خيمة تضامن مع أوكرانيا في شتوتغارت بألمانيا، 10 أكتوبر 2024 (ناصر السهلي)
12 نوفمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تراجع التضامن البولندي مع اللاجئين الأوكرانيين مع استمرار الحرب، حيث يقدر وجود أكثر من مليوني أوكراني في بولندا، معظمهم من النساء والأطفال، مع دعوات لإعادة الرجال القادرين على القتال إلى أوكرانيا.
- أظهرت استطلاعات الرأي تراجع دعم البولنديين للأوكرانيين، حيث يعتقد 67% بضرورة عودة الرجال للدفاع عن وطنهم، مع تزايد المخاوف من انتقال الحرب إلى بولندا وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.
- توترت العلاقات البولندية الأوكرانية مع تزايد التمييز ضد الأوكرانيين، حيث يساهم اليمين القومي في "شيطنة الأوكرانيين"، مما يعكس تأثير "إرهاق طول الحرب" على المواقف الأوروبية.

يبدو أن طول زمن الحرب الروسية على أوكرانيا أصبح يساهم في تراجع التضامن البولندي مع الأوكرانيين الذين فروا إلى البلد الجار مع بداية الحرب في فبراير/شباط 2022. ويُقدر البولنديون أن أكثر من مليوني أوكراني يقيمون في بلدهم، بينهم نحو 63% من النساء والأطفال. وتسلط وسائل الإعلام والتصريحات السياسية الضوء على النسبة المتبقية من الرجال الأوكرانيين المتراوحة أعمارهم بين 18 و60 سنة القادرين على حمل السلاح لأجل الدفع بهم نحو الانتقال إلى بلادهم للدفاع عنها. وتشير التقديرات البولندية إلى أن نحو 300 ألف أوكراني قادرون على حمل السلاح يقيمون في البلد.

خلال الأسابيع الأخيرة أعلنت حكومة وارسو، وبدعم شعبي وسياسي، أنها ستبذل جهودها لأجل عودة الرجال الأوكرانيين في سن القتال إلى بلادهم. وعلى الرغم من أن الخطوة تتفق نوعاً ما مع رغبة سلطات كييف التي أعلنت في مايو/أيار الماضي نيتها تجنيد وضم المزيد من الرجال داخل البلد وأكثر من أربعة ملايين لاجئ في بلدان الجوار إلى صفوف الجيش الذي بات يعاني نقصاً في المقاتلين، إلا أن التوجه البولندي يعبر أيضاً عما يشبه حالة تذمر من تكلفة استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.

مخاوف من انتقال الحرب إلى بولندا

يمكن من خلال التقارير ملاحظة تراجع مستوى تضامن الشارع البولندي غير المشروط بداية مع الأوكرانيين الذين يشعرون بقلق إزاء تغير المزاج العام نحوهم. فقد أظهرت استطلاعات أخيرة عن المركز الوطني البولندي لأبحاث الرأي العام (CBOS) ونشرت نتائجها حديثاً، أن استعداد البولنديين لاحتضان الأوكرانيين انخفض بمقدار النصف منذ بداية الحرب. وأشار استطلاع للمركز إلى أن 67% من البولنديين يعتقدون أنه يجب إعادة الرجال الأوكرانيين المقيمين في بولندا ليدافعوا عن بلدهم. وتذهب تقارير نشرت في مواقع بولندية الأسبوع الماضي إلى الكشف عن تزايد مخاوف البولنديين من فاتورة الحرب واستمرار اللجوء الأوكراني في البلد. ولعل أكثر ما يقلق أهل البلد المضيف هو انتقال الحرب الأوكرانية إلى بلدهم على ضوء المطالب المتزايدة من كييف لدفع وارسو للانخراط المباشر في الدفاع عنها.

وزير الخارجية البولندي، رادوسلاف سيكورسكي، اقترح مؤخراً، على خلفية تغير المزاج في بلده، حرمان الرجال الأوكرانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 60 عاماً من الحصول على المزايا الاجتماعية "وألا يكون هناك فوائد مالية لأولئك الذين يتجنبون الخدمة العسكرية في أوكرانيا"، وذلك للضغط عليهم من أجل العودة والانضمام إلى صفوف جيش بلادهم.

