استمع إلى الملخص
- أجرى الرئيس السيسي اتصالات مع قادة الكونغو ورواندا لتعزيز العلاقات الثنائية والاهتمام بأحداث منطقة البحيرات الكبرى، بهدف تحسين التموضع المصري في ملف مياه النيل وكسب دعم دول الحوض.
- تسعى القاهرة لاستثمار علاقاتها التاريخية مع الكونغو والتقرب من كيغالي، وقد تطرح مبادرة وساطة خلال قمة أفريقية قريبة، مؤكدة على التعاون المشترك بين دول حوض النيل.
أفادت مصادر دبلوماسية لـ"العربي الجديد"، بأن مصر تتحرك بهدوء في كواليس الأزمة المتفاقمة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتسعى إلى أداء دور الوسيط بين الأطراف المتنازعة هناك، في إشارة إلى أزمة شرق الكونغو المتواصلة في ظلّ المعارك بين قوات الجيش والمتمردين من حركة 23 مارس المدعومة من رواندا، وذلك في محاولة لتعزيز مكانة القاهرة السياسية في القارة الأفريقية، وبشكل خاص بين دول حوض النيل التي تشهد علاقاتها مع مصر توتراً مستمراً بسبب ملف مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي.
اتصالات على خط أزمة شرق الكونغو
وبحسب المصادر، فإن الاتصالات التي أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أخيراً مع كل من رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، ورئيس رواندا بول كاغامي، لا توضع فقط في سياق المتابعة الدورية للعلاقات الثنائية، بل تأتي ضمن اهتمام مصر بأحداث منطقة البحيرات الكبرى وشرق أفريقيا، في ظل استمرار أزمة شرق الكونغو المرتبطة بالنزاع المسلح في إقليم كيفو الشرقي بالكونغو الديمقراطية. وترى دوائر دبلوماسية مطلعة أن التحرك المصري في هذا التوقيت يخدم هدفاً مزدوجاً، فمن جهة هو محاولة لتعزيز حضور القاهرة في ملفات القارة الحيوية، ومن جهة أخرى هو تكتيك دبلوماسي لتحسين التموضع المصري في ملف مياه النيل. وتشير المصادر إلى أن مصر تسعى إلى كسب دعم دول حوض النيل أو تحييد مواقفها إزاء المفاوضات المتعثرة مع إثيوبيا بشأن سد النهضة. وفي هذا السياق، يأتي اهتمام القاهرة بمناطق النزاع داخل القارة باعتباره وسيلة لتعزيز الثقة السياسية المتبادلة وفتح قنوات تعاون جديدة تُقلّص النفوذ الإثيوبي المتزايد في المنطقة.
تحاول القاهرة تعزيز حضورها في ملفات القارة، وتحسين تموضعها في ملف مياه النيل بمواجهة إثيوبيا
وتعمل القاهرة، بحسب المعلومات، على استثمار علاقاتها التاريخية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تولت رئاسة الاتحاد الأفريقي في وقت سابق، كما تسعى إلى التقرّب من كيغالي التي تميل مواقفها في بعض الأحيان نحو إثيوبيا. ويأتي ذلك في وقت تسعى فيه أديس أبابا لتثبيت أقدامها دبلوماسياً عبر استثمارات وشراكات استراتيجية مع دول البحيرات الكبرى.
ويرى مراقبون أن هذا التحرك المصري يُعد جزءاً من استراتيجية دبلوماسية أوسع تجاه المحيط الأفريقي، وقد شملت هذه الاستراتيجية تكثيف المشاركة في قمم الاتحاد الأفريقي، وزيادة الاستثمارات في دول القارة، وفتح مكاتب تعليمية وصحية وتنموية بالتعاون مع الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية. وتشير معلومات إلى أن مصر قد تطرح مبادرة رسمية للوساطة خلال قمة أفريقية قريبة، إذا ما تلقت إشارات إيجابية من طرفي النزاع في الكونغو الديمقراطية.
ملف النيل يحضر أيضاً
وبشأن هذا الموضوع، توضح الخبيرة في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي، لـ"العربي الجديد"، أن الاتصالات الهاتفية التي أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع نظيريه في رواندا والكونغو الديمقراطية لم تكن مقتصرة فقط على بحث قضايا التعاون في ملف مياه النيل، بل شملت أيضاً مشاورات تتعلق بالأزمة المتفاقمة في إقليم شرق الكونغو. وتشرح مرعي أن "المحادثات بين الرئيس السيسي والرئيسين تشيسيكيدي وكاغامي تناولت بشكل واضح تطورات الوضع الأمني في شرق الكونغو، وأكدت أهمية التوصل إلى تسوية سياسية تُعيد الاستقرار إلى الإقليم، وهو ما يمثل بُعداً رئيسياً في التحرك المصري الراهن". وفي ما يخص ملف مياه النيل، تشدّد مرعي على أن "الرئيس السيسي أعاد التأكيد خلال هذه الاتصالات على تمسك مصر بالتعاون المشترك بين دول حوض النيل، وعلى أن مصر ليست ضد تنمية شعوب دول الحوض، بل تساهم في مشاريع تنموية فعلية على الأرض". كما تلفت في هذا السياق إلى المشروع المصري البارز في سد نيريري بتنزانيا، والذي يعكس، بحسب قولها، موقف مصر الداعم لحق دول الحوض في التنمية، ولكن في إطار من التعاون والتوازن، وليس على حساب الحقوق التاريخية لدول المصب.