مصر: مؤشرات للتوسع في تدوير المعتقلين

مصر: مؤشرات للتوسع في تدوير المعتقلين

26 يونيو 2021
يحاول النظام التحايل على مبدأ حقوق الإنسان بالسجون (فرانس برس)
+ الخط -

يعاني الوضع الحقوقي في مصر من الانغلاق الواضح، بعد مرور ثلاثة أسابيع على ترويج شخصيات إعلامية وسياسية مصرية لحدوث انفراجة في ملف المعتقلين، وتلقي وسطاء مختلفين من بينهم شخصيات أجنبية وعوداً بالإفراج عن دفعة جديدة من المعتقلين قريباً، قبل عيد الأضحى (في الأسبوع الثالث من شهر يوليو/ تموز المقبل). مع العلم أن البعض تحدث عن انفراجة تطاول بعض المتهمين في قضية "خلية الأمل"، وذلك في إطار "مقاربة أكثر مرونة لملف حقوق الإنسان، بالتزامن مع تنامي الاتصالات بين النظام المصري والإدارة الأميركية الجديدة، وحديث الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن عن ضرورة استجابة القاهرة لمناشدات تحسين أوضاع الحريات في البلاد، في موازاة التغيرات السياسية الإقليمية التي تنخرط فيها مصر بقوة هذه الفترة.

النظام في سبيله إلى التوسع في ظاهرة التدوير وإبقاء المعتقلين في السجون فترات طويلة

وبرزت في الأيام الماضية مؤشرات جديدة لاستمرار التنكيل بالمعتقلين المعارضين، سواء اليساريين والليبراليين من خلفيات حقوقية أو الإسلاميين، فإلى جانب الحكم بالإعدام على 12 قيادياً من جماعة "الإخوان"، اكتملت أول من أمس الخميس فترة الحبس الاحتياطي بحدها الأقصى المقرر قانوناً بعامين على الغالبية العظمى من معتقلي "خلية الأمل"، وعلى رأسهم زياد العليمي وهشام فؤاد وحسام مؤنس، اللذين كانا من الشخصيات المستهدفة بجهود الوساطة الأخيرة. وتم استدعاء العليمي برفقة محاميه خالد علي إلى التحقيق في نيابة أمن الدولة العليا، ليُفاجأ بمواجهته بمجموعة من المنشورات التي تعود إلى سنوات سابقة على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يطرح احتمالاً، بحسب محاميه، بإمكانية تدويره في قضية أخرى خاصة بنشر أكاذيب وادعاءات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يُحال على ذمتها سريعاً إلى المحاكمة مع استمرار حبسه على ذمة التحقيقات في قضية "خلية الأمل".

وطرح علي في تدوينة له احتمالات أخرى للتصرف بما وُوجِه به موكله من منشورات قديمة، لا تمت لقضية "خلية الأمل" بصلة، منها أن يتم إخلاء سبيله على ذمة هذه القضية، أو أن يحال إلى قضية جديدة مع عدد من متهمي "خلية الأمل". لكن المؤشرات واضحة لجهة إخراج مثل هذه الاتهامات الآن من جعبة الأجهزة الأمنية، رغبة من النظام في إبقاء العليمي في السجن لأطول فترة ممكنة، وعدم استفادته من انقضاء الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، وكذلك النفاذ السريع لتدويره في قضية أخرى، بل وإعدادها استهدافاً لإصدار حكم سريع فيها، يكون وسيلة لبقائه في السجن لمدة طويلة.

الأمر ذاته تكرر الفترة الماضية مع الخبير الاقتصادي يحيى حسين عبد الهادي الذي كان قد أكمل عامين في الحبس الاحتياطي على ذمة القضية الأصلية المتهم فيها بحلول مارس/ آذار الماضي، وفي الأسابيع الأخيرة فوجئ بتوجيه اتهامات جديدة له في القضية 1356 لسنة 2019 المتهم فيها مجموعة من النشطاء السياسيين الذين لا يجمعهم شيء إلا معارضة النظام الحاكم.

كذلك تكررت الظاهرة مع عدد من النشطاء الأقل شهرة كالباحث اليساري أحمد سمير سنطاوي الذي تم اعتقاله منذ بضعة أشهر، وبدلاً من إخلاء سبيله أحيل لمحاكمة سريعة نتج عنها الحكم عليه بالسجن 4 سنوات بسبب منشورات قديمة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي قد يتكرر مع العليمي وآخرين من معتقلي "خلية الأمل".

ومن حصيلة هذه المؤشرات الجديدة يتبيّن أن النظام في سبيله إلى التوسع في ظاهرة التدوير وتطبيق مبدأ "الثلاجة"، التي تضمن بقاء المعتقلين في السجون لفترات طويلة من دون محاكمة. وتبلغ هذه الظاهرة حد الإحالة السريعة للمتهمين في القضايا الجديدة (التي غالباً ما تكون اتهاماتها مستقاة من صفحاتهم على مواقع التواصل) إلى المحاكمة ومن ثم إصدار أحكام قضائية ضدهم، ليتم "تقنين" تغييبهم في السجون.

وأفادت مصادر حكومية مطلعة على ما يدور في الملف الحقوقي من مستجدات، في أحاديث لـ"العربي الجديد"، أن الأمن الوطني والمخابرات العامة ما زالا مختلفين على تفاصيل التعامل مع هذا الملف، في موازاة الجهود المستمرة التي تقودها وزارة الخارجية لوضع استراتيجية مصرية لحقوق الإنسان ستعلن رسمياً نهاية الشهر الحالي. وتهدف الرغبة الأمنية إلى إبقاء تلك الاستراتيجية مجرد حبر على ورق من دون تنفيذ، وتوجيهها للخارج فقط من دون انعكاس على الأوضاع الداخلية.

