مصر: حبس الباحث إسماعيل الإسكندراني 15 يوماً على ذمة التحقيقات
استمع إلى الملخص
- أثار توقيف الإسكندراني قلقًا واسعًا بين متابعيه وأقاربه، خاصة بعد اختفائه المفاجئ وكتابة منشور على "فيسبوك" يشير إلى توقيفه، مما زاد من المخاوف حول مصيره.
- يُعتبر الإسكندراني رمزًا للسجناء السياسيين في مصر، وقضيته تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الصحافيون، مما أثار حملات تضامن من منظمات حقوق الإنسان.
قررت نيابة أمن الدولة العليا في مصر، مساء اليوم الأربعاء، حبس الباحث والصحافي المصري المعروف إسماعيل الإسكندراني، لمدة خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 6469 لسنة 2025 حصر أمن الدولة العليا. وجاء قرار النيابة بعد ساعات طويلة من التحقيق معه، وسط اتهامات وجهتها له النيابة تتعلق بـ"إذاعة أخبار كاذبة، والانضمام إلى جماعة إرهابية، واستخدام موقع إلكتروني من شأنه الترويج لأفكار داعية لأعمال إرهابية".
القضية التي يواجهها الإسكندراني تضم متهمين آخرين، من بينهم الناشط السيناوي البارز سعيد أعتيق، والذي كان قد جرى توقيفه في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري وحبس من نيابة أمن الدولة 15 يوما بعد توجيه انتقادات لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني، رئيس اتحاد قبائل سيناء. ويعيد هذا الملف إلى الأذهان ممارسات سابقة تتعلق بملفات الصحافيين والباحثين الذين يجدون أنفسهم أمام اتهامات ثقيلة، غالبًا ما ترتبط بالانتماء إلى جماعات محظورة أو بنشر أخبار اعتُبرت "مغلوطة" من قبل السلطات.
وبالعودة إلى الأيام القليلة الماضية، كان الإسكندراني قد كتب منشورًا مطولًا على "فيسبوك"، علّق فيه على اعتقال سعيد أعتيق. وجاء في نص المنشور: "صدق أن الصديق السيناوي سعيد أعتيق ممكن يكون إخوان لو أنا كمان إخوان! علماً بأن المحكمة العسكرية العليا برأتني من تهمة الانضمام لجماعة الإخوان.. بس بعد 7 سنين في السجن! معرفش تفاصيل اللي حصل لسعيد اللي لسه ظاهر في نيابة أمن الدولة العليا بعد إخفائه لفترة بمعرفة الجهاز الأمني.. بس أعرف حاجتين: 1- وقفات نقابة الصحفيين لصالح فلسطين فضلت شغالة لحد ما هتفوا ضد العرجاني وشركة هلا.. ساعتها بس اتقفل شارع عبد الخالق ثروت مش بس سلم النقابة، و2- سعيد سويركي من قبيلة السواركة.. والعرجاني ترباني. وبين السواركة والترابين حساسيات من أيام حروبهم في القرن التاسع عشر والعشرين. سعيد صارم وصدامي.. وفيه ناس كتير ممكن تهدي النفوس بمعنى الوشاية والوقيعة. سعيد أعتيق من أشد خصوم الإسلاميين عموماً من أيام عضويته في حزب التجمع اللي استقالت منه أمانة شمال سيناء هو والأستاذ مصطفى سنجر عشية الثورة بسبب تقاعس الحزب عن المشاركة في 25 يناير. فاتهام سعيد بالانضمام لجماعة اتهام مضحك وسخيف.. زي كل حاجة في مصر دلوقتي".
هذا المنشور، الذي تداوله عدد من الحقوقيين والصحافيين، اعتُبر إشارة واضحة من الإسكندراني إلى ما يصفه بـ"المفارقات السياسية والاتهامات الملفقة" في قضايا تتعلق بالنشطاء في شمال سيناء.
وبعد ساعات من توقيف الباحث والسجين السياسي المصري السابق الإسكندراني في كمين أمني على مقربة من مدينة مرسى مطروح، شمال غربيّ مصر، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، أعلنت مصادر حقوقية، من بينها المحامي الحقوقي البارز خالد علي، والصحافي والباحث حسام بهجت، نقل الإسكندراني من محافظة مطروح إلى النيابة، لبدء التحقيق معه، مشيرة إلى أنه طلب حضور محامٍ.
