مصر: وفاة قائد المقاومة الشعبية الشيخ حافظ سلامة متأثراً بكورونا

مصر: وفاة قائد المقاومة الشعبية الشيخ حافظ سلامة متأثراً بكورونا

27 ابريل 2021
الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية بالسويس في حرب أكتوبر (Getty)
+ الخط -

توفي، مساء الاثنين، في مصر، قائد المقاومة الشعبية في مدينة السويس، الشيخ حافظ سلامة، عن عمر ناهز 92 عاماً، بعد إصابته بفيروس كورونا

وكان الشيخ سلامة قد نُقل من مدينة السويس إلى مستشفى جامعة عين شمس في مدينة القاهرة بعد تدهور حالته الصحية بسبب الفيروس.

وعانى الشيخ من ضيق في التنفس وانخفاض نسبة الأكسجين في الدم، وكانت حالته غير مستقرة، وتلقى العلاج داخل قسم الرعاية المركزة بعزل المسنين في مستشفى عين شمس التخصصي، قبل أن يُنقَل إلى دار رعاية لكبار السن في مستشفى الدمرداش بمرافقة طبيب، حيث توفي هناك مساء اليوم.

وأعلنت أسرة الشيخ أنه سيُشيَّع غداً من المسجد الكبير في مدينة السلام بمدينة السويس، وسيُدفَن في مقابر السويس الجديدة.

والشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية بالسويس في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، ويرتبط أبناء السويس خصوصاً، والمصريون عموماً، وجدانياً بالشيخ حافظ سلامة، نظراً لدوره الجهادي الكبير ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وُلد الشيخ حافظ علي أحمد سلامة في السويس في 6 ديسمبر/ كانون الأول 1925 في أثناء الاحتلال الإنكليزي لمصر، وكان حافظ الابن الرابع لوالده الحاج علي سلامة الذي كان يعمل في تجارة الأقمشة.

وبدأ سلامة تعليمه في كتّاب الحيّ، ثم التعليم الابتدائي الأزهري، وأخذ في تثقيف نفسه في العلوم الشرعية والثقافة العامة، ودرس العديد من العلوم الدينية، ثم عمل في الأزهر واعظاً، حتى أصبح مستشاراً لشيخ الأزهر لشؤون المعاهد الأزهرية حتى 1978، ثم أحيل على التقاعد.

وانتسب إلى العمل الخيري مبكراً، وشارك في العديد من الجمعيات الخيرية في السويس، وكان له دور اجتماعي وسياسي ونضالي بارز، حيث ساهم في دعم المقاومة والمشاركة في العمليات الفدائية والتعبئة العامة للفدائيين.

وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية بين قوات المحور وقوات الحلفاء، أصبحت السويس إحدى مناطق الصراع بين القوتين، وكانت مصر واقعة تحت الاحتلال الإنكليزي آنذاك، ما أدى إلى هجرة أهالي السويس، ومنهم عائلة الشيخ حافظ سلامة، الذي رفض أن يهاجر معهم، وفضّل البقاء في السويس، وكان عمره آنذاك 19 عاماً، وكان يوفر نفقاته من إدارته لمحل الأقمشة الذي يمتلكه والده، وكان يرسل الأموال إلى عائلته التي هاجرت إلى القاهرة.

وشهد الشيخ حافظ سلامة الحرب الدائرة بين القوتين في بلده، ولم ينأ بنفسه عن المعركة، بل أدى دوراً كبيراً في عمليات الدفاع المدني لمساعدة الجرحى والمصابين.

وفي عام 1944، قابل حافظ سلامة أحد الحجاج الفلسطينيين الذين كانوا يمرون من السويس عندما كان يربط بين ميناء السويس والقدس شريط سكك حديد كان الحجاج الفلسطينيون يستخدمونه في الذهاب إلى الأراضي المقدسة، وقد طُلب من الشيخ حافظ توفير حجارة الولاعات التي تستخدم في صناعة القنابل اليدوية، كذلك أمده الشيخ أيضاً بالسلاح لمساندة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، حتى قبض عليه في إحدى المرات وحُكم عليه بالسجن 6 أشهر، ولكن أُفرِج عنه بعد 59 يوماً بعد وساطة من أحد أمراء العائلة المالكة في دولة مصر.

وانضم سلامة إلى جماعة شباب محمد، التي أنشأتها مجموعة من الأشخاص المنشقين عن "الإخوان المسلمين" وحزب "مصر الفتاة" عام 1948، وشارك الشيخ حافظ من خلال تلك الجمعية في النضال الوطني الإسلامي في مصر ضد الاحتلال الإنكليزي، وبعد انضمامه بفترة قصيرة، أُعلن قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي في العام نفسه، وإعلان الجيوش العربية للحرب، وأراد الشيخ حافظ التطوع في صفوف الفدائيين والسفر إلى فلسطين لقتال العصابات الصهيونية، لكن قيادة جماعته طلبت منه حينذاك عدم السفر، باعتبار أن العدو الحقيقي لا يزال رابضاً في مصر.

وشكل حافظ أول فرقة فدائية في السويس، كانت مهمتها الرئيسية مهاجمة قواعد القوات الإنجليزية الرابضة على حدود المدينة، والاستيلاء على كل ما يمكن الحصول عليه من أسلحة وذخائر كانت تُسلَّم للمركز العام للجمعية في القاهرة، لتقدمها هي بعد ذلك دعماً للفدائيين في فلسطين، وبعد هزيمة الجيوش العربية انخرط في العمل الخيري والدعوى من خلال الجمعية.

