مستوطنون منحهم بن غفير رخصة قتل الفلسطينيين: أنصاف جنود

24 ديسمبر 2024
وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، 21 أكتوبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعدت ظاهرة "الإرهاب اليهودي" في الضفة الغربية، حيث يعتدي المستوطنون المسلحون على الفلسطينيين بحماية ضمنية من الشرطة الإسرائيلية، من خلال اقتحام المنازل والتهديد بالقتل وسرقة الموارد.
- منذ الحرب في أكتوبر، تم تسليح آلاف المستوطنين، مما أدى إلى عسكرة المستوطنات وزيادة العنف ضد الفلسطينيين، حيث يظهر المستوطنون بزي "نصف عسكري" ويهددون الفلسطينيين.
- تتجاهل الشرطة الإسرائيلية شكاوى الفلسطينيين لتجنب إغضاب وزير الأمن القومي، مما يعكس تواطؤاً ضمنياً ويترك الفلسطينيين دون حماية قانونية.

لم تكن شرطة الاحتلال وجيشه في أي يومٍ من الأيام إلى جانب الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، فما اصطُلح تسميته بـ"الإرهاب اليهودي" وفقاً لتصنيف القانون الإسرائيلي ذاته، يُرتكب بحق الفلسطينيين منذ زمن، فيما الشرطة التي تتولى مهمة إنفاذ القانون على المستوطنين أعتقت نفسها من المهمة الموكلة إليها بالتدريج، وقلّة قليلة فقط من مئات الجرائم التي ارتبكها مستوطنون حُقق فيها، وانتهت بتقديم لوائح اتهام، وفقاً لما تستعرضه معطيات تنشرها منظمات إسرائيلية حقوقية بانتظام.
وعلى الرغم من أنّ هذه الجرائم غير جديدة، فإنها أخذت منحى تصاعدياً منذ نحو عام وسط إعفاء الشرطة نفسها بشكل شبه كامل من إجراء التحقيقات، بادعاء أن مرتكبيها "جنود" وليسوا "مدنيين"، وهو ما أفلت هذه الظاهرة من عقالها تماماً. السبب الرئيس وراء الادعاء يرجع إلى "حملة التسليح الوطنية"، التي استغل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير اندلاع الحرب للشروع فيها، وتسليح مستوطنيه بأسلحة كالتي يحملها جنود الجيش، بينها بنادق بمديات إطلاق طويلة، بحجة "حماية المستوطنات"؛ وفيما كان هؤلاء المستوطنون في السابق يرهبون الفلسطينيين بالعصي والحجارة، ويعمدون إلى سلب أراضيهم وحرق محاصيلهم، فإنهم اليوم باتوا مسلحين ويهددون الفلسطينيين باستمرار بإطلاق النار عليهم وقتلهم.

قبل بضعة شهور، وتحديداً في حزيران/ يونيو المنصرم، وصل مستوطن يُدعى متنيا كيتسيس إلى منزل عائلة فلسطينية يقع جنوب جبل الخليل. لم يطرق الباب أو يطلب إذناً بالدخول، ببساطة افترش الأرض وجلس على شرفة منزلٍ ليس له ولمْ يُدعَ إليه. كيتسيس كان "نصف عسكريّ" المظهر حيث لبس بنطالاً وحذاءً عسكرياً، وبلوزة "مدنية"، فيما حمل بين يديه سلاحاً. في شريط الفيديو الذي وثّق الحادثة المذكورة، ظهر المستوطن وهو يدخّن سيجارة بكل برود، ويتصفّح شاشة هاتفه.


