مخاوف إسرائيلية من سعي نتنياهو لشن عدوان على إيران لتأجيل الانتخابات

22 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 17:06 (توقيت القدس)
آثار القصف الإسرائيلي على غيلان، إيران، 19 أغسطس 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتصاعد الجدل في إسرائيل حول نزاهة الانتخابات واحتمال تأجيلها، وسط تكهنات بأن نتنياهو قد يسعى لتأجيلها بذريعة حالة طوارئ أمنية.
- يحذر نفتالي بينت من تأجيل الانتخابات ويحث الأجهزة الأمنية على عدم الانصياع للضغوط السياسية، مشددًا على أهمية نزاهة العملية الانتخابية.
- يصف المحلل السياسي يوسي فيرتر السلوك الحكومي بأنه إجرامي، مشيرًا إلى محاولات تعطيل الانتخابات، ويؤكد بينت على ضرورة وحدة المعارضة لمواجهة نتنياهو.

يتصاعد الجدل في إسرائيل في هذه الأيام حول احتمال المسّ بنزاهة الانتخابات المقبلة للكنيست الإسرائيلي، التي يُفترض أن تجري في أكتوبر/تشرين الأول 2026، أو ربما سعي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى تأجيلها بذرائع مختلفة، منها شن عدوان جديد على إيران. كما وُجهت رسائل إلى رؤساء الأجهزة الأمنية من عواقب تعاونهم مع نتنياهو لتأجيل الانتخابات.

واكتسبت النقاشات حول الانتخابات زخماً إضافياً، عقب نشر رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينت، الذي يستعد للعودة والمنافسة في الانتخابات المقبلة، بيانا أمس الأحد، استوقف وسائل الإعلام الإسرائيلية التي وصفه بعضها بالاستثنائي. وأوضح بينت أنه تلقى تساؤلات من "عدد لا يحصى من الناس حول ما إذا كانت الانتخابات ستُجرى أصلاً"، ووعد: "لن نسمح لأي أحد بتأجيل أو تعطيل الانتخابات". وكتب أنه يتوجه إلى قادة الأجهزة الأمنية وإنفاذ القانون، موضحاً أنه يدرك حجم الضغوط الهائلة التي تُمارس عليهم، لكنه يطلب: "لا توافقوا على خرق القانون أو التلاعب بالقواعد بسبب ضغط سياسي. أنتم مسؤولون عن أفعالكم. لا تخافوا. قريباً سيتم استبدال الحكومة الحالية".

يُنشر هذا البيان، برأي المحلل العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل، "في ظل تقديرات وتكهنات تصاعدت بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة، تفيد بأن نتنياهو لا يكتفي بإدارة حرب لا نهاية لها ضد حماس في غزة، بل سيبحث عن ذرائع لتأجيل الانتخابات إلى ما بعد موعدها المحدد قانونياً في أكتوبر 2026، بحجة حالة طوارئ أمنية".

ولفت إلى أن منظمات الاحتجاج وكتل المعارضة تتحدث كثيراً عن نية للإضرار بنزاهة الانتخابات، وردع الناخبين العرب عن التصويت، والسعي إلى استبعاد الأحزاب العربية من المنافسة، مضيفاً: "حتى الآن، لا يلمّح نتنياهو إلى أن هذه هي نيته. لكن إذا تحقق مثل هذا السيناريو، فسيكون من الضروري وجود سياق أمني، ومن المشكوك فيه أن يكون الاحتكاك العسكري المستمر في غزة كافياً لذلك".

لكن الأهم من كل ذلك، برأي الكاتب، هو خلفية الخلاف، إذ "يبدو أن بينت يلمّح إلى أن الحكومة تنوي تصعيد التوتر مجدداً في الساحة الإيرانية". وأضاف الكاتب: "نتنياهو سعى إلى مهاجمة مواقع نووية في إيران تقريباً فور المجزرة التي ارتكبتها حماس في منطقة غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023. لاحقاً، في نهاية عام 2024، أمر رئيس الحكومة بتسريع الاستعدادات للهجوم على إيران، والذي حصل على الموافقة النهائية من رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، في بداية يونيو/حزيران الماضي. حتى بعد انطلاق العملية، كان هناك في الجيش الإسرائيلي من تساءل إلى أي مدى يتصرف نتنياهو بدوافع شخصية وسياسية، مثل محاولة الحصول على تأجيل إضافي في محاكمته"، لكن "تركيبة الظروف التي نشأت، (من قبيل) مؤشرات على تقدّم معين في البرنامج النووي الإيراني، والإنتاج المكثّف للصواريخ الباليستية، والفرصة النادرة التي وفّرتها موافقة ترامب، دفعتهم إلى دعم الهجوم".

