مصر تعوّل على رجال الأعمال لتمويل شراء اللقاحات

مصر تعوّل على رجال الأعمال لتمويل شراء اللقاحات

20 يناير 2021
خُصصت موارد كورونا لبطولة العالم لكرة اليد (فرانس برس)
+ الخط -

لا تبدو التصريحات المصرية الأخيرة في شأن توزيع لقاحات كورونا مشجعة، خصوصاً أنه لم يتم تطبيق التعهدات السابقة التي أعلنت عنها وزيرة الصحة هالة زايد، تحديداً في سياق قرب توزيع اللقاح، بدءاً بالعاملين في مستشفيات العزل والصدر والحميات وحالات الأمراض المزمنة. وعلى مدار شهرين تقريباً من الوعود والتصريحات، وصلت إلى مصر دفعة واحدة فقط من لقاح "سينوفارم" الصيني، في 10 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وعددها 50 ألف جرعة فقط. ولم يتم توزيع اللقاحات على الفئات المستهدفة، حسبما أفادت مصادر مطلعة بوزارة الصحة. وبعد ذلك تعذّر استقبال المزيد من اللقاحات، رغم الحديث الرسمي في وسائل الإعلام عن استيراد لقاحات جديدة. وتوجهت زايد إلى الإمارات بغية التوصل إلى اتفاق لدعمها استيراد مصر مزيداً من الكميات أو استيرادها من المصدر، لكن وبدلاً من ذلك، عادت زايد للحديث عن مشاريع مستقبلية غير محددة الجدول الزمني، لتصنيع لقاح "سينوفارم" في مصر.


وصلت 50 ألف جرعة من لقاح "سينوفارم" الشهر الماضي

وفي 20 ديسمبر الماضي أطلقت وزارة الصحة موقعاً إلكترونياً لتسجيل المواطنين وتوزيعهم على الفئات الأولى بالرعاية، من أجل ترتيب الحصول على اللقاح، لكن الموقع لم يفتح سوى خمس ساعات فقط، قبل إغلاقه بحجة عدم اكتمال جاهزيته التقنية. لكن مصادر مطلعة كشفت لـ"العربي الجديد"، أن السبب هو عدم وجود جدول زمني معروف لتوزيع تلك اللقاحات من الأساس، وأن إطلاق الموقع كان على سبيل التجربة التقنية فقط، لكن الرابط تسرّب لوسائل الإعلام عبر بعض العاملين بالوزارة.

وفي 2 يناير/ كانون الثاني الحالي، كشفت وزيرة الصحة في تصريحات تلفزيونية أن توزيع اللقاحات سيبدأ بين الأسبوعين الثاني والثالث من يناير الحالي. إلا أن هذا الموعد فات. ثم وعدت مرة أخرى باستيراد المزيد من اللقاحات قبل نهاية الشهر الحالي، لكن لا توجد أي دلائل على صحة ذلك حتى الآن، خصوصاً أن الشركات الأكثر توزيعاً للقاح حالياً، لم تذكر اسم مصر على الإطلاق في لوائح التوزيع الخاصة بها خلال الفترة الحالية.

وحول ذلك، أفادت مصادر مطلعة في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد"، بأن المشكلة الرئيسية الآن، التي تُصعّب حصول مصر على اللقاحات، هي عدم توافر الأموال اللازمة لاستيراد الكميات، التي من الممكن أن تساهم في سد العجز المبدئي في تلقيح الفئات الأولى بالرعاية. وتستهدف الدولة بشكل عام الحصول على مائة مليون جرعة لقاح، ستكفي 50 مليون مصري، لكنها لن تستطيع البدء في حملة تطعيم على المستوى الوطني لأقل من خمسة ملايين شخص، أي بتوافر عشرة ملايين جرعة لقاح. وهو رقم ما زال كبيراً قياساً بالتمويل المتوافر والكميات المتاحة لدى الشركاء المحتملين، في ظل زيادة الطلب العالمي والإقليمي وجاهزية التمويل في دول أخرى.

وكشفت المصادر أن كل ما تردده الوزيرة عن تعاقدات محتملة لنحو 20 مليون لقاح "أسترازينيكا" وكمية مماثلة من لقاح "فايزر- بيونتيك" لا تعدو كونها مفاوضات على خفض الأسعار أو تقسيطها. وهو ما لا تتعاطى معه الشركتان المنتجتان حتى الآن بإيجابية رغم رغبتهما في ضمان المشاركة في تزويد سوق ضخمة كمصر تعتبر الأكبر في الشرق الأوسط وأفريقيا. لكن العروض المالية المقدمة من القاهرة ما زالت بعيدة عن الواقع، فضلاً عن وجود أولويات للشركتين في تزويد أسواق أخرى سريعاً من دون مشاكل مالية، أما محاولة الحصول على اللقاحات من دول أخرى لتسريع العملية، فسوف تكون أكثر كلفة.

