مصر: سجال بشأن العفو الانتقائي عن معارضين بالسجون والخارج
استمع إلى الملخص
- رغم المبادرات الرسمية وغير الرسمية، تنتقد منظمات حقوقية مثل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هذه الجهود، معتبرة أنها تهدف لتحسين صورة النظام دولياً دون معالجة جوهر الأزمة.
- يشير المحامي حليم حنيش إلى أن إطلاق سراح المعارضين في الداخل هو الضمانة لعودة المعارضين في الخارج، بينما يشكك خلف بيومي في جدية النظام في مبادرات العفو.
في الأسابيع الأخيرة عادت إلى الواجهة قضية العفو الرئاسي عن بعض الشخصيات المعارضة، داخل مصر وخارجها، وسط جدل واسع بين مرحّب ومتحفّظ. وأثارت عودة المواطن علي مهدي، وقبله الإعلامي حسام الغمري، وغيرهما ممن شملتهم قرارات الإفراج، نقاشاً عاماً اعتبره كثيرون خطوة إيجابية، حتى وإن جاء فردياً ومحدوداً. عبر منصات التواصل الاجتماعي، رحّب المحامي نجاد البرعي بهذه التطوّرات، لكنه طرح أسئلة حول مصير آخرين مثل علاء عبد الفتاح وعبد المنعم أبو الفتوح، وعشرات غيرهم ما زالوا خلف القضبان. من جانبه، رأى السياسي المعارض أيمن نور أنّ ما يجري يمثل "انفراجة فردية"، لكنه شدّد على ضرورة أن تتحول هذه القرارات إلى سياسة جماعية أوسع، فيما دعا ناشطون آخرون، بينهم محمد عباس، إلى ربط هذه الخطوات بمسار أشمل نحو العدالة الانتقالية.
نجاد البرعي: هناك عدد كبير من المعارضين يحلمون بالعودة إلى بلادهم
ملف السجناء السياسيين في مصر
وبينما انشغل البعض بالجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، ظلّ آخرون يذكّرون بأن المشكلة الحقيقية ليست في مواقف المرحّبين أو المنتقدين، بل في السياسات التي تحكم ملف السجناء السياسيين في مصر، وما إذا كانت هذه المبادرات ستتطوّر إلى معالجة جذرية تعيد بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها. ورغم عدم وجود بوادر لانفراجة سياسية داخلية، فإن هناك عدداً كبيراً من الحالمين بالعودة إلى بلادهم، حسب ما أعلن البرعي، موضحاً أنه لسبب ما (لم يسمّه) يصله العشرات من طلبات الناس وبعض الإعلاميين في الخارج يريدون العودة إلى مصر ومن ضمنهم أسماء كبيرة، بخلاف بعض أهالي المحبوسين احتياطياً؛ وبعض المحكوم عليهم. وكتب في منشور على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي: "بعضهم يريد عفواً من الرئيس (عبد الفتاح السيسي) والبعض يريد أن تنظر النيابة العامة في أمر حبسه الذي طال سنين، وبعضهم يريدون تأكيدات بأنهم عند عودتهم لن تُحتجز جوازات سفرهم ويُمنعوا من المغادرة". عن ذلك، اعتبر المحامي المقيم في الخارج، حليم حنيش، في بيان له، أنه بإعادة النظر في جدية مبادرات عودة المعارضين في الخارج، يمكن التوقف عند مبادرتَين فقط ضمن كمّ أكبر من المبادرات، لكن حتى تلك المبادرات الجادة، تجاهلت حل الموضوع باعتباره قراراً سياسياً، واكتفت بحل حالات فردية، يمكن توصيفها في إطار "تصالح ـ صفقة" أو غيرها من المسميات التي تبقيها فردية.
وشهدت السنوات الأخيرة إطلاق عدد من المبادرات الرسمية وغير الرسمية للتعامل مع ملف السجناء السياسيين وعودة المعارضين في الخارج. وأُعيد تفعيل لجنة العفو الرئاسي في مايو/أيار 2022 لمراجعة قضايا المحبوسين احتياطياً والمُدانين بأحكام نهائية، مع اشتراط ألّا يكونوا متهمين بالانتماء لتنظيمات إرهابية أو بارتكاب أعمال عنف. وتشير تقارير حقوقية إلى أن عمل اللجنة مستمر بدون سقف زمني محدد.