ومع تزايد الامتعاض البولندي من ارتفاع تكلفة الحرب الأوكرانية على اقتصادهم ومجتمعهم، والاضطرار إلى مزيد العسكرة، اندفع وزير دفاع وارسو، فلاديسلاف كوسينياك كاميش، إلى التصريح لمحطة تلفزيون "بولسات" بأن "المواطنين الأوكرانيين لديهم واجب تجاه دولتهم"، ولم يستبعد محاولة بلاده إعادتهم عبر الحدود.

ياكوفسكي: زيلينسكي ناكر للجميل

هذه المواقف تأتي متزامنة مع توسع الخلاف البولندي-الأوكراني، على خلفية طلب كييف المتزايد أن تشاركها وارسو بصورة مباشرة في التصدي للصواريخ الروسية، ما يثير قلق البولنديين من انتقال الحرب إلى بلدهم. وخلال الأسبوع الماضي وصف نائب رئيس حكومة وارسو، كرزيستوف ياكوفسكي، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه "ناكر للجميل". وأشار ياكوفسكي في تصريحات لإذاعة "زد" المحلية في بولندا إلى أن تصريحات زيلينسكي لا تليق بسياسات بولندا "التي تبرعت بالتكنولوجيا واعتنت بمواطنيه وخدمت كييف بكونها ممراً للمساعدات". ولفت السياسي البولندي إلى أن "نكران الجميل، تحديداً من الرئيس الأوكراني زيلينسكي يثير استفزاز البولنديين الذين يرون الشباب الأوكراني في شوارعهم، بينما بولندا نفسها تضحي وتقدم المساعدات العسكرية".

وتثير رغبة وارسو تطبيق ما يشبه سياسة ترحيل عشرات آلاف الرجال الأوكرانيين قلقاً في أوساط اللاجئين من أوكرانيا ولدى منظمات حقوقية محلية. ومع أن نحو 5% فقط من المقيمين الأوكرانيين يتلقون مساعدات من الحكومة البولندية، إلا أن تصريحات السياسيين بضرورة وقف تلك المساعدات المالية تعكس بعضاً من التداعيات الاجتماعية للحرب، إذ يسجل بصورة كبيرة ارتفاع إيجارات السكن، وانتظار أطول لمواعيد مراجعة الأطباء ومراكز خدمة المواطنين، وهو بحسب تقارير صحافية بولندية ما بات يرجعه الشارع إلى عدد المقيمين الأوكرانيين الهائل، ما يساهم بتغير المزاج العام والتسامح حيالهم. ولفتت تقارير صحافية إلى أن بعض أصحاب العقارات باتوا يشيرون بالفعل في إعلانات تأجيرها إلى أنها "للبولنديين فقط"، إلى جانب رفض المزيد من المستأجرين الأوكرانيين. ويتعرض للتنمر الشباب والرجال الأوكرانيون الذين يطلب منهم العودة والدفاع عن بلادهم.

"شيطنة الأوكرانيين"

في السياق نفسه، من الواضح أن الأزمات الاقتصادية وارتفاع فاتورة استمرار الحرب الأوكرانية تدفع بمزيد من البولنديين نحو مراجعة مواقفهم السابقة. وبات اليمين القومي المحافظ والصحافة المؤيدة له يساهمون في خلق ما يوصف بـ"شيطنة الأوكرانيين"، الذين يعتبرونهم سبباً في المعضلات التي تواجهها بولندا. ويعرف هذا الخطاب على نطاق أوروبي أوسع، حيث تتزايد دعوات اليمين القومي والمتشدد في أوروبا إلى وقف الحرب الأوكرانية وانتهاج سياسة أقل تصادماً مع المصالح الروسية.

وفي كل الأحوال، فإن ما يسمى "إرهاق طول الحرب" في أوكرانيا بات يؤثر على الحالة الأوروبية العامة، وبينها بولندا، التي تنتقل من حماسة دعم كييف في بداية الحرب، المتجهة إلى إتمام عامها الثالث في فبراير/شباط المقبل، إلى حالة مختلفة تدفع نحو تحميل الأوكرانيين أنفسهم أثقال تلك الحرب، ومن بين ذلك الطلب من الأوكرانيين القادرين على حمل السلاح التوجه إلى بلدهم، عنواناً لمرحلة مختلفة يتوافق فيها بعض الخطاب السياسي القومي المحافظ مع مشاغل الشارع والمصالح الوطنية الخاصة بدول القارة الأوروبية عموماً.