والسؤال، وفق هارئيل، "ماذا سيحدث إذا تكررت هذه الأمور خلال العام المقبل، في توقيت يناسب نتنياهو؟ بينت، الذي شغل منصب مدير مكتبه عندما كان زعيم المعارضة، ثم أصبح حليفاً سياسياً له، يعرف جيداً كيف يتصرّف نتنياهو عندما يكون في موقف صعب. البيان صيغ بشكل غامض وموارب بما يكفي لجذب انتباه الإعلام، ولكنه أيضاً يوجه رسالة إلى موظفي القطاع العام المعنيين. ومع ذلك، أكثر من كونه موجّهاً إليهم، فإن بينت يبعث برسالة إلى نتنياهو مفادها أنه يتابع تحركاته وخططه عن كثب".

وتقف في خلفية ذلك بحسب الكاتب "عملية الاغتيال الفاشلة التي استهدفت فريق التفاوض التابع لحماس في قطر، مطلع الشهر الجاري. وعلى الرغم من أن معظم كبار مسؤولي المؤسسة الأمنية عارضوا الهجوم لأسباب متعددة، يصعب القول إنهم أظهروا موقفاً حازماً أو استقلالية ملحوظة خلال عملية اتخاذ القرار. نتنياهو أصرّ على تنفيذ العملية الفاشلة، التي أضرت بمفاوضات إطلاق سراح المختطفين (المحتجزين الإسرائيليين في غزة)، وعقّدت العلاقات مع الوسيط القطري، وكشفت قدرات عسكرية حساسة، وقد تم تنفيذها بالفعل. بينت يوجّه لهم رسالة: نحن نراقبكم. حتى هذه الحكومة المتهورة والمستهترة ستنهي ولايتها في نهاية المطاف، وأنتم أيضًا ستُحاسبون على سلوككم تحت سلطتها".

ردّة فعل طبيعية على السلوك الإجرامي للحكومة

من جانبه، كتب المحلل السياسي في الصحيفة ذاتها، يوسي فيرتر، أن "الخطاب حول تعطيل الانتخابات أو تأجيلها ينتشر أخيراً كأنه وباء في الأوساط الليبرالية على الخريطة السياسية وبين ناخبي المعارضة. إنها ردّة فعل طبيعية في ظل السلوك الإجرامي والمافيوي الذي ينتهجه الائتلاف الحاكم، والذي يدوس على كل قاعدة أساسية ويخوض حرباً ضد الجهاز القضائي بحزم لا يقل عن ذلك الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي في مناوراته داخل غزة".

وبرأيه فإن بيان بينت، "يحمل في طياته تحذيراً وتهدئة. من جهة، تحذير لأصحاب المناصب في جميع الأجهزة والمستويات، كي لا يخضعوا لنظام الضغوط الهائل الذي يُمارس عليهم من جانب الحكومة والوزراء. ومن جهة أخرى، تهدئة للجمهور المتزايدة خشيته، من أن يفقد الأمل ويعتقد أن المعركة خاسرة".

ولفت الكاتب إلى أنه "مثل أي سياسي من صفوف المعارضة البرلمانية والجماهيرية، يُسأل بينت في كل لقاء مع ناخبين قلقين عن سيناريو الرعب المتمثّل في انتخابات ملوّثة أو عدم إجراء انتخابات على الإطلاق. وهو يشرح لماذا لا يمكن تأجيل الانتخابات، فالقانون يسمح بذلك فقط بأغلبية 80 عضو كنيست. في المقابل، فإن التعطيل، والتدخل، والإضرار بنزاهة الانتخابات بطرق مختلفة، أو رفض قبول نتائجها لاحقاً، كلها أمور ممكنة. عندما يتحدث بينت عن الضغوط الهائلة التي تُمارس على مسؤولين في القطاع العام، فإنه يقصد رئيس الأركان إيال زامير، الذي يتعرّض لهجمات قاسية من نتنياهو ووزرائه، والمفتش العام للشرطة داني ليفي، الذي يواجه وضعاً مشابهاً أمام الوزير إيتمار بن غفير، والوزراء مثل شلومو كرعي، وماي غولان، وميري ريغيف، المسؤولين عن تعيينات فاسدة، وبالطبع أيضاً التهديدات المستمرة ضد القضاة والمدعين العامين. عند اقتراب موعد الانتخابات، يقول بينت، سيكون لكل ما نشهده اليوم أهمية حاسمة في مدى نزاهة العملية الانتخابية".

