مروان البرغوثي... الأسير الحاضر في الميدان وورقة حماس للوحدة الوطنية

12 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 16:45 (توقيت القدس)
تجمّع جماهيري في رام الله تضامناً مع الأسير مروان البرغوثي، 19 أغسطس 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- إطلاق سراح مروان البرغوثي يمثل أولوية لحركة "حماس" ويُعتبر خطوة مهمة لحركة "فتح" لإعادة ترتيب المشهد السياسي الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية، حيث يتميز البرغوثي بدمجه بين العمل السياسي والعسكري.
- البرغوثي له تاريخ نضالي بارز، حيث شارك في الانتفاضات الفلسطينية وقاد عمليات مسلحة ضد الاحتلال، مما أدى إلى اعتقاله والحكم عليه بالسجن لخمسة مؤبدات وأربعين عامًا.
- البرغوثي له تأثير سياسي كبير، حيث شارك في صياغة وثيقة "الوفاق الوطني" وقاد إضراب "الكرامة" للأسرى، ودعمه لقائمة "الحرية" في 2021 أدى إلى إلغاء الانتخابات خوفًا من تفكك "فتح".

يترقب الكثيرون في حركة "فتح" إطلاق سراح عضو المجلس المركزي لحركة فتح مروان البرغوثي من المعتقلات الإٍسرائيلية من خلال صفقة تبرمها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مع الاحتلال الإسرائيلي، في الاجتماعات المنعقدة اليوم الخميس، في شرم الشيخ المصرية. حماس أكدت أكثر من مرة أنّ إطلاق سراح رموز الأسرى ومنهم مروان البرغوثي من أولوياتها، وكان اسمه من بين أسماء قيادات الفصائل والحركة الأسيرة التي تتمسّك بها الحركة في كل الصفقات التي عقدتها مع الاحتلال من صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011 إلى صفقة إطلاق سراح الأسرى ضمن معركة "طوفان الأقصى".

صاحب الوحدة والحضور الميدانيّ

يعود تمسّك "حماس" بإطلاق سراح مروان البرغوثي إلى أنها تراهن على أنه قيادي فتحاوي وحدوي من شأنه أن يعيد ترتيب المشهد السياسي الفلسطيني الممزق، ويلقي بثقله ميدانياً وسياسياً لتحقيق الوحدة الوطنية التي يعجز الرئيس محمود عباس

عن تحقيقها حتّى الآن. ويتميّز البرغوثي عن بقية قيادات الصف الأول في حركة "فتح" أي اللجنة المركزية، وهي أعلى هيئة تنظيمية في الحركة، بأنه مزج بين العمل السياسي والعسكري الميداني، على النقيض من جميع أعضاء اللجنة المركزية للحركة حالياً الذين تقلدوا مناصب سياسية ووزارية.

تاريخ من النضال

ولد مروان البرغوثي المعروف بـ"أبو القسّام" في السادس من يونيو/ حزيران 1958، في قرية كوبر شمال غربي رام الله، وسط الضفة الغربية، وهو معتقل منذ 2002 في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وحُكم عليه بالسجن لمدة خمسة مؤبدات وأربعين عاماً بتهمة قيادة كتائب "شهداء الأقصى"، الذراع العسكرية لحركة "فتح"، خلال انتفاضة الأقصى "الثانية" التي اندلعت عام 2000، وهذا الحكم المرتفع يعني حسب الاحتلال أنه قاد أو نفذ أو خطط أو موّل عمليات لمقاومة مسلحة مع الاحتلال وأنه تجاوز الدور السياسي.

دخل البرغوثي العمل الوطني مبكراً، واعتُقل أول مرة وهو على مقاعد الثانوية العامة وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات، ولاحقاً ترأس مجلس طلبة جامعة بيرزيت شماليّ رام الله لثلاث دورات، إذ كان ينظر لبيرزيت أنها الجامعة التي تصنع القيادات السياسية، فمنها خرج فتحي الشقاقي، وخضر عدنان، وخالدة جرار، وسلامة قطاوي، ومحمود شريتح، والشهيد يحيى عياش مهندس عمليات كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس.

القيادي في فتح مبكراً

اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى المعروفة عالمياً بـ"انتفاضة الحجارة" عام 1987 ونشط البرغوثي فيها، فاعتقله الاحتلال وقام بإبعاده إلى الأردن لمدة سبع سنوات. وترشح البرغوثي في مؤتمر "فتح" الخامس عام 1989 وفاز بمقعد في المجلس الثوري، وعاد إلى رام الله عام 1994 بعد اتفاق أوسلو الذي تأسّست بموجبه السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي 1996 رشح نفسه لأول انتخابات تشريعية فلسطينية وأصبح عضواً في المجلس التشريعي.

البرغوثي كان يقوم بالمسيرات والمظاهرات في شوارع الضفة الغربية مثل أي ناشط فتحاوي، بملابس عادية دون ربطة عنق أو بدلة رسمية، ورغم أنه كان يؤخذ عليه أنه كان ضالعاً في النشاطات التطبيعية مع أحزاب ومؤسّسات إسرائيلية بداية تأسيس السلطة، لكن الفتحاويين القريبين منه يقولون "كانت مرحلة مختلفة تماماً، كنّا نريد السلام مع إسرائيل"، لكن عندما أدرك عرفات أن إسرائيل لن تعطي الفلسطينيين دولة واكتفت بأن تكون المرحلة الانتقالية هي كل شيء، تحرك من معسكر السلام والتطبيع إلى دعم المقاومة المسلّحة، وكان من الطبيعي أن ينتقل البرغوثي معه.

ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 عاد البرغوثي لتصدّر الأخبار، لكن هذه المرة عاد متحدثاً باسم "كتائب شهداء الأقصى" الذراع العسكريّة لحركة "فتح"، التي قامت بالعديد من العمليات الاستشهادية، وعشرات الاشتباكات المسلحة التي انضم لها عناصر وازنة في الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

يوصف البرغوثي بأنه كان اليد اليمنى للرئيس الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)، ومنه كان يتلقى الأوامر والمال مباشرة لدعم كتائب شهداء الأقصى. انضمام عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية للانتفاضة جعل إعادة هندسة الأجهزة الأمنية وصناعة عقيدة جديدة لهم أهم مخرجات مؤتمر شرم الشيخ 2005، إذ أكد الرئيس محمود عباس في كلمته حينها بالقول: "اتفقنا ورئيس الوزراء أريئيل شارون على وقف أعمال العنف كافّة ضد الإسرائيليين والفلسطينيين أينما كانوا، إنّ الهدوء الذي ستشهده أراضينا ابتداء من اليوم، هو بداية لحقبة جديدة وبداية للسلام والأمل". لاحقاً وحسب تفاهمات مؤتمر شرم الشيخ بدأت صياغة عقيدة جديدة لأجهزة الأمن الفلسطينية على يد الجنرال كيث دايتون الذي عيّنته الإدارة الأميركية منسقاً أمنياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عام 2005.

الأسير الحاضر في الخارج

عام 2005 قرّر البرغوثي الترشح للانتخابات الرئاسية أمام محمود عباس، لكنّه تراجع عن قراراه بعد تدخل قيادات وازنة من حركة "فتح" والحركة الأسيرة، ولأن الإقليم لم يكن جاهزاً، حسب ما قالت زوجته في حينه، لترشح أسير لانتخابات رئاسية. وعام 2006 شارك البرغوثي على نحوٍ رئيسي مع قيادات "حماس" و"الجبهة الشعبية" و"الجهاد الإسلامي" والجبهة الديمقراطية" في المعتقلات، في صياغة وثيقة "الوفاق الوطني" لإنهاء الانقسام بين حركتَي "فتح" و"حماس".

أما عام 2009، فشارك البرغوثي في المؤتمر السادس للحركة الذي عُقد في مدينة بيت لحم، ووجّه كلمة مكتوبة قاسية لقيادة "فتح" التي جمعت بين قيادة التنظيم والسلطة، منتقداً "الجمع بين العمل في الأجهزة الأمنية والعمل التنظيمي"، وقال: "من يتباكون على حال (فتح) هم من أسهموا في إضعافها وترهلها وفي تعطيل المؤتمرات الحركية، لأن مراكزهم في السلطة أهم من الحركة"، وقال البرغوثي: "إذا كان 75% من أبناء الحركة دون الأربعين عاماً، فهل يجوز تمثيل الشبيبة بـ1% فقط، أي عشرة أشخاص!"، وفاز في المؤتمر وكان ترتيبه الثالث، أما في المؤتمر السابع للحركة 2016، فقد فاز باكتساح، وعزت قيادات فتحاوية فوزه لأن لديه رمزية الأسير.

قائد إضراب السجون

وفي عام 2017، كانت نقطة تحول في علاقة البرغوثي مع القيادة الفلسطنية، حين قاد البرغوثي إضراب "الكرامة" مع عدد من رموز الأسرى أهمهم ناصر عويص، واعتبرت القيادة الفلسطينية الحراك في الشارع محاولة للانقلاب على عباس، ما جعل زوجته فدوى تعتصم عند ضريح الرئيس ياسر عرفات (أبو عمار) تعبيراً عن رفضها لما تتعرض له وأهالي الأسرى المضربين من قمع من الأمن الفلسطيني، ولاحقاً انتهى الإضراب بتدخل مباشر من قيادات فتحاوية من خارج المعتقل. واتهمت زوجته فدوى اللواء جبريل الرجوب خلال اجتماع للمجلس الثوري لحركة "فتح" "أنه تآمر مع قيادات فتحاوية أخرى على إضراب الأسرى".

زلزال آخر

زلزال آخر قام به البرغوثي من داخل سجن هداريم عندما أعلن عن دعمه قائمة "الحرية" للانتخابات التشريعية التي كانت مقرّرة في مايو/ أيار 2021، مقابل قائمة حركة "فتح" الرسمية، وأكد نيّته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في يوليو/ تموز من العام ذاته من دون توافق مع قيادة "فتح"، وكان هذا أحد أسباب قيام عباس (أبو مازن) بإلغاء الانتخابات بذريعة رفض الاحتلال مشاركة القدس، لكن السبب الحقيقي هو تقدير موقف قدمه الاحتلال بأن الانتخابات ستقود لتفكك ما تبقى من حركة "فتح"، إذ تعدّدت قوائمها وازداد الغضب في قاعدتها ما جعل الرئيس (أبو مازن) يقدم على فصل العشرات من الفتحاويين من المجلس الثوري وغيره من الهيئات؛ لأنهم لم ينصاعوا لأوامره بعدم المشاركة بأيّ قوائم غير رسمية للحركة.

وفي 11 فبراير/شباط 2021، أكّدت الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة "فتح" في سجون الاحتلال الإسرائيلي، في بيان، أنّ عضو اللجنة المركزية للحركة، رئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ، زار الأسير القيادي في الحركة مروان البرغوثي في سجنه، وعرض عليه الانسحاب من المشهد الانتخابي.

المساهمون