استمع إلى الملخص
- تتزامن المبادرة مع جهود خليفة حفتر لتسويق نفسه كـ"صانع سلام" عبر "المفوضية العليا للمصالحة الوطنية"، بينما تقترب المحكمة الجنائية الدولية من الملف الجنائي الليبي، مما يثير تساؤلات حول نوايا المصالحة الحقيقية.
- تعكس تدوينات المهجرين مخاوف من أن تكون المصالحة محاولة لتحصين حفتر قضائيًا، خاصة مع عدم توقيع صالح وحفتر على "ميثاق المصالحة" الأفريقي، مما يثير الشكوك حول جدية المساعي لتحقيق العدالة.
تداولت وسائل إعلام ليبية، أول من أمس الثلاثاء، أنباء عن تشكيل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، لجنة برلمانية للتواصل مع آلاف الأسر المهجرة من مدن الشرق الليبي، إبان حروب اللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي ودرنة عام 2018، حين فرّت هذه الأسر من منازلها بسبب مخاوفها من حملات انتقام مليشيات حفتر ضد كل الأسر التي اشترك أبناؤها في الحرب ضدها. ورغم عدم صدور قرار معلن بتشكيل هذه اللجنة البرلمانية، إلا أن ظهور عدد من المهجرين في طرابلس على وسائل الإعلام وعبر منصات التواصل الاجتماعي، يشير إلى حقيقة هذا المسعى من جانب مجلس النواب ضمن "ملف المصالحة الوطنية" للتفاوض معهم على عودتهم إلى منازلهم مقابل تعويضات مالية.
لكن خلف هذا الإطار الظاهر تطفو أسئلة حول توقيت هذه المبادرة، والأهداف الكامنة في عمقها، خصوصاً مع تقاطعها مع جهود حفتر الأخيرة لتسويق نفسه كـ"صانع سلام" عبر تشكيله جسماً أطلق عليه مسمى "المفوضية العليا للمصالحة الوطنية"، وكلف نجله الصديق حفتر بقيادتها، في الوقت الذي تتحدث فيه العديد من الأوساط في ليبيا عن اقتراب المحكمة الجنائية الدولية أكثر من الملف الجنائي الليبي المتخم بالانتهاكات الصارخة لحقوق المدنيين.
الآن، وبعد كل هذه السنوات من التهجير القسري لما يزيد عن عشرة آلاف أسرة، أطلق عقيلة صالح هذه المبادرة كجزء من قانون المصالحة الوطنية الذي أعلنه مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، الذي قصر فيه الإشراف على تنفيذ المصالحة على نفسه، بالتزامن الوثيق مع نشاط مفوضية حفتر للمصالحة التي انخرطت في اجتماعات قبلية مكثفة بهدف ترميم صورة عائلته فيما يبدو. لكن هل سيقبل كلا المسارين بمطالب صرّح بها بعض المهجرين للقبول بالمصالحة، مثل الكشف عن مصير ذويهم المغيبين منذ سنوات طويلة في سجون حفتر، ومحاسبة المتورطين في جرائم التعذيب والإخفاء والقتل؟
تدوينات بعض المهجرين، عبر منصات التواصل الاجتماعي، تعكس سعياً لعرض العودة عليهم إلى منازلهم بدون شروط، بل بعضها تضمن حديثاً عن بنود في مبادرة مجلس النواب تتضمن إخلاء مسؤولية حفتر الجنائية عن الانتهاكات، ما يجعل عرض المصالحة محاولة للتحصين القضائي لمن أجرموا في حق المهجرين.
تبدو هذه المساعي في شكلها وتوقيتها مرتبطة بنشاط المحكمة الجنائية الدولية في الملف الجنائي الليبي وإصدار المزيد من مذكرات القبض بحق المتورطين فيه، خصوصاً أن بعض الأسر التي تضررت من حروب حفتر في بنغازي نجحت سابقاً في رفع دعاوى قضائية ضد حفتر في محاكم فرجينيا الأميركية، حيث كان يقيم قبل عودته إلى ليبيا، مما يجدد تعرّضه للملاحقة في حال توفرت أدلة كافية. يبدو موقف صالح وحفتر بخلاف حقيقة المصالحة، فكلاهما امتنعا عن التوقيع على "ميثاق المصالحة" الذي أُعلن في أديس أبابا برعاية الاتحاد الأفريقي في الأشهر الماضية، فهل تتحول المصالحة إلى أداة لشرعنة الإفلات من العقاب عبر إغلاق الملفات بالتعويض المادي، بدون مساءلة حقيقية، وتوسع مفهوم التهجير القسري إلى نسيان قسري للجرائم بشرعية القوانين؟