ويرى الكاتب أن المعسكر الذي يقوده بينت حالياً، "من حيث عدد المقاعد، لن يفوز في الانتخابات المقبلة باللطف أو بافتراض أن كل شيء سيسير بسلاسة، بلطف وبنزاهة. فالخلل موجود منذ زمن: على طاولة الكنيست قُدمت في الدورة السابقة اقتراحات قوانين، كل واحدة منها تمثل اعتداءً على نزاهة الانتخابات. على سبيل المثال: قانون يسلب المحكمة العليا صلاحية التدخّل في قرارات لجنة الانتخابات المركزية (وهي لجنة سياسية) بشأن المصادقة على المرشحين أو استبعادهم، قانون يمنع من يعبّرعن تأييده لحركة المقاطعة BDS من المشاركة في الانتخابات، قانون مناهض لبينت، ينص على أن الأموال التي يجمعها أي حزب جديد تُستخدم أولاً لسداد الديون، قوانين تتيح استبعاداً شبه شامل للقوائم والمرشحين العرب، قانون ينص على أن رئيس لجنة الانتخابات المركزية يُنتخب من رئيس الكنيست بدلاً من رئيس المحكمة العليا، قرار من رئيس الكنيست بإدخال اثنين من نشطاء الليكود إلى اللجنة المسؤولة عن تمويل الأحزاب، والتي تتكون من ثلاثة أعضاء، وغيرها من الأنظمة والتعليمات المؤقتة على هذا المنوال".

ولم يُقر أي من اقتراحات القوانين المذكورة في القراءة التمهيدية خلال دورة الصيف في الكنيست، وذلك بالأساس، بسبب المقاطعة التي فرضتها الأحزاب الحريدية في ظل الخلافات حول قانون التهرّب من الخدمة العسكرية العالق. إلى جانب محاولات الإحباط عبر التشريعات، يرى الكاتب أن هناك أيضاً الواقع نفسه، الذي يهاجم الجمهور الليبرالي على مدار الساعة. وتتمثل هذه الهجمات أساساً في "المضايقات المستمرة من جانب الوزراء وأعضاء الائتلاف ضد الجهاز القضائي، والمستشارة القانونية للحكومة، والمحكمة العليا، والقيم الوطنية الأساسية". وأضاف الكاتب: "عدم الاعتراف برئيس المحكمة العليا، على سبيل المثال، يُعد أمراً حاسماً في سياق الانتخابات. أما الدعوات لتجاهل أحكام المحكمة العليا، فهي مجرد مقدّمة للأحكام التي قد تصدر خلال الحملة الانتخابية".

وتابع فيرتر، بأن "كل المؤشرات المثيرة للقلق تتراكم أمامنا. ليس فقط بينت مدرك للخطر، بل أيضاً يئير لبيد، وغادي أيزنكوت، وأفيغدور ليبرمان، ويئير غولان، لا يغضّون الطرف عمّا يحدث. من الواضح لهم أن ائتلافًا يتصرف كمنظمة إجرامية طوال العام لن يتوب في سنة الانتخابات، التي ستبدأ رسميًا في دورة الشتاء القادمة".

ويضاف إلى المشاكل المعروفة، التعيين المرتقب للواء المتقاعد دافيد زيني رئيساً لجهاز الشاباك. يقول فيرتر في هذا السياق: "هذا أيضاً منصب لا يقل أهمية في سياق الانتخابات. يورام كوهين، أحد من سبقوه في المنصب، ذكّر في لجنة غرونيس (المسؤولة عن تعيين مسؤولين في المناصب العليا) كيف طلب نتنياهو من رئيس الشاباك (سابقاً) نداف أرغمان إصدار بيان يفيد بأن بني غانتس لا يمكن أن يكون مرشحاً لرئاسة الحكومة لأنه ‘قابل للابتزاز‘، في إشارة إلى قضية اختراق إيران لهاتفه المحمول خلال انتخابات عام 2019. أرغمان قال لا. وكذلك فعل رونين بار (الرئيس السابق للشاباك)، الذي رفض مطالب غير قانونية أخرى من نتنياهو تتعلق بمحاكمته. وكذلك يورام كوهين. فكيف سيتصرف زيني في مواقف مشابهة؟ إذا حكمنا من خلال تصريحاته السابقة، فهناك ما يدعو للقلق".

