مشاهد من حملة انتخاب الأسد كـ"شيخ عشيرة سورية"

مشاهد من حملة انتخاب الأسد كـ"شيخ عشيرة سورية"

04 مارس 2021
خلال تظاهرات مناهضة للأسد في إدلب (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

بدأ رئيس النظام السوري بشار الأسد باكراً في التحضير لما يسمى "الاستحقاق الرئاسي"، دافعاً بـ"الكومبارس" للخروج بمشاهد تحاول الإيحاء بأنّ الشعب السوري يطالبه بالترشح لفترة رئاسية ثالثة، وذلك في الوقت الذي يعمل فيه النظام لتمرير الانتخابات الرئاسية المقررة في مايو/ أيار المقبل، في ظلّ تعطيله للحل السياسي للأزمة السورية. وبدأت أول مشاهد المسرحية باجتماع عقده عدد من شيوخ العشائر الموالين للنظام في مدينة حماة، في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حيث غصّت كلماتهم بالمديح والثناء على الأسد، مطلقين عليه لقب "شيخ عشيرة سورية"، ليضاف إلى الألقاب غير المتناهية التي يطلقها النظام عليه، كما أُطلقت على والده حافظ الأسد، كلقب "المعلم الأول" و"المحامي الأول" و"المقاوم" وغيرها. وأعلن هؤلاء الشيوخ تأييدهم بالإجماع إعادة انتخاب بشار الأسد لفترة رئاسية ثالثة، وكان أبرزهم شيخ عشيرة الحسنة والأمين العام لحزب "الشعب" نواف طراد الملحم، المعروف بولائه الشديد للنظام. إذ قام الملحم بالعديد من الزيارات لمرجعيات العشائر والطوائف والأديان غير المشاركة في اللقاء، للحصول على تأييدهم للأسد.

وصل الأمر بالنظام إلى استغلال الأطفال في مسرحيته الانتخابية

من جهتها، قامت مليشيا "الدفاع الوطني" التابعة للنظام، وأشباهها، برفع صور الأسد الممهورة بعبارات التأييد والمبايعة، في حين أُعلن في منتصف شهر ديسمبر الماضي، عن عزم بعض الموالين للنظام على إطلاق ما سمّوه "أطول رسالة حب ووفاء في العالم إلى رجل السلام الأول السيد الرئيس بشار الأسد"، على أن تجوب تلك الرسالة التي يبلغ طولها ألفي متر المناطق، بهدف جمع 2.5 مليون توقيع من قبل السوريين، ومن ثمّ تقديمها إلى الأسد في القصر الرئاسي بدمشق.

بدورها، تصدّرت "رابطة خريجي العلوم السياسية" مشهداً آخر من مشاهد المسرحية، عبر إقامتها سلسلة من الندوات للتسويق لوجود "مطالبة من قبل الشعب السوري للأسد بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة"، وذلك في مختلف مناطق سيطرة النظام تحت عنوان "الأسد خيارنا". وأقامت هذه الندوات مجموعة من الموالين للأسد، منهم اللواء حسن حسن وخالد المطرود، وهو مدير موقع إعلامي محلي وأحد محللي النظام دائمي الحضور في الإعلام الرسمي، وحيان سلمان، الذي شغل العديد من المناصب الرسمية ويقدم نفسه على أنه محلل وخبير اقتصادي، ومحمد خير عكام، وهو عضو مجلس شعب وأحد المحللين والضيوف الدائمين على وسائل إعلام النظام والقريبة منه، إضافة إلى هاني بركات، رئيس "رابطة خريجي العلوم السياسية" وأحد المسوّقين للأسد.

وقدم هذا الفريق المشهد ذاته في جميع المناطق التي أقام فيها ندوات الترويج للأسد، من دير الزور إلى القنيطرة. إذ يستهل الندوة بعرض فيلم ترويجي عن الأسد يستعرض زياراته إلى المناطق التي سيطر عليها النظام عقب تدميرها بشكل شبه كامل، تحت عنوان "محاربته الإرهاب"، فضلاً عن تسويقه أنّ الوضع الاقتصادي في فترة حكم الأسد الابن منذ عام 2000 إلى عام 2010، أي قبل انطلاق الثورة السورية المطالبة بالحرية والكرامة وإنهاء الاستبداد في مارس/ آذار عام 2011، كان جيداً وتنموياً.