وكان الاختفاء المفاجئ للإسكندراني أثار مخاوف المئات من متابعيه وأقاربه، إثر كتابته على صفحته الخاصة بمنصة "فيسبوك" في الساعات الأولى من صباح اليوم، أنه تم توقيفه في كمين أمني على مقربة من مدينة مرسى مطروح، قبل أن يُغلق هاتفه، تاركاً خلف هذا المنشور علامات استفهام كبيرة وقلقا شديدا عليه.
وهاتف مراسل "العربي الجديد" الإسكندراني صباحاً على هاتفه النقال مرات عدة، لكنه بات خارج الخدمة، ولم يردّ أحد من أهله على الهاتف. ووفقاً للقانون المصري، لا يمكن للباحثين عن شخص متغيب تحريك بلاغ بالاختفاء أو التغيب إلا بعد مرور 24 ساعة على الواقعة. وفي حالات السجناء السياسيين السابقين، تتعمق المخاوف، لاسيما مع هؤلاء المعروفين بنشاطهم في الأوساط السياسية والحقوقية، ودائمي التدوين عن القضايا الاجتماعية عبر منصاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كما في حالة الإسكندراني.
وفي تدوينات حديثة للإسكندراني، تحدث عن إخلاء سبيل سبعة من أصل أربعين صياداً، منهم رجل مات في السجن بعد اتهامهم بالصيد في مناطق عسكرية أو دون الحصول على تراخيص مناسبة، مشيداً بقرارات الافراج عنهم، ومطالباً المسؤولين بالأجهزة الأمنية بسرعة التنسيق بين الإدارات العامة بالقاهرة والمحافظات، ليجري الإفراج عن المتهمين بسرعة، قبل أن يتعرضوا لمشاكل داخل الأقسام، تدفع ببعضهم إلى "التدوير" وتبقيهم في السجون لسنوات، دون ذنب.
إسماعيل الإسكندراني، باحث وصحافي مصري متخصص في الحركات الإسلامية والجماعات المسلحة، بالإضافة إلى قضايا الحدود والصراع القبلي في سيناء. وُلد الإسكندارني في مدينة الإسكندرية، التي اكتسب من أجوائها الثقافية وتعدد الأقليات والأديان، صبغتها الكوزموبوليتانية، وبدأ مسيرته المهنية بالعمل محللا سياسيا بعدة جرائد ومواقع محلية، حيث اشتهر مع اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، بآرائه الجريئة وتحليلاته العميقة التي غالباً ما كانت تتعارض مع الرواية الرسمية للدولة.
عمل الإسكندراني زميل أبحاث في المركز الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط بألمانيا ومراكز بحثية في واشنطن، وأجرى أبحاثاً حول قضايا الأمن والسياسة في المنطقة، مما جعله شخصية معروفة في الأوساط الأكاديمية والإعلامية. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، ألقي القبض عليه فور عودته إلى القاهرة من ألمانيا. ووجهت إليه تهمة "نشر أخبار كاذبة" و"الانتماء إلى جماعة إرهابية"، وهي اتهامات شائعة تُستخدم ضد المعارضين في مصر.
وبعد محاكمة عسكرية، حكمت المحكمة عليه بالسجن لمدة 10 سنوات في مايو/ أيار 2018. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2022، قررت المحكمة العليا للطعون العسكرية تخفيف الحكم إلى 7 سنوات. وبناءً على هذا التخفيف، كان من المفترض أن تنتهي مدة عقوبته في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وقد تم الإفراج عنه بالفعل بعد أيام قليلة من هذا التاريخ، تحديدًا في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2022. وخلال فترة سجنه، تحوّل الإسكندراني إلى رمز للسجناء السياسيين والصحافيين الذين تعرضوا للقمع بسبب آرائهم. وسلّطت قضيته الضوء على التحديات التي يواجهها الباحثون والصحافيون في مصر، وأثارت حملات تضامن واسعة من منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية.
وبعد الإفراج عنه، واصل الإسكندراني نشاطه البحثي والكتابي، محاولاً العودة إلى حياته الأكاديمية والمهنية. وتُعدّ قصته مثالاً حياً على التوتر بين حرية التعبير والأمن القومي في مصر، وكيف يمكن أن يكلف البحث عن الحقيقة المرءَ حريته.