وخلص الكاتب إلى أنه "يمكن القول إن المؤامرة لتخريب الانتخابات المقبلة وُلدت مساء 4 يناير (كانون الثاني) 2023، عندما أطلق وزير القضاء (ياريف ليفين) الانقلاب القضائي. تفكيك الجهاز القضائي من الأعلى إلى الأسفل كان يهدف، من بين أمور أخرى، وربما منذ البداية، إلى القضاء على أي احتمال لتغيير الحكم في المستقبل. وحتى في السنوات السابقة لم تكن هناك ندرة في الإجراءات والنيات. ففي انتخابات عام 2019، حاول حزب الليكود تمرير قانون الكاميرات، الذي سعى إلى إدخال آلاف الكاميرات إلى صناديق الاقتراع في البلدات العربية. المستشار القضائي للكنيست آنذاك، إيال يانون، قرر في رأيه القانوني أن الظروف تمثل مساساً بالمساواة، وتتطلب تشريعاً بأغلبية خاصة، لا تقل عن 61 عضو كنيست. لم تُحقق الأغلبية الخاصة، وتم إلغاء الاقتراح لأن رئيس الكنيست آنذاك، يولي إدلشتاين، قرر الالتزام بالرأي القانوني".

"رسالة خفية"

بالمقابل، يطرح المحلل السياسي في موقع "والاه العبري"، يهودا شليزنرغ، رأياً مختلفاً، ويرى نيات مختلفة لدى بينت. وكتب في السياق، "لا يحتاج المرء لأن يكون عبقرياً أو محللاً سياسياً مخضرماً كي يفهم أن خلف تصريح نفتالي بينت، حول خطر إلغاء الانتخابات تكمن نية أخرى، رسالة خفية، ومناورة إعلامية. يكفي فقط أن نقرأ ونفتح أعيننا. بينت يكتب بوضوح، لن نسمح لأي أحد بتأجيل أو تعطيل الانتخابات، ثم يناقض نفسه فوراً ويشرح أن تأجيل الانتخابات يمكن أن يحدث فقط عبر 80 عضو كنيست، ولا يوجد مثل هذا العدد. إذا كان لا يوجد مثل هذا العدد، ولا يوجد خطر حقيقي، فلماذا إذاً هذا التصريح؟".

الجواب برأي الكاتب، هو أن "الأمر ليس من أجل لا شيء. نفتالي بينت لا يخشى فعلياً إلغاء الانتخابات، ولا يهدد نتنياهو. البيان موجّه إلى زملائه في المعسكر، وعلى رأسهم يئير لبيد، الذي بادر أول من أمس، إلى خطوة قيادية من خلال عقد لقاء لرؤساء المعارضة. بينت يقول للبيد، بعبارات أخرى: لا تتوهم أنك القائد الوحيد، أنا من يقود".

واعتبر الكاتب أن "بيان بينت هو بمثابة الطلقة الافتتاحية الرسمية لما نتوقّع أن نشهده في سنة الانتخابات المقبلة داخل معسكر التغيير. هناك رسالتان رئيسيتان تتعارضان أحياناً. من جهة، يجب على المعسكر أن يُظهر جبهة موحدة، ومن جهة أخرى، كل زعيم حزب يريد أن يقود ويحصل على أكبر عدد ممكن من المقاعد. الخوف هو من التركيز على الجهد الشخصي في محاولة قيادة المعسكر، مما قد يؤدي إلى خسارة الانتخابات... اللقاء الذي جرى عند يئير لبيد، والبيان الذي صدر بعده، كانا يهدفان إلى إظهار التعاون، التفاهمات، الجدية ووحدة الهدف، أي قبضة حديدية موحدة في مواجهة نتنياهو. أما بيان بينت، فيذكّر بأن الوحدة أمر جميل، لكن المعركة على قيادة المعسكر لن تكون سهلة بالنسبة للمتنافسين".