ما سبق ليس إلا واحداً من بين مئات الحوادث الشبيهة التي حوّلت اقتحام المستوطنين بيوت الفلسطينيين إلى أمرٍ معهود بالنسبة إلى سكان الضفة الغربية المحتلة، وفقاً لموقع "شومريم" (الحرّاس) العبري، المتخصص في التحقيقات الاستقصائية. فالفلسطينيون كما يُقرّ الموقع في تقرير حديث له، يعيشون ما هو أفظع بكثير من عمليات الاقتحام منذ سنوات، غير أن تعدياً من هذا النوع بات خطيراً بالذات لكونه قد ينقلب في أيّ لحظة إلى مواجهة قد تنتهي بإطلاق النار على الفلسطينيين. 
وبحسب الموقع، فإنه منذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، جُنّد آلاف المستوطنين وسُلّحوا لينضووا في إطار "قوّات الفرق المتأهبة"، أو "جنود غمار" (الدفاع المناطقي) بحجة حماية المستوطنات التي يقطنون فيها. وهو ما جعل الضفة "مكدسة بالمدنيين (المستوطنين) المسلحين ببنادق حربية". وما فعله المستوطن كيتسيس عملياً ليس إلا عيّنة من الظاهرة الأوسع، والتي تحتفظ منظمة "البلوك الديمقراطي" بكثير من المقاطع المصوّرة التي توثقها، وبينها مواجهات بين فلسطينيين ومستوطنين، تميّزوا بحسب هذه المقاطع بظهورهم بلباس "نصف عسكري"، إلى جانب حملهم أسلحة.
في تموز/يوليو الماضي فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على المستوطن المدعو يسخار مِن، مؤسس بؤرة "مِن" الإستيطانية، وكذلك على البؤرة ذاتها، والسبب هو قيادته عدداً من الهجمات على الفلسطينيين في الضفة، واستيلائه على أراضٍ بملكية فلسطينية خاصة. لا يبدو أن مِن قد تأثر بهذه العقوبات، إذ أظهر شريطٌ مصوّر نُشرعلى منصة إكس، في 27 آب/أُغسطس الماضي، المستوطن المذكور وهو يسقي عنزته من خزّان ماء فلسطيني في قرية أم طوبه، بينما كان مسلحاً ببندقية.


ليس بعيداً عن القرية المذكورة، في السابع من تموز/يوليو الفارط وُثّق تخريب مستوطنين اثنين صنبور مياه ومضخة كهربائية لسحب المياه من بئر للفلسطينيين، بينما حاولا طرد فلسطيني من المكان؛ كلاهما كانا ملثمين، وبزي "نصف عسكري". الأوّل كان يحمل عصاً، فيما الثاني مسلح ببندقية. وفي 31 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في منطقة قريبة في جبل الخليل، وُثق مستوطن مسلّح بسلاح طويل، ويلبس أيضاً زياً نصف عسكري، وهو يرعى قطيع ماعز وسط كرم زيتون للفلسطينيين.


ما تقدّم هو مجرد صورة جزئية عن الهجمات والاعتداءات المتواصلة؛ فما يجري الحديث عنه هو ما يُوثّق فقط بالصوت والصورة. إحدى الوقائع التي لم يجرِ توثيقها حدثت في قرية الخضر، جنوبي بيت لحم، حيث كما ينقل التقرير عن فلسطينيين من سكان القرية فإنه في 27 تشرين الأول/ أكتوبر، باغت جنود "الدفاع المناطقي" (وهم مستوطنون بزي عسكري)، 20 شاباً من القرية اجتمعوا في خيمة يتسامرون. وعلى الرغم من أن الشبان لم يقتربوا إطلاقاً من جدار المستوطنة المجاورة- التي قامت أساساً على أراضيهم- فوجئوا بسيارة تحمل لوحة بأرقام عسكرية إسرائيلية تتوقف على مقربة من خيمتهم، قبل أن ينزل منها مستوطنين بزي عسكري، وأقنعة سوداء على وجوههم.
طبقاً لما نقله الموقع عن أحد شبان القرية، فقد حاول الأخير التحدث إليهم بعبرية مُكسرة، في محاولة منه لفهم ما الذي ينشدونه، غير أن أحد المستوطنين رد بأن عليه أن يطلب من جميع الحاضرين الاستلقاء على الأرض وعدم التحرك، وإلا "سيطلق النار". أُجبر الشبان على الاستلقاء تحت تهديد السلاح، ثم أخذ المستوطنون الهواتف منهم وبدأوا يفتشون فيها. وإثر ذلك، "طلبوا من أحد الشبان أن يصوّر فيديو يُعلن فيه إدانته للهجوم الذي شنّته كتائب القسام- الذراع العسكرية لحماس- في عملية طوفان الأقصى". ثم هدد أحد المستوطنين، كما ينقل التقرير، جميع الحاضرين بأن عليهم أيضاً أن يظهروا في الفيديو ويعبرون عن تأييدهم للإدانة. بعد ذلك، قال المستوطنون إنهم سيأتون في السابعة من صبيحة اليوم التالي، مطالبين الشبان بوضع أعلام إسرائيلية على بيوتهم "وإلا سيطلقون النار عليهم جميعاً".
وإثر التهديد، قدّم الفلسطينيون الذين تعرضوا للترهيب في الخيمة شكوى للشرطة الإسرائيلية في منطقة الخليل. وعلى الرغم من أن الشرطة أكّدت أنها تلقت بلاغاً عن الحادثة، بعدما طالبها الموقع بتفسير ما حدث، زعمت أنه "من الصعب بمكان التحقيق في حادثة شارك فيها جنود، فحادثة كهذه على الشرطة العسكرية التحقيق فيها"، في إشارة إلى أنها تعتبر هؤلاء المستوطنين (الذين هم عملياً مدنيون تسري عليهم قوانينها) ليسوا كذلك، بل جنود تسري عليهم قوانين الشرطة العسكرية المُطبقة على الجيش. ولكن في الواقع فإن هؤلاء ليسوا جنوداً. وهكذا تتنصل الشرطة تارة، ويتنصل الجيش والشرطة العسكرية من واجب إنفاذ القانون تجاههم.
في غضون ذلك، ينقل التقرير عن سريت ميخائيلي، وهي عضوة في منظمة "بتسيلم" الحقوقية والتي تنشط في مجال توثيق الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة، أن ما يحدث من هجمات في الأخيرة "غير مسبوق إطلاقاً"، وتقر بأن ثمة ارتفاعاً كميّاً في الهجمات غيّر نوعيّة الأحداث التي عهدها الفلسطينيون، مشيرةً إلى أن "عسكرة المستوطنين جعلت مستوى التطرف جنونياً، وخصوصاً عقب السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي".
وفي السياق، ذكّرت ميخائيلي بالهجمات التي شنّها مستوطنون على عدد من القُرى الفلسطينية، بينها حوّارة، قصرة، في منطقة نابلس، والتي استشهد خلالها عدد من الفلسطينيين، فيما حُرقت بيوتهم ومركباتهم، مشيرةً إلى أنه "إذا كان الفلسطينيون يُهددون في السابق بالعصي، فإنهم يُقتلون اليوم بإطلاق النار من قبل المستوطنين، وهم يعرفون أن لا أحد سيدفع ثمن مقتلهم"، في إشارة إلى أن المستوطنين خارج دائرة المحاسبة.


