البيان في حسابه على فيسبوك: "مع الوضع في الاعتبار أن منع المحامين من الوقوف على أسماء من جرى إخلاء سبيلهم من موكليهم يقوض حق الدفاع ويعصف بالوكالة القانونية"، وأضاف منير أنه يطالب النائب العام بإصدار بيان رسمي يتضمن أسماء من شملهم القرار "حتى يتمكن محاموهم من معرفة من صدر قرار بإخلاء سبيله من موكليهم، تيسيراً عليهم، وتأكيداً لحقهم في معرفة الموقف القانوني لعملائهم".

أما المحامي الحقوقي محمد عبد العزيز، فاختار نبرة أكثر توازناً في تعليقه وقال: "نرحب ببيان النيابة العامة الصادر اليوم، وما جاء فيه من قرار السيد المستشار المحامي العام لنيابة أمن الدولة العليا بمراجعة ملفات المحبوسين احتياطياً على ذمة التحقيقات التي تُجريها نيابة أمن الدولة، وآخرها قراره اليوم بمناسبة احتفالات السادس من أكتوبر بإخلاء سبيل عدد 38 من المحبوسين احتياطياً". غير أن عبد العزيز أضاف مطالب محددة، إذ دعا النيابة إلى "الاستمرار في مراجعة ملفات المحبوسين احتياطياً في القضايا التي تفتقر لأدلة كافية لاستمرار حبسهم، طبقاً لنص المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية"، كما طالب بـ"إعلان أسماء المفرج عنهم في القضايا التي يصدر فيها قرار من النيابة العامة بعد فحص ومراجعة ملفاتهم، خاصةً أن المحامين وأسر المحبوسين في حيرة لعدم معرفة الأسماء".

بدوره، عبّر المحامي خالد المصري عن استيائه الشديد من الوضع الحالي قائلاً: "للأسف لا نعرف أسماء من جرى إخلاء سبيلهم، والمعلومة أصبحت غير متاحة بالنسبة لنا. وحتى لو معنا الأسماء، نحن ممنوعون أصلاً من النشر"، وأضاف: "أرجوكم لا أحد يسألني على الخاص أو الواتس أو بالاتصال، والله لا نعرف الأسماء. ألف مليون مبروك لمن جرى إخلاء سبيلهم اليوم وأمس والأسبوع الماضي، وعقبال الجميع يا رب". وفي منشور آخر، أشار المصري إلى أن "المعلومة التي كان يقدمها المحامي على الفيس بوك أصبحت غير متاحة الآن، سواء كانت تخص أخبار القضايا في النيابة أو مواعيد الجلسات أو أسماء المختفين الذين ظهروا أو قرارات إخلاء السبيل". 

هذه الأزمة التي يعيشها المحامون مع النيابة العامة، التي تتعلق أساساً بشفافية المعلومات وسهولة الوصول إليها، تتقاطع مباشرة مع أزمة أكبر تختمر منذ أشهر بين نقابة المحامين والحكومة، على خلفية مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية. وترى النقابة أن بعض المواد الواردة في المشروع الجديد "تنتقص من حق الدفاع وتُقوّض استقلال المحاماة". ومن أبرز المواد التي أثارت غضب النقابة المادة 105 التي تنظم حضور المحامي مع المتهم أثناء الاستجواب أو المواجهة، إذ كانت الصيغة القديمة تنص بوضوح على وجوب حضور المحامي، تأكيداً للمادة 54 من الدستور التي تضمن هذا الحق، غير أن التعديل المقترح ألغى الإلزام الصريح، ما اعتبرته النقابة "مخالفة صريحة للنص الدستوري".