مصر: انتقادات برلمانية لا تمنع التوسع اللادستوري بالقروض

مصر: انتقادات برلمانية لا تمنع التوسع اللادستوري بالقروض

20 أكتوبر 2021
تتعامل السلطة التنفيذية مع البرلمان باستخفاف (الأناضول)
+ الخط -

شنّ عدد من أعضاء مجلس النواب المصري، أول من أمس الإثنين، هجوماً محدوداً على الحكومة لتوسعها في الاقتراض لحساب شركة "مصر للطيران" في ظل الأزمة المالية التي تعاني منها الخطوط الجوية وحركة السياحة بشكل عام منذ بدء جائحة فيروس كورونا. لكن الانتقادات لم تمنع نواب الأكثرية من تمرير مريح لمشروع قانون يسمح لوزير المالية، محمد معيط، بضمان حصول الشركة القابضة لمصر للطيران على قرض بقيمة 5 مليارات جنيه (نحو 318 مليون دولار) من بنكين حكوميين تابعين للبنك المركزي المصري.
وركّزت الانتقادات على عدم إعلان الحكومة بشكل شفاف الموقف المالي لـ"مصر للطيران"، وغياب الأرقام تماماً عن مشروع القانون المقدم من مجلس الوزراء، وتعدد القروض السابقة لنفس الغرض من دون معرفة موقف الشركة من السداد.

إلا أن هذه المناقشات حجبت خلفها قرضاً ضخماً آخر، لم يعلق عليه النواب، ولم تبرره الحكومة بالشكل العلمي والاقتصادي المفترض، ليضاف إلى قائمة طويلة من القروض الضخمة التي تحصل عليها مصر منذ صعود الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، من دون إعلان شفاف وبالمخالفة للدستور والقانون أحياناً، وبصورة لا تضمن حق الأجيال المقبلة في معرفة طريقة السداد والإدارة المستقبلية لهذه الديون القياسية. وهذا القرض الأخير والذي وافق عليه المجلس من دون مناقشة، سيكون من فرنسا، بقيمة مليار و800 مليون يورو تقريباً، ستوجه إلى ما يسمى بالمشاريع "ذات الأولوية"، إذ عُرض الاتفاق على البرلمان بعد الانتهاء من تحديد مصارفه وجدولة الحصول عليه بشكل كامل، بنحو أربعة أشهر، ليصبح الاتفاق في حكم الأمر الواقع، والعرض في حكم الإجراء الشكلي.

اختيار الجهات المقرضة والممولة للمشروعات يتم بصورة سرية ومن دون مبررات لطريقة اختيار تلك الجهات ودولها

وفقاً للحكومة، ستُوجه أموال هذا القرض إلى مشروعات النقل في السكك الحديدية، والنقل الحضري، والطاقة، ومعالجة المياه، والأغذية الزراعية، وتسهيل نقل التكنولوجيا، والتطوير المهني للعمالة الماهرة وغير الماهرة. كما سيستخدم في مشروع توريد 55 قطاراً للخط الأول لمترو القاهرة بقيمة 776 مليون يورو خلال أربع سنوات، والمساهمة في مشروع إعادة تأهيل خط سكك حديد المنصورة – دمياط بقيمة 95 مليون يورو، ومشروع إعادة تأهيل مترو أبو قير بقيمة 250 مليون يورو، ومشروع إنشاء خط سكك حديد أسوان – توشكى - وادي حلفا، وإنشاء خط سكك حديد الروبيكى - العاشر من رمضان - بلبيس بقيمة 250 مليون يورو، بالإضافة إلى عدد من المشروعات الخاصة بوزارتي الكهرباء والري.

ولم تكشف الحكومة خطتها لسداد هذا القرض، أو مدى إمكانية تمويل المبالغ المطلوبة من صناديق استثمارية أو بنوك محلية أو عالمية، الأمر الذي يتفق مع اتجاهها المعتاد، والذي أوصل الدين الخارجي إلى 131.5 مليار دولار خلال العام الماضي، بزيادة 14 في المائة عن سابقه. كما أن اختيار الجهات المقرضة والممولة للمشروعات يتم بصورة سرية ومن دون مبررات لطريقة اختيار تلك الجهات ودولها، في ظل رغبة النظام في توزيع مصادر الصفقات والاتفاقيات لتضمن تخفيف الضغوط السياسية عليه، خاصة من الدول الغربية الكبرى كألمانيا وبريطانيا وفرنسا.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويبدو رقم الديون هذا العام مرشحاً لزيادة كبيرة، إذ تم توقيع اتفاقات بمليارات الجنيهات خلال الأشهر الخمسة الماضية فقط، وترصد "العربي الجديد"، ما تم إبرامه منها بشكل رسمي والتصديق عليه من مجلس النواب ورئيس الجمهورية.

