مشروع تعديل قانون العفو العام العراقي: محاولة تصحيحية ثانية

مشروع تعديل قانون العفو العام العراقي: محاولة تصحيحية ثانية

07 مارس 2022
اقتراح بتعويض لكلّ سجين يطلق سراحه (علي الأسعدي/فرانس برس)
+ الخط -

تسلّم البرلمان العراقي، أول من أمس السبت، أول مشروع قانون في دورته الحالية، ويتضمن تعديلاً واسعاً على قانون العفو العام الذي أقر في البلاد عام 2016، واعتبر في حينه أنه أفرغ من محتواه، بسبب تجاذبات سياسية.

ومشروع التعديل على القانون، المعروف باسم العفو العام، تقدّم به نواب تحالف "السيادة"، الممثل السياسي الرئيسي عن القوى العربية السنية بزعامة خميس الخنجر.


عبد الكريم عبطان: مقترح تعديل القانون يهدف إلى فتح المجال أمام إعادة التحقيق مع المعتقلين في السجون

وكانت هذه القوى تبنت في حملاتها الانتخابية الأخيرة، ملف مراجعة ملفات عشرات آلاف المعتقلين، خصوصاً ممن أدينوا وفقا لوشايات المخبر السري، أو بانتزاع الاعترافات منهم بالقوة، وهي الفترة المحصورة بين عامي 2006 و2014، خلال تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة.

التيار الصدري أيد مشروع تعديل القانون

وقدّم التحالف مشروع التعديل إلى رئاسة البرلمان، بعد جمع التواقيع اللازمة من النواب. وكان لافتاً تأييد التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، لهذا الأمر.

وكان البرلمان أقرّ، نهاية أغسطس/آب 2016، قانون العفو العام، بعد خلافات سياسية طويلة. لكن كتلاً نيابية اعتبرت أنه قد أفرغ من محتواه، بعد حذف عدد من البنود والفقرات المتعلقة بمراجعة ملف المحكومين وظروف محاكمتهم.

وكان التعديل الأول للقانون تم مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بعد طلب تقدمت به قوى سياسية تنضوي حالياً ضمن تحالف "الإطار التنسيقي". وتضمنت أبرز التعديلات، شمول الأشخاص المعتقلين من الذين يتم إجراء تسوية بينهم وبين ذوي الحق الشخصي بالعفو، بالإضافة إلى شموله من يتم تسديد ما بذمتهم من أموال للصالح العام عن جرائم الفساد.

كما تم وقتها تعديل فقرة تمنع العفو عن جميع من أدينوا وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب المعمول به في البلاد، بعد العاشر من يونيو/حزيران 2016، وهو تاريخ احتلال تنظيم "داعش" مدينة الموصل شمالي البلاد. كما تم تعديل الفقرة الخامسة في المادة الثالثة من القانون، والخاصة باستثناء جرائم الخطف والاغتصاب من إجراءات العفو.

كما تم منح من أمضى ثلث مدة محكوميته بجرائم التزوير إمكانية العفو، مع استبدال ما تبقى من فترة سجنه بواقع 50 ألف دينار (نحو 33 دولاراً) عن اليوم الواحد.

وقال النائب عن تحالف "السيادة"، الذي تم من خلاله تقديم مشروع تعديل القانون إلى رئاسة البرلمان، عبد الكريم عبطان، لـ"العربي الجديد"، إنه "تم جمع التواقيع اللازمة لإكساب المشروع الصفة القانونية المطلوبة ليكون على الجدول الرئيسي لأعمال البرلمان".

إعادة التحقيق مع المعتقلين في السجون

وأضاف عبطان أن "مقترح تعديل قانون العفو العام يهدف إلى فتح المجال أمام إعادة التحقيق مع المعتقلين في السجون، بما يضمن محاكمات عادلة، وليس إعادة المحاكمة فقط".


علي القيسي: أهم ما في التعديل الجديد منح المعتقلين المتظلمين توفير محامي دفاع لهم

وبين عبطان أن "التقارير الدولية والمحلية تؤكد وجود حالات تعذيب كبيرة حصلت في السجون ضد المعتقلين. نحن نعتقد أن هناك أكثر من 60 ألف شخص مظلوم في السجون العراقية، انتزعت منهم الاعترافات عبر التعذيب، وغيرها من الطرق غير القانونية والإنسانية".

وشدد على أن "الحديث عن أن هذا القانون سيعمل على إخراج الإرهابيين غير صحيح إطلاقاً. فليس نحن من سيطلق سراح السجناء أو يحقق معهم من جديد، بل من قبل الأجهزة القضائية والأمنية. فهذا القانون يهدف إلى إخراج المظلومين من السجون العراقية، ويبقى القرار الأخير بيد جهات التحقيق والقضاء".

ولفت عبطان إلى أن "هذا القانون لا يشمل فقط السجناء من أبناء المكون السني، بل هو لكل العراقيين، خصوصاً أن هناك الكثير من السجناء المظلومين من محافظات الوسط والجنوب. وهذا القانون سيكون لهم أيضاً، وهو لكل مظلوم في السجون".

