مسعد بولس يلتقي المنفي والدبيبة بطرابلس ويتجه لملاقاة حفتر في بنغازي
استمع إلى الملخص
- تناولت المباحثات مقترح شراكة استراتيجية بقيمة 70 مليار دولار، مع التركيز على الشفافية في إدارة الموارد النفطية، وتطرقت إلى القضية الفلسطينية ودعم واشنطن لاستقرار ليبيا.
- تأتي الزيارة في سياق اهتمام أميركي متزايد بليبيا، مع التركيز على مكافحة الإرهاب ورفض التمدد الروسي، وتعزيز التعاون الأمني بإنشاء قوة عسكرية ليبية مشتركة.
وصل المستشار الرفيع للرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق أوسطية، مسعد بولس، اليوم الأربعاء، إلى مطار معيتيقة بطرابلس، في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول رفيع من إدارة ترامب إلى ليبيا منذ عودة الأخير إلى السلطة. وأجرى بولس فور وصوله إلى طرابلس، سلسلة لقاءات، بدأها مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، كما التقى أيضاً رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، ومحافظ المصرف المركزي الليبي ناجي عيسى، قبل أن يغادر إلى بنغازي، للقاء قائد ما يُعرف بـ"القيادة العامة" اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
ونقل المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي عن المنفي تشديده على "الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية"، وتأكيده أن "أي شراكة حقيقية يجب أن تقوم على الشفافية وتعزيز النزاهة في إدارة الموارد، لا سيما في قطاعي النفط والطاقة البديلة". وأضاف المكتب الإعلامي للمجلس أن اللقاء "شكل محطة محورية لتبادل الرؤى حول ملفات إقليمية ودولية، مع التركيز على دعوة الشركات الأميركية للمساهمة الجادة في مشاريع إعادة الإعمار وتوطين التكنولوجيا".
عقب ذلك، عقد بولس اجتماعاً موسعاً مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ناقشا خلاله أوجه التعاون الثنائي وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين ليبيا والولايات المتحدة. وبحسب ما أفاد به المكتب الإعلامي للدبيبة، فقد استعرض الاجتماع سبل تعميق التعاون في قطاعات حيوية، شملت الطاقة والمعادن والبنية التحتية والصحة والاتصالات. وأكد الدبيبة خلال الاجتماع حرص حكومته على بناء شراكات اقتصادية متينة مع الولايات المتحدة، بما يفتح المجال أمام كبرى الشركات الأميركية للمساهمة في مشاريع تنموية واستثمارية داخل ليبيا.
وقدم الدبيبة عرضاً لمقترح شراكة استراتيجية "تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 70 مليار دولار، وتشمل مشاريع جاهزة في قطاعات الطاقة والمعادن والكهرباء والبنية التحتية والاتصالات"، مؤكداً أن هذه المشاريع "تتيح دخولاً منظماً ومباشراً للاستثمار الأميركي في السوق الليبي". كما ناقش الطرفان مستجدات ملف قطاع النفط، مع التركيز على الفرص الاستثمارية المتاحة في القطع الجديدة، سواء في المناطق البحرية أو البرية، إضافة إلى الجهود المبذولة لتعزيز الشفافية وتحقيق عوائد مستدامة تعكس استقرار قطاع الطاقة الليبي.
وفي الشأن الإقليمي، تطرق اللقاء إلى تطورات القضية الفلسطينية، حيث نقل المكتب الإعلامي عن الدبيبة إدانته الشديدة "لما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة من جرائم وتجويع وعدوان مستمر"، مؤكداً ضرورة الوقف الفوري للعدوان، ورفع الحصار، وتجنيب المدنيين ويلات الحرب والدمار. من جانبه، عبر بولس عن دعم الإدارة الأميركية لجهود الاستقرار في ليبيا، مؤكداً التزام واشنطن بمواصلة التنسيق وتعزيز التعاون مع حكومة الوحدة الوطنية في مختلف المجالات. وفي تدوينة له عبر حسابه على منصة "إكس"، وصف بولس لقاءه بالدبيبة بـ"المثمر"، مشيراً إلى تطلّعه إلى "تعزيز الصفقات التجارية بين بلدينا"، ومؤكداً أهمية استعادة الهدوء، ومنع العنف، ودفع الحوار السياسي قدماً، في إطار العمل المشترك بين الجانبين.
