مصر تسعى لتحريك ملف سد النهضة

مصر تسعى لتحريك ملف سد النهضة

26 سبتمبر 2022
شكري ملقياً كلمة مصر في نيويورك، السبت (براين سميث/فرانس برس)
+ الخط -

تسعى مصر لإعادة ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي إلى صدارة الاهتمام الأفريقي والدولي، خصوصاً بعدما وجدت في اجتماعات الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، المنعقدة حالياً في نيويورك، فرصة مناسبة لتنشيط القضية، ولفت الانتباه إليها مرة أخرى، في ظل حالة الجمود التي تسيطر على مسارات الحلول السابقة، أمام تمسك أديس أبابا بموقفها الرافض التعاطي مع الملاحظات المصرية والسودانية.

وخلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أول من أمس السبت، اتخذ الخطاب المصري لهجة تبدو على مستوى لغة الخطاب "تصعيدية"، من دون الإشارة إلى أية خطوات عملية أو رسمية في هذا الشأن.

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال كلمته أمام الجمعية، إن "المعاناة الإنسانية الجسيمة ليست بالضرورة ترتبط بنقص الموارد أو تراجع كميات الأمطار، وإنما بعدم الالتزام بالقانون الدولي، ورغبة بعض دول المنبع في الاستئثار بالموارد المائية بما يحرم دول المصب من نعمة إلهية ممنوحة للجميع ليست حكراً على شعب من دون آخر".

شكري يؤكد عدم التهاون

وتابع الوزير المصري، الذي ترأس وفد بلاده إلى الاجتماعات، في تحذير وصفه دبلوماسي سابق بأنه "يبدو شديد اللهجة"، أنه "يخطئ البعض عندما يعتقد أن التمسك بتطبيق الوسائل السلمية لتسوية النزاعات الدولية من قبيل الضعف، بل ينبع من القوة والقدرة على صون الحقوق وحفظها من الضياع أو التفريط، وإدراك للآثار السلبية للصراعات على الشعوب قبل الحكومات".

وشدّد على أن "مصر تقرّ بحق الشعب الإثيوبي في التنمية"، وأنه "على مدار عقد كامل، كانت مصر متمسكة بضبط النفس، ولن يعني الأمر التهاون في حق الشعب المصري في الوجود المرتبط بنهر النيل منذ فجر التاريخ، مهداً للحضارة وشرياناً للحياة".

وأكد شكري على ضرورة التوصل "من دون تأخير أو مماطلة إلى اتفاق قانوني وملزم لملء وتشغيل سد النهضة، وفقاً لاتفاق إعلان المبادئ في مارس/آذار 2015، والبيان الرئاسي لمجلس الأمن في 15 سبتمبر/أيلول 2021".

وقال إن "تلك الدول الثلاث (مصر، السودان، إثيوبيا) ذات سيادة ويتعين عليها أن تلتزم بما اتفقت عليه وتنفذه فعلاً وليس قولاً، والمساهمة في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين".

ودعا الوزير المصري المجتمع الدولي إلى العمل على تطبيق قواعد القانون الدولي ذات الصلة، صوناً لمصير وحقوق 250 مليون مواطن مصري وسوادني وإثيوبي.


سامح شكري: التمسك بتطبيق الوسائل السلمية لتسوية النزاعات لا يعني ضعفاً

ورافق التصعيد الدبلوماسي المصري، وتكثيف جهود التواصل لدى القوى والمؤسسات الدولية من أجل تحريك ملف الأزمة، والعودة مجدداً إلى مائدة المفاوضات، تصعيد مصري من نوع آخر، بحسب ما كشف دبلوماسي غربي بالقاهرة.

وقال الدبلوماسي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المتابع ملفَ الهجرة غير النظامية منذ مطلع العام الحالي، وهي الفترة التي شهدت حالة جمود غير مسبوقة في ملف أزمة سد النهضة، سيدرك أن هناك تحركاً مصرياً من نوع آخر.