وتسعى مصر لسد الفجوة التمويلية من خلال مساهمات وتبرعات رجال الأعمال، وعلى رأسهم حالياً هشام طلعت مصطفى، الذي استطاع من خلال مشاريعه بالعاصمة الإدارية الجديدة تحديداً، واستغنائه عن مساعدة الدولة في العديد من المشاريع الأخرى، أن يضمن موقعاً متقدماً في خريطة الاستثمارات المحلية. ويأتي ذلك بعد سنوات من تضرر صورته عبر ضلوعه في جريمة قتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم. وقد وقع مصطفى، الأسبوع الماضي، على اتفاقية مع وزارة الصحة لتوفير أربعة ملايين جرعة لقاح على مراحل.

لكن حتى مع ما سيتم توفيره من أموال رجال الأعمال يبدو السيناريو الأقرب للتطبيق، حسب جدول مبدئي لم تعلن عنه الوزارة، هو التوسع في استيراد اللقاح الصيني. وتستهدف الوزارة الحصول على 5 ملايين جرعة خلال الشهر المقبل، من أصل 40 مليون جرعة. وفي موازاة ذلك، تنتظر اللقاحات الممولة من تحالف "غافي" (التحالف العالمي للقاحات والتحصين) للدول متوسطة الدخل ومنخفضة الدخل، والمتوقع بدء توريدها في الربيع المقبل، وذلك لإكمال ما يمكن وصفه "حملة قومية للتطعيم".

وما يثير قلق المختصين المصريين هنا، أن وزيرة الصحة كانت قد أعلنت عند استقبالها الشحنة الوحيدة التي وصلت من لقاح "سينوفارم"، أنه أثبت فاعلية بنسبة 86 في المائة في الوقاية من فيروس كورونا، و99 في المائة في إنتاج الأجسام المضادة للفيروس، و100 في المائة في الوقاية من الوصول للحالات المتوسطة والشديدة. لكن الشركة نفسها أعلنت، الشهر الحالي، أنها سجلت فاعلية لا تزيد على 79 في المائة في الوقاية العامة من الفيروس. بدورها لم تصدر هيئة الدواء المصرية، وهي الجهة صاحبة الاختصاص في اختبار اللقاحات وإعلان تقارير بشأنها، أي بيان عن لقاحات وعلاجات كورونا منذ تفشي الوباء. وأصدرت موقفاً واحداً حين وصلت الشحنة الأولى من لقاح "سينوفارم"، من دون إعلان نتيجة أي اختبار بشأنه، ولا حتى نتيجة التجارب التي أجريت في مصر عليه خلال الصيف الماضي.


تراوح الإصابات المصرية يومياً بين 800 وألف إصابة

وبرزت مشكلة جديدة تعرقل وصول أنواع أخرى من اللقاحات الأغلى ثمناً والأكثر كفاءة، وهي ضعف الإمكانيات التخزينية، خصوصاً إذا تعلق الأمر بلقاح "فايزر- بيونتيك"، الذي يتطلب حفظه درجات تجميد عالية وغير مسبوقة. ولا تتوفر وسائل حفظ كافية في مستشفيات وزارة الصحة وأماكن التلقيح المحددة على مستوى الجمهورية. في السياق، أشارت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، إلى أن مساهمة صندوق "تحيا مصر" وفقاً لتوجيهات السيسي الصادرة لإدارته العسكرية منذ أسبوعين بالمساهمة في حملة اللقاحات، ستتركز خلال المرحلة الأولى على تمويل شراء معدات وتجهيز الأماكن الخاصة بالحفظ والتجميد، قبل التوسع في استيراد الجرعات.

وتمر مصر حالياً بفترة تذبذب غير مبررة في الإصابات الجديدة بفيروس كورونا، إذ تراوح الإصابات اليومية بين 800 وألف إصابة يومياً، في ظلّ انعدام القيود على حركة المواطنين وإقبالهم على التجمعات التي تساهم في انتشار الفيروس. وفسّرت مصادر مطلعة في حديث لـ"العربي الجديد"، ذلك بتوجيه جزء كبير من طاقة المعامل المركزية المخصصة يومياً لأخذ المسحات وإجراء تحاليل، إلى فحص المشاركين في بطولة العالم لكرة اليد التي تنظمها مصر بين 13 يناير الحالي و31 منه. بالتالي تناقصت قدرة المعامل على إجراء التحاليل بالكميات المعتادة قبل البطولة.

وكشفت المصادر أن المعامل أجرت أكثر من 1800 تحليل للمشاركين في البطولة خلال الأيام الثلاثة الأولى منها. ومن المقرر، وفقاً للنظام الطبي للبطولة، أن تؤخذ المسحات من جميع اللاعبين والإداريين والأطقم التدريبية والمعاونين وكذلك العاملين بالفنادق التي تقيم فيها الوفود، كل 24 ساعة. بالتالي سيستمر التأثير السلبي للبطولة على عدد المسحات في المستشفيات الحكومية والمعامل المركزية حتى نهاية البطولة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

المساهمون