مشهد نعوش المحتجزين الأربعة غداً.. الأصعب على الإسرائيليين منذ 7 أكتوبر

19 فبراير 2025
من عملية التبادل الأخيرة في غزة، 15 فبراير 2025 (عبود أبو سلامة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في إطار اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، سيتم تسليم جثامين أربعة محتجزين إسرائيليين، مما يضعف صورة النصر التي يروج لها نتنياهو ويبرز الإخفاقات في إدارة الأزمة.
- أكد الناطق العسكري لكتائب القسام أن المحتجزين كانوا أحياء قبل قصف أماكن احتجازهم، مما يثير تساؤلات حول إدارة الحكومة الإسرائيلية للأزمة واستياء عائلات المحتجزين.
- مشاهد النعوش قد تثير جدلاً وضغوطاً على الحكومة الإسرائيلية لإتمام الصفقة، رغم تردد المجتمع الإسرائيلي في التحرك بفعالية.

تشق نعوش المحتجزين غداً صورة النصر التي يروّج لها نتنياهو

فوّت نتنياهو فرصة استعادة العديد من المحتجزين أحياء

تتجه قنوات إسرائيلية للعزوف عن عرض المشاهد التي ستبثّها حركة حماس

لن يكون مشهد النعوش التي تحمل جثامين أربعة من المحتجزين الإسرائيليين، غداً الخميس، في إطار اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حركة حماس والاحتلال مشهداً عادياً، ولكنه "سيف حديدي" يشق صورة النصر التي يروّج لها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ويترك صدعاً في "إنجازات" جيش الاحتلال في حرب الإبادة على قطاع غزة، كما قد يشكّل الضربة الأعنف لوعي المجتمع الإسرائيلي منذ عملية طوفان الأقصى التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد مظاهر البهجة المحدودة في الأسابيع الماضية، باستعادة محتجزين أحياء.

واليوم الأربعاء، أكد الناطق العسكري لكتائب القسام أبو عبيدة أنه سيتم تسليم جثامين عائلة بيباس وجثمان الأسير عوديد ليفشتس يوم غد الخميس، مؤكداً أن الأسرى المذكورين كانوا على قيد الحياة قبل أن يتم قصف أماكن احتجازهم من قبل طائرات الاحتلال بشكل متعمد.

و اعتبر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الأربعاء، أن الخميس سيكون "يوماً مؤلماً" لإسرائيل مع تسلمها جثث أربعة إسرائيليين محتجزين في غزة، في إطار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وقال نتنياهو، بحسب بيان لمكتبه: "غداً (الخميس)، سيكون يوماً بالغ الصعوبة بالنسبة إلى دولة إسرائيل، يوماً مؤلماً، يوم حداد. سنعيد إلى الوطن أربعة من رهائننا الأحباء الذين توفوا".

وقد يحاول الكثير من الإسرائيليين، وكذلك وسائل إعلام عبرية، تجنب المشاهد وبثها، تلك التي تؤكد من جديد حجم الإخفاق، ووتعكس أيضاً أن نتنياهو وأعضاء حكومته تخلوا فعلياً عن المحتجزين، رغم التحذيرات من قبل عائلاتهم والأجهزة الأمنية وجهات كثيرة أخرى، من أنهم يعانون ويواجهون الموت في قطاع غزة.

ستهز مشاهد النعوش الأولى جزءاً كبيراً من المجتمع الإسرائيلي، وتقع عليه كالصاعقة، خاصة أولئك الذين طالبوا منذ اليوم الأول بإبرام صفقة تعيد المحتجزين جميعاً، لكن وقعه على شرائح أخرى، خاصة تلك التي تؤثر الانتقام وتعارض الصفقة، وحتى في أوساط إسرائيلية أخرى، قد يكون أقل تأثيراً، في مجتمع تحوّل إلى اللامبالاة، وغيّر الكثير من "قيمه" وتوجهاته منذ الحرب الحالية، وتراجعت فيه حدة وحجم التظاهرات المطالبة بوقف الحرب، وشاح بنظره عن مشاهد الإبادة في غزة، ولم يعد يتحدث كثيراً عن مبدأ "فداء الأسرى" وعن "العهد" الذي بين دولة الاحتلال ومواطنيها وجنودها، وكل ما كان يمنح أولوية لاستعادة الأسرى، من قواعد تحطمت في هذه الحرب، التي سيطرت عليها روح الانتقام، أكثر من مبدأ تقديس حياة الإسرائيليين الذي لطالما تغنى فيه الاحتلال.

لكن رؤية النعوش، وإن هزت من سيراها من الإسرائيليين في اللحظات الأولى، لا تعني بالضرورة تحركاً أكبر في الشارع الإسرائيلي للضغط باتجاه إتمام مراحل الصفقة، ولا تظاهرات ضخمة، في واقع اللامبالاة ولكن يبقى الأمر وارداً، في مجتمع تشير بعض استطلاعات الرأي إلى تأييده إتمام الصفقة، واستعادة جميع المحتجزين ولو بثمن وقف الحرب، لكنه في المقابل لا يتحرك على الأرض لتحريك ذلك، ويواصل الصمت، باستثناء عائلات المحتجزين ونسبة قليلة من المتضامنين.