في المقابل، طرحت منظمات حقوقية عدّة، مثل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، دعوات لإفراج شامل عن جميع السجناء السياسيين، مؤكدة أن الهدف يجب أن يكون إنهاء وجود أي معتقل رأي في مصر. غير أن هذه المنظمات تنتقد المسار الحكومي، وترى أنه يهدف أساساً إلى تحسين صورة النظام أمام المجتمع الدولي بدون معالجة جوهر الأزمة المتمثلة في الأعداد الكبيرة من المعتقلين.
أما على صعيد المصريين في الخارج، فقد برزت مبادرة "عودة آمنة" التي أطلقها سياسيون، بينهم محمد أنور السادات، داعية إلى عودة مَن لم يتورّطوا في أعمال عنف، كما أطلقت الحكومة مبادرة "تسوية الموقف التجنيدي" لتمكين الشباب في الخارج من حل مشكلاتهم المرتبطة بالتجنيد مقابل رسوم مالية، وهي مبادرة إدارية بالأساس وليست سياسية. في الوقت نفسه، يواصل حقوقيون ومحامون إطلاق نداءات للرئيس المصري لتبني مصالحة وطنية كبرى تشمل الإفراج الشامل عن السجناء، وإتاحة عودة آمنة للمعارضين من دون شروط، وهذا أيضاً ما دعا إليه حنيش، بأنه "لا بدّ من توسعة آفاق حل قضية المعارضين في الخارج".
حليم حنيش: الضمانة الأولى لعودة المعارضين في الخارج، هي خروج المعارضين من السجون
ضمانات للمعارضين
برأي حنيش، الذي يعيش خارج مصر منذ سنوات طويلة بسبب نشاطه المعارض للنظام الحالي، فإنّ "الضمانة الأولى لعودة المعارضين في الخارج، هي خروج المعارضين من السجون، والمبادرات تبحث عن حلول فردية للمعارضين في الخارج، رغم أن لبّ المشكلة في المعارضين في الداخل... فإذا أرادت الدولة رسم صورة وردية لاستعدادها لاحتضان المعارضين في الخارج؛ فعليها أولاً أن تطلق سراح علاء عبد الفتاح وعبد المنعم أبو الفتوح وابنه ومحمد عادل، على سبيل المثال لا الحصر، وعليها أيضاً أن تعلن بكل شفافية عمّا يدور في سجن بدر 3 وتنتبه للتحذيرات الواردة منه التي قد تتفاقم لكارثة، وأن تدرك الدولة أن المعارضة في الخارج ما هي إلّا انعكاس للأوضاع في الداخل، حيث يعيش المصريون في أسوأ فترات حياتهم على الإطلاق من غلاء معيشي وسقف سياسي منخفض وحريات شبه معدومة".
من جهته لم يستطع خلف بيومي، مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، الذي يعيش في الخارج أيضاً بسبب نشاطه الحقوقي وموقفه السياسي، الحكم على جدية النظام في مبادرات للعفو من خلال عفوه عن علي مهدي أو حسام الغمري أو حتّى أضعاف هذا العدد، خصوصاً أن هناك شكوكاً من أن هدف النظام من العفو عنهم وهو "استعمالهم لتجميل النظام وتشويه معارضيه". ولكن الحكم من وجه نظر بيومي: "يكون من خلال منظومة ولوائح ثابته يجري بموجبها تطبيق العفو على مستحقيه بغض النظر عن الخلاف السياسي معهم"، وأضاف بيومي في حديث لـ"العربي الجديد": "خلت كل قرارات العفو تماماً من المعارضين واكتفت بعدد من الجنائيين، هذا بالتوازي مع تصريحات لأعضاء في لجنة العفو بأنّ العفو لن يشمل مجموعة معينة من المسجونين"، بالتالي فإنّ "الطريقة التي جرى بها العفو عن علي مهدي وإخفاؤه لمدة سنتين ثم ظهوره لا تشجع أحداً، لأنها تحمل هواجس حول ما جرى في تلك الفترة وكمية الضغوط التي وقع تحتها، وهي ضغوط قد لا يتحملها كثيرون، خصوصاً ممن يرغب في العفو عن الأحكام، مع تمسكه بحقه في معارضة النظام الحاكم أو رفضه كلياً".