ورأى أن الهدف منه، ربما، هو الضغط على الاتحاد الأوروبي والقوى الأوروبية الكبرى، من أجل التدخل لأداء دور أكثر حسماً في الأزمة لصالحها، خصوصاً بعدما شهدت السنوات الثلاث الماضية إنفاذ أديس أبابا لكل توجهاتها بشأن السد، وإتمام ثلاث دورات من الملء لخزان السد، من دون أن تُنفّذ أي من الملاحظات المصرية.

وبحسب الدبلوماسي الغربي، فإن "مؤشر وأعداد المهاجرين غير النظاميين، الذين يخرجون من مصر منذ نهاية العام الماضي وحتى بداية العام الحالي، أخذ في التصاعد بشكل كبير، بعد نحو ثلاث سنوات من التوقف التام لهذا النشاط".

وكشف أن التقارير المعلوماتية لدى الاتحاد الأوروبي تشير إلى ما يمكن وصفه بغض الطرف رسمياً عن هؤلاء المهاجرين نحو السواحل الأوروبية، والذين يخرجون من عدد من المحافظات المصرية تحت أعين كافة الأجهزة الرسمية.

وتابع الدبلوماسي الغربي أن المهاجرين غير النظاميين، الذين يغزون سواحل الدول الأوروبية، لا يخرجون هذه المرة من السواحل المصرية، ولكن عبر سواحل ليبيا من خلال خطوط سير واضحة ونقاط تجمع معروفة لأجهزة الأمن المصرية، التي يبدو أنها تغض الطرف عن هذه العمليات.

وأوضح أن "السماح بفتح الطريق للحدود الليبية أمام الراغبين الذين يجرى تسفيرهم عن طريق عصابات الهجرة غير النظامية، بات رسالة واضحة للدول الأوروبية، ظناً من القاهرة أن تلك الدول تخاذلت في دعم موقفها خلال أزمة سد النهضة".


دبلوماسي غربي: المهاجرون غير النظاميون لا يخرجون هذه المرة من مصر بل عبر ليبيا

نوايا إثيوبيا بشأن سد النهضة

في المقابل، أعلنت إثيوبيا، أول من أمس السبت، التزامها بـ"مواصلة التفاوض بحسن نية مع مصر والسودان، للتوصل إلى نتيجة مقبولة بشأن سد النهضة".

وقال نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ديميكي ميكونين، خلال كلمته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة: "أريد أن أنتهز هذه الفرصة لكي أكرر التزام إثيوبيا بالتعاون والإنصاف في استخدام الأنهار العابرة للحدود، وتحقيق الازدهار المشترك مع جميع البلدان المشاطئة"، مضيفاً: "سنستمر بحسن نية في المفاوضات الثلاثية تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، للتوصل إلى نتيجة مقبولة للأطراف المعنية".

واعتبر ميكونين أن "العام الماضي كان علامة فارقة لبلدي وأيضاً لحوض نهر النيل بكامله، إذ بدأ سد النهضة الإثيوبي الكبير بإضاءة منازلنا وتحقيق تطلعات أجيالنا".

وفي مقابل التحركات المصرية التي انطلقت من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عملت القاهرة على مسار آخر معني بقطع الطريق أمام الحكومة الإثيوبية، لخلط أوراق الأوضاع في السودان.

وفي هذا الإطار، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، أول من أمس السبت، لترتيب أوراق المرحلة المقبلة معه على صعيد دعمه داخلياً في مواجهة أطراف بعضها يحظى بدعم واضح من أديس أبابا، وكذلك على صعيد ترتيب أوراق التحرك بشأن ملف أزمة سد النهضة لضمان وحدة الموقف المصري السوداني.

وشدّد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية بسام راضي على أن السيسي أكد حرص مصر على تقديم كافة سبل الدعم لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في السودان، وذلك انطلاقاً من دعم مصر الكامل للسودان في كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة، وكذا الارتباط الوثيق بين الأمن القومي المصري والأمن القومي السوداني، والروابط التاريخية التي تجمع شعبي وادي النيل.