إخفاء نعوش المحتجزين يخدم نتنياهو

لا شك أن أي محاولة لإخفاء مشاهد النعوش التي تحمل الموتى الإسرائيليين، وتجنب وسائل الإعلام العبرية نشرها، سيخدم نتنياهو بطريقة ما، وهو الذي فوّت فرصة استعادة العديد من المحتجزين أحياء، حتى لو كان عدم بثها يأتي بحجة مراعاة مشاعر العائلات والجمهور، وتفادي ما يخدم المقاومة الفلسطينية في معركة الوعي، فبعيداً عن حسابات النصر والهزيمة في الحرب، لا شك أن المشهد سيكون قاسياً على الإسرائيليين وسيترك أثراً فيهم. ولكن التجربة الممتدة على نحو عام ونصف من الحرب الحالية، أثبتت أنه لا يمكن إخفاء أي شيء، ولطالما سبقت منصات التواصل الاجتماعي وسائل الإعلام الرسمية والتقليدية في تجاوز الرقابة العسكرية، تحت عنوان "حدث صعب" يتسارع ليُترجم إلى قتلى في صفوف جيش الاحتلال في غزّة ولبنان، لتصل الأخبار وأحياناً المشاهد إلى بيوت الإسرائيليين، حتى لو حاولت الجهات الرسمية تأجيلها إلى حين، وهو المتوقّع حدوثه بمسألة النعوش أيضاً.

كما ليس معلوماً بعد كيف ستتعامل فصائل المقاومة الفلسطينية مع هذا الأمر، وإن كانت ستستغل الموقف من أجل أكبر تأثير بالإسرائيليين، وتسجيل نقاط في معركة الوعي، ومحاولة دفعهم لممارسة ضغوط أكبر على حكومتهم، وربما لتأجيج خلافات إسرائيلية داخلية. وسيكون هذا المشهد بالتأكيد مختلفاً عن نجاح جيش الاحتلال خلال الشهور الماضية، باستعادة بعض الجثامين من قطاع غزة بعمليات خاصة، تحكّم بطريقة عرضها على الجمهور، فيما ستتحكم فصائل المقاومة الفلسطينية هذه المرة بإدارة الأمور، إلا إن كانت هناك بنود في اتفاق وقف إطلاق النار تراعي بعض الجوانب.

وتتجه قنوات إسرائيلية، منها القناة 12 العبرية، للعزوف عن عرض المشاهد التي ستبثّها حركة حماس، وستقرر ما تبثه فقط بالتنسيق مع عائلات المحتجزين، كما تسير هيئة البث الإسرائيلي للتعامل بحساسية مع الأمر بخطوات ومشاهد محسوبة. في جميع الحالات، تشكّل هذه المشاهد إدانة لنتنياهو، ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش، والوزير السابق إيتمار بن غفير، وثلة أخرى من المسؤولين الإسرائيليين، الذين ساهموا في عرقلة الصفقة وتأخيرها، علماً أن عدداً من المحتجزين قُتل خلال فترة أسره بنيران القصف الإسرائيلي لمواقع في القطاع، وهو ما سبق للمقاومة الفلسطينية وحتى لجيش الاحتلال نفسه أن أعلن عنه في فترات سابقة.

المؤكد أن المشاهد ستصل في نهاية المطاف إلى العائلات وإلى المجتمع الإسرائيلي، مثلما حدث أيضاً في مشاهد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي هزته في ذلك الوقت، وشكّلت الصدمة الأكبر له منذ إقامة دولة الاحتلال، وحطمت صورة الردع التي تباهت بها، ونالت من كرامتها وقوتها، ومن أجهزة الاستخبارات والجيش، والصورة العامة لدولة كانت ولا تزال تفتخر بقوتها، وتظن أنها لا تُهزم، وتخوض حرباً هي الأطول منذ إقامتها، حملت عناوين عدة، من بينها الإبادة، والتهجير، والانتقام، واستعادة الهيبة، وقوة الردع، وغيرها.

بعد مرات عدة في الحرب الحالية، عاشت فيها دولة الاحتلال حالة من النشوة، خاصة بعد اغتيال قيادات حركة حماس وحزب الله اللبناني، ونجاح العديد من عملياتها، وتفاخرها بأن بعضها غير مسبوق، من قبيل تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي في لبنان، وحتى محاولة نتنياهو تغيير اسم الحرب إلى حرب النهضة، وتهميش صورة الإخفاق، فإن مشاهد الغد قد تعيد الإسرائيليين إلى أرض الواقع ولو إلى حين، وتذكّرهم بأن من يقودون "النهضة"، كانوا سبباً في الفشل وسبباً بموت من تحملهم النعوش القادمة من غزة، وأن النصر المطلق لم يتحقق رغم حرب الإبادة، وأن ثمة مرحلة أخرى من الصفقة لا تزال حكومة الاحتلال تحاول إفشالها، ما يعني أن النعوش قد تتجاوز لاحقاً النعوش الثمانية التي تنص عليها الدفعة الحالية من الصفقة وتبدأ بأربعة ومثلها بعد أيام، وبكلمات أخرى، فإن مزيداً من المحتجزين قد يموتون في الأسر، وجثثهم قد تعود أو تبقى هناك.

المساهمون