محمد منظور… واجهة جديدة للنظام المصري

محمد منظور… واجهة جديدة للنظام المصري

07 مارس 2021
يشغل منظور منصب نائب رئيس حزب مستقبل وطن (العربي الجديد)
+ الخط -

يمضي النظام المصري في تنفيذ خطته طويلة الأمد للاستحواذ على وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك الموالية له، تنفيذاً لعبارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المؤسسة لهذا التيار "يا بخت (جمال) عبد الناصر بإعلامه"، والتي قصد بها منذ توليه رئاسة مصر في 2014 السيطرة الكاملة على الفضائيات والصحف على مرحلتين أساسيتين: الأولى عبر تأميم المحتوى وقمع الأصوات المعارضة ومنابع الأفكار المخالفة لسياساته، وهي التي أنجزت بشكل كامل بعد إنهاء أزمة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. أما الثانية فهي إحكام السيطرة على رأس المال، وإدارة ما يمكن شراؤه من مؤسسات إعلامية مملوكة لرجال الأعمال التقليديين، بواسطة مجموعة جديدة من رجال الأعمال يشكلون واجهة إدارية واقتصادية فقط للأجهزة السيادية والأمنية والصناديق الاستثمارية الخاصة بها.

اشترى منظور نصف أسهم قناة المحور الفضائية التي أسسها وأدارها حسن راتب

وفي اليومين الماضيين، استجدت بعض التطورات في هذا الملف جرّاء إعلان رجل الأعمال، عضو مجلس الشيوخ، محمد منظور، والذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس حزب مستقبل وطن، عن شرائه نصف أسهم قناة المحور الفضائية، والتي أسسها وأدارها حسن راتب، رجل الأعمال المنتمي لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، والموالي للرئيس الحالي أيضاً. وكان راتب كرّس قناته منذ عام 2013 لخدمة أهداف النظام المصري. ولم يبدِ راتب طوال السنوات السبع الماضية أي مواقف معارضة للنظام أو دوائره، محاولاً تحقيق أكبر قدر من الاستفادة والحماية لمشروعاته الأخرى، وعلى رأسها جامعة سيناء الخاصة التي تعتبر إحدى أكثر المؤسسات التعليمية الخاصة تحقيقاً للأرباح، وشركة سما للتنمية العمرانية، وهي مالكة لعدد من المشروعات السياحية والعقارية.
وقال مصدر من داخل القناة لـ"العربي الجديد" إن تخلي راتب عن "المحور" كان مسألة وقت، بسبب ارتفاع تكاليف تشغيلها وانهيار عوائدها المالية، مما كان سبباً في مشاكل عديدة أعاقت انتظام صرف الرواتب وأدت إلى تقليل العمالة منذ عامين تقريباً. وبالنظر إلى السوق الإعلامية التي تشهد حالة عزوف جماعي من المستثمرين عن الدخول كمنافسين للأجهزة السيادية، وجد راتب أن الصفقة الأفضل بالنسبة له بيعها لأحد هذه الأجهزة بشكل مباشر، لكنه طلب السماح له بالظهور الإعلامي فيها بصورة غير دورية، علماً بأنه كان يستأثر لفترات بتقديم بعض الفترات المفتوحة بصحبة فنانين ورجال أعمال من أصدقائه.

ومرّت القناة بحالة انعدام وزن بسبب التدخلات المخابراتية والأمنية في إدارة راتب لها وتقاطعها مع خلافاته مع القيادات التحريرية في القناة. فمنذ بداية 2020، تعاقب على القناة أربعة رؤساء، باختصاصات وتسميات مختلفة، تبادلت الأجهزة وراتب الاعتراض على أداء كل منهم لأسباب مختلفة. واستقرت رئاسة القناة حالياً عند الصحافي عمرو الخياط، الموثوق لدى الأمن الوطني تحديداً، والمرضي عنه أيضاً من قبل جهاز المخابرات العامة. مع العلم أن الخياط يرأس تحرير صحيفة أخبار اليوم منذ عام 2017، ويخصص مقاله الأسبوعي في أحيان كثيرة لمهاجمة المعارضين وذوي الأفكار المختلفة عن الاتجاه الرسمي.
لكن أبرز ما يلفت الانتباه في صفقة المحور هو إسناد ملكيتها لمحمد منظور، الذي ظهر من العدم تقريباً عام 2015 كمرشح لحزب مستقبل وطن عن دائرة مصر الجديدة والنزهة، قبل أن يحقق صعوداً في السنوات التالية، ليصبح الآن نائباً لرئيس حزب مستقبل وطن وعضواً في مجلس الشيوخ منتخباً ضمن القائمة الموحدة، وعضواً معيناً باتحاد الغرف التجارية، ورئيساً بالتزكية لغرفة شركات الأمن والحراسة.