تجاهل الشكاوى إرضاءً لبن غفير

فيما الواقع يتجه عملياً نحو التصعيد في الضفة، وخصوصاً في ظل الأرضيّة التي يحضرها المستوطنون وحكومتهم عبر تغيير الوقائع الميدانية على المستوى الجغرافي، تجهيزاً لضم المستوطنات للسيادة الإسرائيلية، تواصل الجهات المعنيّة من جانبها التنصل من مسؤولية إنفاذ القانون عبر كيل الاتهامات بعضها لبعض.
وفقاً لما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في وقتٍ سابق، فإن "الشاباك" والقيادة الوسطى في جيش الاحتلال يتهمان الشرطة منذ شهور بأنها تمتنع عمداً عن التحقيق في الشبهات حول الإرهاب اليهودي وعنف المستوطنين، وذلك "تحسباً لإثارة غضب (وزير الأمن القومي إيتمار) بن غفير". وقد تقاطع ما سبق مع مضامين وثيقة كشفت عنها "القناة 12" كان قد استعرضها القائد السابق للقيادة الوسطى في الجيش يهودا فوكس، وهي مدعّمة بموقف كبار المسؤولين في "الشاباك"، في مقدمتهم رئيس الجهاز رونين بار، حيث اتهم هؤلاء الشرطة بأنها لا تحقق في الهجمات من جانب المستوطنين.
المعطيات التي تكشف عنها الشرطة حول الهجمات التي يُنفذها المستوطنون منقوصة، والسبب هو أنها لا تحقق أساساً في قضايا شارك فيها مستوطنو "الدفاع المناطقي" لأنها تعتبرهم "جنوداً"، ما يعني أن ذلك ليس من صلاحياتها. وبحسب تقرير "شومريم"، فإن الادعاءات بأن الشرطة الإسرائيلية عامة، وشرطة "لواء السامرة" (نابلس وشمالي الضفة) لا تحقق في الهجمات، باتت أخيراً محور القضية التي اعتقل في إطارها قائد الوحدة الشرطية الخاصة (يمار)، الضابط أفيشاي معلم، بسبب تجاهله شكاوى حول إرهاب المستوطنين إرضاءً لبن غفير.
مُعلم نفسه ادعى في آذار/ مارس الماضي في جلسة انعقدت بالكنيست أن "نصف الشكاوى المقدمة من جانب الفلسطينيين للشرطة حول عنف المستوطنين تبيّن أنها بلاغات كاذبة". وعلى الرغم من أن الموقع طالب الشرطة بالحصول على المعطيات التي استند إليها معلم، لم تقبل الشرطة الطلب، وهو ما يخفيه الجيش أيضاً، بحسب التقرير.

المساهمون