الحلقة الأحدث قبل القرض الفرنسي، كانت اتفاق اقتراض من "البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية" في يونيو/ حزيران الماضي، لدعم نظام التأمين الصحي الشامل بمبلغ 400 مليون دولار. علماً أنه بدعوى الاستجابة الطارئة لمكافحة جائحة كورونا، اقترضت مصر قبل ذلك 50 مليون دولار من البنك الدولي أيضاً. وقبلها مباشرة، تم توقيع اتفاق قرض من "صندوق أوبك للتنمية الدولية"، في إطار المرحلة الثالثة من تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، بمبلغ 95 مليون دولار.

رقم الديون هذا العام مرشح لزيادة كبيرة

وفي إبريل/ نيسان الماضي، اقترضت مصر من "بنك التنمية الأفريقي" 108 ملايين يورو بشأن برنامج الصرف الصحي المتكامل في المناطق الريفية بصعيد مصر في الأقصر. كما اقترضت من "البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية" مبلغ 200 مليون يورو لتمويل مشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ في القاهرة الكبرى.

وفي اتفاق ضخم مقسم على ثلاث شرائح، اقترضت مصر من الكويت 175 مليون دينار كويتي (أكثر من 580 مليون دولار) لتمويل مشروع محطة بحر البقر لتحسين جودة المياه التي افتتح السيسي مرحلتها الأولى منذ أسابيع. أما الاتفاق الأضخم هذا العام، فكان لصالح الهيئة القومية للإنفاق وشركة "جي بي مورغان يوروب ليمتد" بصفتها وكيل التسهيلات، وبنك "جي بي مورغان تشايس" فرع لندن بصفته المنظم الرئيسي والمفوض الأولي، ومؤسسات مالية أخرى بصفتها المقرضة الأصلية، وبلغ مليار و900 مليون يورو، ولم يتم مناقشة هذا القرض الضخم في مجلس النواب بشكل معلن من الأساس.

تضرب إجراءات جميع القروض بعرض الحائط المادة 127 من الدستور

واستئنافاً للقروض الواردة من السعودية منذ عام 2016، بعد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، اقترضت مصر مليون ريال (نحو 267 ألف دولار) لمشروع إنشاء جامعة تحمل اسم الملك سلمان بن عبد العزيز، ضمن برنامج الملك سلمان لتنمية سيناء. وتضرب إجراءات جميع هذه القروض بعرض الحائط المادة 127 من الدستور، التي تشترط وجوب موافقة البرلمان على أي اتفاقية اقتراض قبل توقيعها من قبل الحكومة، وليس بعد الإبرام. وهذه الطريقة في التعامل مع البرلمان الموالي للنظام، باستخفاف وعدم اكتراث، وإهدار مبادئ الشفافية والرقابة وحق الأجيال القادمة في التعرف على تفاصيل القروض طويلة الأجل والكبيرة التي سترتب عليها التزامات ضخمة، هي سياسة معتادة من السيسي. وكان قد بدأها بتوقيع اتفاق القرض الروسي لتمويل مشروع الضبعة النووي عام 2015، الذي قالت الحكومة إنه يبلغ خمسة وعشرين مليار يورو وكشفت روسيا أنه زاد إلى خمسة وأربعين مليار منذ عامين، من دون الكشف عن تفاصيل تتعلق بالسداد أو حجم الفائدة، بدعوى احتياج شركة "روس آتوم" الحكومية الروسية إلى مزيد من الأموال التي ترجمت إلى اتفاقية اقتراض، هي زيادة أسعار السلع والخامات والخدمات المرفقية الضرورية لإنشاء المفاعل المصري، قياساً بسعر السوق العالمية، بسبب تعويم الجنيه المصري في نهاية 2016، وليس زيادة أسعار التكنولوجيا والخبرات والأيدي العاملة الروسية نفسها. وتخضع تفاصيل القرض الروسي لتغيير دائم بين البلدين، فبعدما كان من المقرر أن تبدأ روسيا في منح مصر دفعات القرض منذ 2016 تم تأخيرها إلى 2018 مع تعويض غياب الدفعات الأولى بزيادة المبالغ في الدفعات اللاحقة، إذ كان من المتفق عليه أن تستخدم مصر القرض لمدة 13 عاما بين عامي 2016 و2028.

تقارير عربية
التحديثات الحية