واعتقل سلامة بعد ذلك في إطار الاعتقالات التي نفذها نظام الرئيس السابق جمال عبد الناصر ضد الإخوان المسلمين، وظل في السجن حتى نهاية 1967 بعد حدوث النكسة، وكان يقضي عقوبته في العنبر رقم 12.

وأُفرج عن الشيخ حافظ سلامة في ديسمبر/ كانون الأول عام 1967، فاتجه إلى مسجد الشهداء بالسويس، وأنشأ جمعية "الهداية الإسلامية"، وهي الجمعية التي اضطلعت بمهمة تنظيم الكفاح الشعبي المسلح ضد إسرائيل في حرب الاستنزاف منذ عام 1967 وحتى عام 1973.

وكان للشيخ حافظ سلامة دور هام في عملية الشحن المعنوي لرجال القوات المسلحة بعد أن نجح في إقناع قيادة الجيش بتنظيم قوافل توعية دينية للضباط والجنود تركز على فضل الجهاد والاستشهاد وأهمية المعركة مع الصهاينة عقب هزيمة 1967 والاستعداد لحرب عام 1973، وكانت هذه القوافل تضم مجموعة من كبار الدعاة وعلماء الأزهر وأساتذة الجامعات في مصر، مثل شيخ الأزهر عبد الحليم محمود، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ حسن مأمون، والدكتور محمد الفحام، والشيخ عبد الرحمن بيصار وغيرهم.

ويقول اللواء عبد المنعم واصل، قائد الجيش الثالث الميداني، عن الدور الذي أداه الشيخ حافظ سلامة في تلك الفترة: "الشيخ حافظ سلامة كان صاحب الفضل الأول في رفع الروح المعنوية للجنود على الجبهة، بل إن الجميع كانوا يعدونه أباً روحياً لهم في تلك الأيام العصيبة".

ونجحت القوافل نجاحاً كبيراً، فصدر قرار بتعميمها على جميع وحدات الجيش المصري في طول البلاد وعرضها كنوع من الاستعداد للمعركة الفاصلة مع الإسرائيليين.

وتُعَدّ قيادة الشيخ حافظ سلامة لعمليات المقاومة الشعبية في مدينة السويس، بدءاً من يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 المحطة الأهم في حياة الشيخ حافظ سلامة، إذ تسللت إسرائيل إلى غرب قناة السويس في منطقة "الدفرسوار" القريبة من الإسماعيلية، بهدف حصار الجيش الثالث الميداني في الضفة الشرقية للقناة وتهديد القاهرة واحتلال مدينة السويس بإيعاز من الولايات المتحدة الأميركية حتى تجد ما تفاوض عليه في اتفاقية وقف القتال، وسلمت القيادة الإسرائيلية هذه المهمة للجنرال أدان، الذي وجه إنذاراً إلى محافظ السويس بالاستسلام أو تدمير المدينة بالطيران الإسرائيلي، لكن الشيخ حافظ سلامة ومعه عدد من القيادات المجاهدة، ومعه جميع أبناء المدينة، قرروا رفض تسليم المدينة واستمرار المقاومة مهما كانت الظروف، ووقف الشيخ حافظ سلامة على منبر مسجد الشهداء ليعلن بدء عمليات المقاومة.

ويصف رئيس أركان حرب القوات المسلحة سعد الدين الشاذلي وقت الحرب هذا الدور قائلاً: "إن الشيخ حافظ سلامة رئيس جمعية الهداية الإسلامية، إمام وخطيب مسجد الشهداء، اختارته الأقدار ليؤدي دوراً رئيسياً خلال الفترة من 23 – 28 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، عندما نجحت قوات المقاومة الشعبية بالتعاون مع عناصر من القوات المسلحة في صد هجمات العدو الإسرائيلي وإفشال خططه من أجل احتلال المدينة الباسلة".

وبعد هذا التاريخ العظيم للشيخ من جهاد ونضال ضد العدو، ظل الشيخ حافظ سلامة يؤدي دوراً إيجابياً في مجتمعه من الناحية الدعوية والاجتماعية، وأيضاً السياسية، فقد رفض الشيخ حافظ سلامة زيارة الرئيس أنور السادات للقدس عام 1977 ومعاهدة كامب ديفيد عام 1979، ما جعل الرئيس السادات يضعه على رأس قائمة اعتقالات سبتمبر/ أيلول 1981، وقد أُفرج عنه بعد اغتيال السادات.

وظل الشيخ حافظ سلامة قبل وفاته وهو في ذلك السن الكبير صاحب عزيمة وهمة غير عادية في العمل الخيري، منها بناء المساجد مثل مسجد النور بالعباسية ومسجد الرحمن بشبرا الخيمة والعديد من المساجد في مدينة السويس التابعة لجمعية الهداية، وبناء المدارس الإسلامية بمدينة السويس ومساعدة المحتاجين.

وانضم الشيخ سلامة إلى المعتصمين المطالبين بتنحي حسني مبارك عن الحكم في ميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير/ كانون الثاني عام 2011، كذلك شارك في قيادة وتنظيم مجموعات الدفاع الشعبي عن الأحياء السكنية في مدينة السويس ضد عمليات السلب والنهب التي انتشرت بسبب الفراغ الأمني في أثناء الاحتجاجات.

وفي الرابع من مايو/ أيار عام 2012، شارك الشيخ حافظ سلامة في "جمعة الزحف" بالعباسية، متضامناً مع مطالب القصاص لشهداء العباسية الذين قُتلوا على أيدي بلطجية ووقوف الشرطة العسكرية والجيش دون تحريك ساكن، وكان الشيخ موجوداً داخل مسجد النور، عندما فضّ الجيش الاعتصام.