تعويض معنوي ومادي للمفرج عنهم

وكشف أن "مقترح التعديل الثاني لقانون العفو العام، يشمل فقرة مهمة جداً، وهي التعويض المعنوي والمادي لكل سجين يطلق سراحه، وبعضهم تم سجنه ظلماً لسنوات طويلة. وهذه الفقرة ستكون ملزمة التطبيق للحكومة العراقية، وفق القانون الجديد، والذي نعمل على تشريعه قريباً جداً". وأعلن أن "هناك دعما برلمانيا جيدا للقانون".

ويأتي تقديم القانون بعد نحو شهرين على تصريحات غير مسبوقة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قال فيها، على هامش تعليقه حول مقتل 20 عراقياً غالبيتهم نساء وأطفال بهجوم تم بناء على وشاية مخبر سري تبين عدم دقته في محافظة بابل جنوب العراق، إن "هناك عراقيين قضوا سنوات في السجون بسبب تهم كيدية، وقد زرت عدداً منها، ورأيت العديد من هذه الحالات".

وبيّن وقتها أنه سيزور رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، للتنسيق من أجل تشكيل لجنة تنظر في بعض القضايا التي يشتبه في أنها تنطوي على "تهم كيدية". واعتبر أن "ما حدث في ناحية جبلة بمحافظة بابل أمر مؤسف ومحزن، بأن يُقتل عراقيون بدم بارد على يد نفوس ضعيفة دخيلة على أخلاقيات ومبادئ القوات الأمنية".

الجو ملائم لفتح ملف السجون

وقال عضو نقابة المحامين العراقيين علي القيسي، لـ"العربي الجديد"، إن "الجو الحالي ملائم لفتح ملف السجون، ومن تم إدخاله إليها بدون أن تتوفر له أجواء محاكمة عادلة، خاصة خلال فترة حكومة نوري المالكي الأولى والثانية، التي اعتمدت على المخبر السري وتوقيع المعتقلين على اعترافات تحت الإكراه".

ولفت إلى أن إقرار مشروع تعديل القانون "سيفتح الباب أمام القضاء لإعادة محاكمة الكثير من المعتقلين، وأيضاً إعادة النظر بالمبالغة في الأحكام، حيث إن هناك نحو 10 آلاف شخص محكوم بالإعدام حالياً. قسم كبير منهم لم تتوفر له عدالة حكم". واعتبر أن "أهم ما في التعديل الجديد هو منح المعتقلين المتظلمين توفير محامي دفاع لهم، وهو ما حرم أغلبهم منه".

الكثير من أنصار التيار الصدري في السجون

وأعلن نائب عن التيار الصدري، طلب عدم ذكر اسمه، أنهم يدعمون المشروع الجديد، متوقعاً أن يتم المضي في الإجراءات الفعلية لتشريع تعديل القانون والتصويت عليه بعد الانتهاء من أزمة تشكيل الحكومة الجديدة. 


حذر كريم عليوي من أن يكون مشروع القانون الجديد باباً لخروج الإرهابيين والقتلة والفاسدين من السجون
 

وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك عددا كبيرا من أنصار التيار الصدري ما زالوا في السجون منذ سنوات كثيرة، وهؤلاء المعتقلون سيشملون بهذا القانون. هناك أكثر من 2500 معتقل لدى التيار الصدري في السجون، وأغلب هؤلاء عليهم أحكام تتعلق باستهداف القوات الأميركية، وتهم كيدية اتهموا فيها من قبل حكومة نوري المالكي. ولهذا نحن ندعم هذا القانون، كونه سيؤدي إلى الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين من أنصار التيار الصدري".

في المقابل، حذر القيادي في تحالف "الفتح"، كريم عليوي، من أن يكون مشروع القانون الجديد "باباً لخروج الإرهابيين والقتلة والفاسدين" من السجون.  وقال، لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب وضع ضوابط في هذا القانون تمنع خروج هكذا أشخاص من السجون. الإطار التنسيقي سيتابع هذا الملف ونمنع تمريره وفق الصفقات السياسية".

وحول ذلك، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، إن "الحراك البرلماني الجديد، بشأن تعديل ثان على قانون العفو العام، يأتي ضمن تنفيذ الوعود الانتخابية التي أطلقتها بعض القوى السياسية، تجاه ناخبيها، خصوصاً القوى السنية منها". وبيّن أن "هذا الحراك يأتي أيضاً من أجل إيجاد منجز برلماني. فحتى الآن لا يوجد أي منجز برلماني للبرلمان الجديد، وهو شبه معطل".

وأضاف الشمري أن "طرح التصويت على تعديل ثان لقانون العفو العام في هذا الوقت يرتبط بتداعيات عملية إطلاق سراح نجل محافظ النجف السابق (جواد لؤي جواد)، وعملية إصدار العفو الخاص عنه. فهذا أعطى مبرراً ودافعاً لتشريع هذا القانون، حتى يكون الجميع متساوياً أمام القانون".

وبين أن "التعديل الثاني على قانون العفو العام سوف يخضع إلى الكثير من الاعتبارات والجدل السياسي، ولهذا من الصعوبة في هذا الوقت أن يكون هناك عفو عام شامل، خصوصاً القضايا المتعلقة بالإرهاب والجريمة المنظمة، خاصة المرتبطة بالمخدرات. ولهذا، فإن هذه الجرائم لا يمكن أن تكون ضمن القانون، وحتى لو ضمت إليه فإن قوى سياسية لن تمررها".