وكما تحكم الاعتبارات الأمنية والمخابراتية التعامل المحلي مع الملف، فلها الصدارة أيضاً في التعامل الخارجي معه، إذ تضمّنت الحركة الدبلوماسية الأخيرة الصادرة بقرار جمهوري مساء الخميس تعيين السفير المقرب من أجهزة النظام بدر عبد العاطي، سفيراً لدى المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية. وهي الجهة التي مثلت مصدر قلق دائم لمصر بسبب الانتقادات المستمرة للأوضاع الحقوقية خلال العامين الماضيين، بهدف إبقاء النظام على اطلاع مستمرّ على التحركات السياسية والحقوقية، وتمثيل وجهة النظر الرسمية كما ترغب تلك الأجهزة.

وتلقى النظام المصري الحاكم في الشهرين الأخيرين نصائح من بعض النواب والسياسيين من جماعات الضغط الأميركية التي تكثف مصر التعاون معها، وكذلك من المتعاملين مع شركة "براونستين هيات فاربر شريك"، بضرورة الاستعداد لاتخاذ إجراءات تعكس رغبة النظام في تحسين أوضاع حقوق الإنسان خلال الفترة المقبلة، بما في ذلك بحث إمكانية الإفراج عن معتقلين ومحكومين من حاملي الجنسية الأميركية. لكن التقديرات الاستخباراتية والأمنية مشفوعة برؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه تتجه إلى عدم المسارعة في ذلك، إلا لجهة إخلاء سبيل "عدد محدود جداً" من المعتقلين المعروفين، حسبما كشف مصدر لـ"العربي الجديد". وأضاف أنه "من المستبعد حالياً أن يخرج عدد كبير من المعتقلين بشكل جماعي"، مؤكداً رغبة النظام في "الحفاظ على عدد من الأوراق للتخلي عنها مستقبلاً عند الحاجة". وفسر ذلك عبر استمرار منع عدد من الشخصيات التي سبق وتحدثت واشنطن بشأنها من السفر، وعدم إخلاء سبيل نشطاء سياسيين على الرغم من تخطيهم مدة السنتين في الحبس الاحتياطي، مثل إسراء عبد الفتاح.

من المستبعد حالياً أن يخرج عدد كبير من المعتقلين بشكل جماعي

وأضافت المصادر أن "ضباط الأمن الوطني في السجون عقدوا بالفعل لقاءات خلال الأسابيع الماضية مع عدد من المعتقلين للاتفاق معهم على طريقة التعاطي المستقبلية مع الأحداث وإملاء بعض الشروط عليهم، مثل الابتعاد عن القضايا السياسية المثيرة للجدل وعدم الحديث في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي". وأشارت إلى أن بعض هؤلاء المعتقلين كانوا قد وُعدوا من قبل بالإفراج عنهم، لكن لم يحدث ذلك بسبب اختلاف تقدير قيادات الأمن الوطني لهم، أو كعقاب لبعض الشخصيات القريبة من هؤلاء المعتقلين سياسياً أو اجتماعياً على تصريحات ومنشورات معارضة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعُقدت هذه اللقاءات الخاصة بالتوازي مع استمرار عقد اللجان الخاصة في السجون المكلفة بفحص ملفات السجناء السياسيين والمحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا سياسية، والمشكلة أساساً من ضباط الأمن الوطني وبالتنسيق مع المخابرات العامة والمخابرات الحربية ورئاسة الجمهورية، لقاءات شخصية مع أكثر من 35 محبوساً احتياطياً وسجيناً في سجون مجمع طره والوادي الجديد وأسيوط وبرج العرب وجمصة. وتم ترشيح أسمائهم من قبل اللجنة الخاصة بالعفو والمشكلة بقرار من رئيس الجمهورية، ومن المجلس القومي لحقوق الإنسان وشخصيات سياسية أخرى. ودارت مناقشات حول تصورات السجناء، للمستقبل السياسي وموقفهم من اتجاهات الدولة في مختلف المواضيع في الفترة الأخيرة.

وكان السيسي قد أصدر في 20 إبريل/ نيسان الماضي قائمة عفو تضم 1686 شخصاً تبين أن معظمهم من المواطنين الذي اعتقلوا وحوكموا بصورة سريعة عام 2020 أمام القضاء العسكري وأدينوا بارتكاب جنح عسكرية، لتورطهم في مخالفات البناء. وتضمنت أيضاً اسم الصحافي مجدي أحمد حسين، بعد أيام من إفراج وزارة الداخلية عنه رسمياً، على الرغم من قضائه فترة عقوبته بالفعل. وبحسب مصدر أمني مطلع تضمنت القائمة أسماء نحو 30 مواطناً اعتُقلوا في قضايا سياسية حديثة نسبياً، بتهمة الانتماء لجماعة محظورة. ويعني هذا الأمر تنحية ملفات المعتقلين السياسيين بشكل عام جانباً عند الإعداد لهذه القائمة، وتأجيل الاستجابة للوساطات والمطالبات السياسية والنقابية المبذولة حالياً، لإعادة إصدار قرارات العفو التي تشمل السجناء السياسيين، خصوصاً المدانين في قضايا بين عامي 2013 و2016.