استمع إلى الملخص
- التحديات أمام العلاقات المصرية السورية: توجد خلافات بين القاهرة والإدارة السورية الجديدة، تتعلق بتقارير عن معسكرات تدريب لمقاتلين مصريين، مما يعرقل تقدم العلاقات ويجعل الموقف المصري غامضاً.
- جهود مصرية في الملف السوري: تسعى مصر لفتح قنوات حوار مع الإدارة السورية الجديدة، مع التركيز على الوساطة والدبلوماسية لدعم وحدة الأراضي السورية وعودتها إلى محيطها العربي.
"لا يمكن القبول بأن من يحمل السلاح فقط هو الذي يفرض كلمته في سورية"، بهذا التصريح أرسل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي رسالة تحمل أبعاداً سياسية متعددة، ومع ذلك، يثير هذا التصريح تساؤلات حول مدى اتساقه مع الواقع الحالي في سورية، في وجود الإدارة السورية الجديدة التي بدأت تحظى باعتراف ودعم دوليين واسعين. ويفتح هذا الموقف باباً لتحليل أعمق للتغير التدريجي في الموقف المصري الرسمي تجاه الأزمة السورية، ففي تصريح آخر له، أكد عبد العاطي أن مصر تدعم "الحل السياسي الذي يضمن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومؤسساتها"، كما أضاف في مناسبة أخرى أن "مصر ترفض أي محاولة لإيواء أو دعم عناصر إرهابية على الأراضي السورية"، مما يعكس مخاوف مصرية في هذا الإطار. انطلاقاً من هذه المواقف السلبية الثلاثة من قبل القاهرة تجاه الإدارة السورية الجديدة في دمشق، يمكن فهم عدم زيارة أي مسؤول مصري رفيع المستوى سورية حتى الآن، هي التي زارها مسؤولون من كل العالم، والتي كانت في أحد الأيام تشكل دولة واحدة مع مصر (بين عامي 1958 و1961)، فإذ بهذه الأخيرة تقاطعها بعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر من سقوط نظام بشار الأسد.
مصادر: القاهرة أرجأت زيارة كانت مقررة لعبد العاطي إلى دمشق
خلافات مصر مع الإدارة السورية الجديدة
في السياق، أفادت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" بأن هناك خلافات لا تزال قائمة مع الإدارة السورية الجديدة ولم تحصل القاهرة على ردود واضحة بخصوص تقارير تشير إلى وجود معسكرات في إدلب، يتدرب بها مقاتلون مصريون، بالإضافة إلى تساؤلات حول تولي مصريين مواقع قيادية في الجيش السوري، هذه القضايا الحساسة تظل حجر عثرة أمام تقدم العلاقات بين الطرفين. ويظل الموقف المصري تجاه سورية الجديدة غامضاً وغير محدد المعالم، فعلى الرغم من العلاقات التاريخية بين البلدين، فإن القاهرة لم تعلن موقفاً واضحاً تجاه الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة الدور المصري في مستقبل سورية. وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن القاهرة أرجأت زيارة كانت مقررة لوزير خارجيتها بدر عبد العاطي إلى دمشق، وهذا التأجيل جاء نتيجة رغبة القاهرة في رصد مواقف دول في المنطقة، قبل اتخاذ أي خطوة دبلوماسية مباشرة.
ويعكس الموقف المصري الحالي حالة من الترقب الحذر، فالقاهرة تدرك أن التحولات في سورية لن تؤثر فقط على المشهد الداخلي هناك، بل ستعيد رسم خرائط النفوذ الإقليمي. وفي هذا السياق، يبدو أن مصر تفضل الانتظار حتى تتضح مواقف اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، مثل السعودية والإمارات، قبل الإعلان عن خطوتها المقبلة. لكن التأخر في اتخاذ موقف واضح "قد يضعف الدور المصري في تشكيل مستقبل سورية" حسب ما يقوله خبراء. ففي الوقت الذي تسارع فيه دول أخرى إلى بناء علاقات مع القيادة السورية الجديدة، قد تجد القاهرة نفسها خارج دائرة التأثير الفعلي إذا استمر التردد في التحرك.
محمد سيد أحمد: الاتصالات المصرية مع سورية تهدف إلى فتح قنوات حوار
جهود مصرية في سورية
ويأتي التغير في الموقف المصري ضمن سياق إقليمي يشهد تحولات جذرية، إذ إن التقارب السعودي ـ الإيراني، على سبيل المثال، يقلل من حدة الاستقطاب الإقليمي الذي كان يؤثر بشكل مباشر على الأزمة السورية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن انخفاض مستوى العمليات العسكرية في سورية يتيح الفرصة للحلول السياسية، ما يدفع دول المنطقة إلى تبني مواقف أكثر براغماتية. كما أن الضغوط الاقتصادية التي تواجهها دول المنطقة تُشجع على التعاون بدلاً من الصراع، مع التركيز على إعادة الاستقرار. وحسب مراقبين فمن المرجح أن تستمر مصر في لعب دور محوري في الملف السوري عبر الوساطة والدبلوماسية، خصوصاً مع دعمها لعودة سورية إلى محيطها العربي. لكن يبقى نجاح هذه الجهود مرهوناً بمدى استعداد الأطراف السورية، داخلياً وخارجياً، للتفاعل مع هذه الديناميات الجديدة.
في السياق أشار أستاذ علم الاجتماع السياسي محمد سيد أحمد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاتصالات المصرية مع الإدارة السورية الجديدة لا تعكس تغييراً جوهرياً في الموقف المصري، لكنها تهدف إلى استكشاف الأوضاع وفتح قنوات حوار من دون المساس بالثوابت المصرية. وأضاف أن "موقف مصر يستند إلى دعم وحدة الأراضي السورية، ووحدة الدولة والشعب السوري، مع احترام حق السوريين في اختيار قياداتهم ومستقبلهم". كما أوضح سيد أحمد أن الضغوط الدولية، التي تمارسها أطراف كبرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، تلعب دوراً في تشكيل المشهد السوري الجديد. ومع ذلك، شدد على أهمية أن تبقى مصر متمسكة بمبادئها الثابتة، معتبراً أن "التعامل مع حكومة ذات طبيعة إرهابية لن يخدم مصالح الشعبين المصري أو السوري، ولن يسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي".