القاهرة وتهجير الغزّيين... الجدّية والأدوات والقدرة على الفعل

04 فبراير 2025
تظاهرة رفضاً للتهجير عند معبر رفح، 31 يناير 2025 (علي مصطفى/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- موقف مصر من تهجير الفلسطينيين: في اتصال بين ترامب والسيسي، لم يُذكر تهجير الفلسطينيين، رغم تقارير عن مناقشته. السيسي شدد على أهمية السلام، بينما أبدى أحمد بهاء الدين شعبان قلقه من أن تكون التحركات المصرية ورقة تفاوض، مؤكدًا على رفض التهجير لحماية الأمن القومي.

- أدوات مصر لمواجهة المخطط: عبد القادر ياسين أشار إلى أدوات مصر لإفشال التهجير، مثل وقف التطبيع واستيراد الغاز، ودعا لجبهة عربية موحدة وتعزيز الوحدة الفلسطينية.

- شكوك حول جدية الموقف المصري: السفير عبد الله الأشعل شكك في دوافع مصر، مشيرًا إلى موقفها من سد النهضة. اللواء أشرف أمين أكد أن رفض التهجير خط أحمر، مشيرًا إلى دعم الشعب المصري.

خلا البيانان المصري والأميركي، اللذان أعقبا الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والمصري عبد الفتاح السيسي، يوم السبت الماضي (الأول من فبراير/شباط الحالي)، من أي إشارة تتعلق بمسألة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، وهو الطرح الذي يحاول ترامب تسويقه في كلّ مرة يتطرق فيها إلى الحرب في غزة ومسألة اليوم التالي في القطاع بعد وقف إطلاق النار، منذ وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني الماضي. لكن موقع أكسيوس الأميركي، ذكر أن الاتصال الهاتفي تطرق إلى قضية تهجير الغزّيين التي سبق للسيسي أن خرج علناً بتصريحات قاطعة أخيراً حولها، ترفض تهجيرهم وأي مشاركة لمصر فيه. إذا، لماذا لم يناقشها السيسي في الاتصال بحسب البيان الرسمي للرئاسة المصرية؟ وإذا كان قد ناقشها، وفق رواية "أكسيوس"، فلماذا سكت عنها البيان؟

وقال مكتب الرئاسة المصرية إن السيسي أكد لترامب، في الاتصال، إن المجتمع الدولي "يعول" على قدرته "على التوصل إلى اتفاق سلام دائم وتاريخي ينهي حالة الصراع القائمة بالمنطقة". من جهته، أفاد "أكسيوس"، السبت، بأن ترامب بحث مع نظيره المصري في الاتصال، فكرة تهجير الغزّيين إلى مصر والأردن لإعادة إعمار القطاع. ونقل الموقع عن مسؤولين قولهم إن تعليقات ترامب بشأن تهجير الغزّيين مرتبطة بالدمار الهائل في القطاع والحاجة إلى جهود إعادة الإعمار الضخمة. وقال مبعوث البيت الأبيض الخاص بمنطقة الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، للموقع، إن عملية إعادة إعمار القطاع قد تستغرق ما بين 10 إلى 15 عاماً، مؤكداً أن غزة "غير صالحة للسكن" حالياً.

أحمد بهاء الدين شعبان: أعوّل كثيراً على مؤسسات الدولة الصلبة في التصدي لمشروع التهجير

الجدية بمواجهة خطة تهجير الغزّيين

وتعليقاً على طرح ترامب والموقف المصري منه، أعرب الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، عن أمله في أن تكون التحركات المصرية رسالة جادة فعلاً من القاهرة تؤكد رفض السيسي القاطع للتهجير، وألا تتحول إلى مجرد ورقة تفاوض يسعى من خلالها النظام إلى تحسين شروط التفاوض بشأن قضية مصيرية، إذ إن أي تنازل فيها يمثل مساساً خطيراً بالأمن القومي المصري.

وأبدى شعبان، في حديث لـ"العربي الجديد"، استياءه الشديد من تحريض السلطة للشعب على التظاهر رفضاً لمسألة تهجير الغزّيين وتصفية القضية الفلسطينية، في وقت لا تزال فيه السلطات تحتجز عشرات المواطنين الذين خرجوا في تظاهرة يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استجابة لدعوة النظام ذاته، ورفعوا شعارات مؤيدة للقضية الفلسطينية. وأشار إلى أن هذا التناقض يثير العديد من التساؤلات حول مدى جدية النظام في رفض التهجير والتصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، موضحاً في أن مصر تمتلك العديد من الأوراق التي يمكن أن تستخدمها لإفشال هذا المخطط، إذا أرادت ذلك، ومنها التلويح بتجميد اتفاقية السلام مع إسرائيل، وإرسال رسالة واضحة بأن مشروع ترامب حول تهجير الغزّيين سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة والعالم، وهو ما لا تستطيع واشنطن تحمله، خصوصاً أن تجربة السلام بين مصر وإسرائيل تُعدّ أمراً حيوياً بالنسبة للولايات المتحدة، وهي تسعى إلى تعميمها لا إلى انتكاستها.

وقال شعبان إنه يعوّل كثيراً على "مؤسسات الدولة الصلبة" في التصدي لمشروع تهجير الغزّيين ومخطط تصفية القضية الفلسطينية، باعتبارهما من ركائز الأمن القومي المصري التي لا تقبل أي تهاون، محذراً من أن تنفيذ طرح ترامب سيجعل تل أبيب بمثابة "شرطي المنطقة" وحاكمها الفعلي، وهو أمر سترفضه مصر جملة وتفصيلاً.

أدوات عديدة للضغط

من جهته، أكد المؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين، أن الأدوات الجادة التي تملكها مصر لإفشال هذا المخطط كثيرة، ومنها "التحرك الجاد لوقف التطبيع بجميع أشكاله مع العدو الصهيوني، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي، عبر وقف استيراد الغاز الإسرائيلي، وإقناع الأردن باتخاذ موقف مماثل". كما دعا إلى ضرورة تشكيل جبهة عربية قوية وموحدة لمواجهة مشروع تهجير الغزّيين الذي يطرحه ترامب، مع أهمية بذل جهود حقيقية وجادة لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، إذ إن غياب المشروع الوطني الموحد يسهّل على أعداء الشعب الفلسطيني تنفيذ مخططات التهجير وتصفية القضية. وأكد ياسين في حديث لـ"العربي الجديد"، على ضرورة البناء على صمود الفصائل الفلسطينية في الميدان، واستثمار نجاحها في إفشال مخططات التهجير أو التصفية، لافتاً إلى أن النظام المصري قد يبدو جاداً في رفض التهجير والتصفية، لكنه، في ظل الأوضاع الحالية للبلاد، قد لا يكون قادراً على إفشال هذا المخطط بشكل عملي. 
شكوك في الدوافع

عبد القادر ياسين: النظام المصري قد يبدو جاداً في رفض التهجير، لكنه قد لا يكون قادراً على إفشال المخطط

في المقابل، أبدى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير عبد الله الأشعل، شكوكاً كبيرة في دوافع السلطة وراء هذه التصريحات والتحركات والتظاهرات، معتبراً أنها قد تكون مجرد محاولة لغسل يديها من مشروع التهجير في حال تنفيذه، وإبعاد مسؤوليتها عن أي دور في هذا السيناريو، خصوصاً مع تزايد الضغوط الأميركية على القاهرة، التي انتقلت من مرحلة طلب المساعدة إلى فرض ضرورة تنفيذ المطالب.

واستشهد الأشعل بموقف النظام من قضية سد النهضة الإثيوبي، التي تشكل تهديداً وجودياً لأمن مصر واستقرارها، لكن القاهرة، برأيه، لم تحرك ساكناً في مواجهة مراحل الملء المختلفة، حتى تحول الأمر إلى واقع مفروض، وهو ما يُخشى تكراره في ملف تهجير الفلسطينيين، مضيفاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن عدم تبني مواقف جادة تجاه الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، واحتلال ممر (فيلادلفي) ومعبر رفح (الحدوديين في القطاع مع مصر)، ومخالفة إسرائيل لاتفاق السلام، أمور تعزّز هذه المخاوف.

عبد الله الأشعل: تصريحات القاهرة قد تكون مجرد محاولة لغسل يديها من مشروع التهجير في حال تنفيذه

موقف صلب وحاسم

أما الخبير الاستراتيجي اللواء أشرف أمين، فرأى أن رفض مصر لتهجير الغزّيين إلى سيناء، ورفضها تصفية القضية الفلسطينية، يعدّ من الخطوط الحمراء التي لا يمكن التراجع عنها تحت أي ظرف. واعتبر أمين أن التظاهرات التي شهدتها مدينة رفح المصرية ومعبرها، والتي شارك فيها عشرات الآلاف من المصريين، تشكل رسالة جادة لواشنطن وتل أبيب، تؤكد رفض المصريين القاطع لهذا المشروع، كما تعزّز وجود ظهير شعبي يدعم موقف السلطات المصرية الرافض للتهجير والتصفية.

المساهمون