ومن المنتظر أن يواصل بولس زيارته بالتوجه شرقاً إلى مدينة بنغازي، حيث من المقرر أن يلتقي قائد ما يُعرف بـ"القيادة العامة"، اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وكانت مصادر دبلوماسية ليبية حكومية، وأخرى مقرّبة من المجلس الرئاسي، قد كشفت في تصريحات لـ"العربي الجديد"، يوم أمس الثلاثاء، عن أن مباحثات بولس في طرابلس تتمحور حول ملفين أساسيين، أولهما الملف السياسي وارتباطه بالتعثر الذي تشهده العملية السياسية، ومحاولات البعثة الأممية في ليبيا لكسر الجمود عبر تقريب وجهات النظر، والدفع نحو إجراء الانتخابات الوطنية المؤجلة، وثانيهما الملف الاقتصادي، حيث ستركز المباحثات على قضية النفط أساساً، ولا سيما تصديره بشكل منتظم عبر المؤسسة الوطنية للنفط، باعتبارها الإطار القانوني والشرعي الوحيد لإدارة الثروة النفطية الليبية.
وقالت المصادر قبيل اللقاء، إن المباحثات ستتطرق النقاشات أيضاً إلى قضايا حساسة أخرى، في مقدمتها توازن العلاقات الخارجية الليبية، وسط قلق أميركي من تنامي العلاقات العسكرية بين حفتر وموسكو، وكذلك الاتصالات المتزايدة بين حكومة طرابلس وبعض العواصم الأوروبية. وبحسب المصادر نفسها، فإن الزيارة التي كان مقرراً أن تحصل في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، تأجلت إلى اليوم لفسح المجال أمام البعثة الأممية لاستكمال مشاوراتها التي بدأتها وقتها مع الأطراف الليبية حول خريطة طريق جديدة طرحتها في العشرين من مايو/ أيار، وتضمنت الخطة الأممية، التي تحظى بدعم أميركي واسع، أربعة خيارات تمثل خريطة طريق سياسية جديدة.
وفيما تندرج زيارة بولس لليبيا ضمن محطات زيارته للمنطقة هذه الأيام، إلا أنها تأتي أيضاً في سياق اهتمام معلن بالملف الليبي أبداه بولس منذ توليه مهامه في إدارة ترامب، حيث أكد في أكثر من مناسبة أن واشنطن تطور تصوراً للحل الليبي بالتعاون مع جميع الأطراف، وأنها عازمة على الدفع نحو تسوية ليبية من خلال توافق ليبي شامل يقود إلى شراكة حقيقية في الحكم ضمن مشروع موحد، ما يشير إلى مساعٍ أميركية للحضور بكثافة في الملف الليبي، رغم التحديات التي تحيط بموقعه في سلّم أولويات البيت الأبيض.
كذلك تأتي زيارة بولس في ظل سياق إقليمي مضطرب، حيث تتزايد الأنباء عن مقترحات أميركية وإسرائيلية لنقل سكان من قطاع غزة إلى دول أخرى، من بينها ليبيا، وكذلك رغبة واشنطن في ترحيل مهاجرين يحملون سجلات جنائية إلى دول، بينها ليبيا، وهو ما أثار قلقاً واسعاً في الشارع الليبي، واعتُبر تهديداً مباشراً لسيادة البلاد.
من جهة أخرى، تجري زيارة بولس في ظل غموض إدارة ترامب تجاه ليبيا. فعلى الرغم من المواقف الأميركية الثابتة في ملف مكافحة الإرهاب ورفض التمدد الروسي، إلا أن ترامب لم يبدِ وضوحاً في موقع الملف الليبي في سلّم أولويات سياساته، كذلك فإنه أصدر قرارات بشأن ليبيا، مثل فرض قيود على منح التأشيرات الأميركية على الليبيين، وتمديد حالة الطوارئ الأميركية المتعلقة بليبيا، باعتبارها تمثل تهديداً للأمن القومي.
ومن الناحية الأمنية، تمثلت الجهود الأميركية في مشروع يقضي بإنشاء قوة عسكرية ليبية مشتركة من معسكري شرق البلاد وغربها، وهي الخطوة التي أبرزتها زيارة نائب قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، الفريق جون برينان، في فبراير/ شباط الماضي، لكل من طرابلس وبنغازي، وفي نهاية الشهر نفسه، نفذت القوات الجوية الأميركية نشاطاً عسكرياً قبالة ساحل سرت، وصفته سفارة واشنطن لدى ليبيا بأنه يهدف إلى تعزيز قدرات الدفاع الجوي والتكامل العسكري بين مناطق ليبيا المختلفة.
وفي إبريل/ نيسان الماضي، زارت السفينة الحربية الأميركية "يو إس إس ماونت ويتني" التابعة للأسطول السادس، ميناءي طرابلس وبنغازي، حيث أجرى الوفد الأميركي المرافق للسفينة محادثات مكثفة مع مسؤولين ليبيين، على رأسهم عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر، وكبار القادة العسكريين في طرابلس وبنغازي، تركزت على توحيد المؤسسة العسكرية وتعزيز التعاون الأمني. وتعكس زيارة بولس اليوم محاولة لدعم المشروع الأميركي في الجانب الأمني بغطاء سياسي ودبلوماسي، ما يسهم في إعادة الدور الأميركي طرفاً مؤثراً في الملف الليبي.