ناشط سوري: النظام يحاول خداع العالم عبر إقامة هذه النشاطات

ووصل الأمر بالنظام حتى إلى استغلال الأطفال في مسرحيته الانتخابية، فعقد جلسة لما يسمى "برلمان الطفل" التابع لمنظمة "طلائع البعث"، إحدى منظمات حزب "البعث العربي الاشتراكي" الحاكم، والتي تنظم الأطفال من عمر 6 سنوات إلى عمر 12 سنة، لينتقلوا بعدها إلى منظمة "اتحاد شبيبة الثورة" في عمر 13 سنة، إلى جانب تنظيمهم بالحزب بالعمر ذاته. وعقدت جلسة "برلمان الطفل" في مبنى محافظة دمشق، تحت شعار "أملنا بشار... لنكمل المشوار"، مع أن المشاركين أطفال لا يحق لهم الانتخاب.

ويعتقد النظام أنّ السوريين بلا ذاكرة، بحسب الناشط شكري ف. (57 عاماً)، من دمشق، والذي فضّل عدم ذكر كنيته لأسباب أمنية، متسائلاً في حديث مع "العربي الجديد": "أي إرهاب يتحدث عنه النظام؟ وهو الذي قصف أمام أعيننا المناطق السكنية في الغوطتين (الشرقية والغربية)، وأطراف دمشق وغيرها من مناطق سورية، ونهبت قواته ومليشياته أرزاق السوريين وأملاكهم. هذا عدا عن الاعتقالات اليومية، حتى أصبحنا نخشى السير في شوارع دمشق، فقد يعتقل الشخص بلا سبب، فقط ليتم ابتزازه وابتزاز عائلته، وإن مات في السجن لا يكلف النظام نفسه سوى بالاتصال بعائلته بعد سنوات من اعتقاله، ليخبرهم بأنه فارق الحياة من دون أن يسلمهم حتى الجثمان، إذ غالباً ما يفقد المعتقل حياته بسبب التعذيب، وواقع المعتقلات غير المراعي لأدنى الشروط الصحية".

وأضاف الناشط نفسه: "لم يكتفِ النظام بتدمير البلاد، بل باعها أيضاً للإيرانيين والروس، من الميناء إلى الغاز إلى مسألة إعمار بعض المناطق السكنية، إلى العديد من المعامل، مثل معمل الفوسفات، وأغرقنا بالديون بعدما أنفق كل مدخرات البلاد ودخلها الوطني على حربه الهادفة للحفاظ على الكرسي، في حين تحوّل أكثر من نصف الشعب السوري إلى لاجئ ونازح".

من جانبه، رأى معارض سوري في دمشق، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "النظام يحاول خداع العالم عبر إقامة هذه النشاطات ليتذرع بها، ويقول إنّ الأسد هو خيار الشعب السوري الوحيد، ليقوم رئيس النظام في النهاية، بمكرمة منه، بالاستجابة لمطالبات الجماهير، ويرشّح نفسه لدورة رئاسية جديدة، في حين أنه وأجهزته الأمنية يعملون على إخراج هذه المسرحية الهزيلة، التي لا يصدقها حتى الناس البسطاء، وهذا تسمعه منهم في الشارع". وأشار الناشط نفسه إلى أنّ "النظام يعمل على تعطيل عمل اللجنة الدستورية، المناط بها وضع دستور جديد للبلاد كجزء من الحل السياسي المقرر من قبل الأمم المتحدة، ليضمن فترة رئاسية جديدة، ويدخل إلى أي عملية تفاوضية لاحقة ومعه ورقة الرئاسة".

النظام لم يجرِ أي انتخابات حرة ونزيهة منذ تسلمه السلطة

ولفت إلى أنّ "النظام منذ تسلمه السلطة عبر الأسد الأب في سبعينيات القرن الماضي، ثمّ انتقالها إلى الأسد الابن قبل 20 عاماً، وفي مشهد يثير تندر السوريين إلى اليوم، لم يجرِ أي انتخابات حرة ونزيهة، فدائماً ما كان يجبر الموظفين والطلاب والعسكريين وحتى بعض الأموات على الاستفتاء على إعادة انتخاب رأسيه (الأسد الأب والأسد الابن) والتصويت بنعم، ومنهم من كانوا يجبرون على الاستفتاء بنعم بالدم. حتى أنّ الأسد الابن قام في عام 2014، بإجراء مسرحية، وقدم شخصين على أنهما مرشحان للرئاسة، أحدهما يدعى حسان النوري، انتخب هو نفسه الأسد، وكان يمتدحه في جميع مقابلاته، فكافأه الأخير ووضعه وزيراً للتنمية في حكومته، بعد إعادة انتخابه. وعلى الأغلب سيعيد النظام اليوم المسرحية ذاتها، في حين ستكون أجهزته الأمنية وأعضاء حزب البعث، هم القائمون على صناديق الاقتراع وفرز الأصوات وإصدار النتائج، ما يعني إصدار النتائج التي يريدونها، في ظلّ غياب الحل السياسي ووجود جهات رقابية مستقلة".

المساهمون