أدار منظور شركة عائلية للأمن ما سمح له بتوطيد علاقته بعدد من قيادات الشرطة

وحتى عام 2014، لم يكن منظور معروفاً بالمرة في مجتمع الأعمال، وكان نشاطه مقتصراً على إدارة مؤسسة خيرية محدودة النشاط باسم والده إسماعيل منظور، وإدارة شركة عائلية للأمن اسمها "الفرات". ومن خلال هذه الشركة توطدت علاقته بعدد من قيادات الشرطة السابقين الذين خرجوا من الخدمة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، وبواسطتهم توسعت أعمال الشركة وحصلت على الترخيص الأول من وزارة الداخلية لأعمال التأمين والحراسة ونقل الأموال، بعد صدور قانون تنظيم هذا المجال عام 2015.

ومدفوعاً بهذه العلاقة، حصل منظور على ترشيح حزب "مستقبل وطن" في انتخابات مجلس النواب 2015، لكنه خسر وحصل على المركز الخامس غير المؤهل لجولة الإعادة، وفاقم إخفاقه سوءاً أنه خسر أمام ضابط جيش سابق خاض الانتخابات مستقلاً هو مدحت الشريف، والناشط كريم سالم، المتحدث الرسمي السابق باسم حملة أحمد شفيق لرئاسة الجمهورية قبل حلها. وعلى الرغم من الخسارة، حافظ منظور على موقعه في حزب مستقبل وطن الذي كان يديره في ذلك الوقت محمد بدران، مدعوماً بشكل مباشر من المخابرات العامة. وعند صعود الرئيس الحالي للحزب أشرف الشريف بدلاً من بدران، معبراً عن انتقال الإدارة اليومية للحزب من المخابرات العامة إلى الأمن الوطني، استقال منظور معلناً تأسيس جمعية جديدة حملت اسم "من أجل مصر". وجاءت هذه الجمعية لتكون في طليعة جمعيات صغيرة أنشأها المقربون من النظام، في محاولة لملء الفراغ المجتمعي في مجال العمل الأهلي، والذي تسبب فيه قمع النظام للجمعيات الأهلية الإسلامية والحقوقية، وتزامناً مع صدور قانون العمل الأهلي سيئ السمعة عام 2017 والذي ألغي في أغسطس/آب 2019. لكن بعد بضعة أشهر عيّن الحزب منظور كنائب لرئيسه، أي أنه تم تصعيده لا إقصاءه.

ويروج منظور- البالغ من العمر 43 عاماً- لسيرته الذاتية كحاصل على درجة البكالوريوس والماجستير في إدارة الأعمال من جامعة لوارس في الولايات المتحدة الأميركية، وأنه كان رئيساً لاتحاد الطلبة المصريين والعرب في فترة دراسته. لكن المعلومات المتوافرة عنه في غرف رجال الأعمال المصريين محدودة للغاية وتقتصر على دفعه للواجهة من خلال شركة الأمن التي بدّل اسمها إلى "فورسز"، وأصبح زيها الموحد شبيهاً بأزياء عناصر العمليات الخاصة في الجيش المصري، ثم افتتاحه مشروعا آخر أصغر يتمثل في شركة "غلوبال إنتغريتد للخدمات البترولية".

وتشير المؤشرات إلى أن منظور- الذي توسع في الدعاية لنفسه بعد عضوية مجلس الشيوخ- سيكون أحد الواجهات الرئيسية لاستحواذات الأجهزة السيادية، إذ طُرح اسمه لأول مرة في الأوساط الإعلامية منذ ثلاثة أشهر، وسط مفاوضات المخابرات العامة مع رجل الأعمال صلاح دياب مالك صحيفة "المصري اليوم"، باعتباره سيكون رئيس مجلس الإدارة الجديد للصحيفة، والمالك المعلن لأكثرية حصص الأسهم. لكن مصادر مختلفة أوضحت في الساعات الأخيرة أيضاً أن منظور ربما يكون قد استُبعد من صفقة "المصري اليوم"، بالتزامن مع إتمام صفقة قناة المحور، مؤكدة أن دياب بصدد التخلي عن ملكية المؤسسة الأثيرة لديه خلال أيام معدودة بعد إتمام عملية إعادة هيكلتها وتقليل العمالة بها.

وربما يكون منظور من الواجهات الجديدة المعروفة التي يتم تقديمها للعامة، مثل العديد من سابقيه كرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة والضابط السابق ياسر سليم، لكن نمط الواجهات الإدارية لملكيات الأجهزة السيادية والجيش ليس حكراً على هذا النوع من الشخصيات، بل يمتد ليشمل العشرات من الضباط السابقين وأفراد أسرهم والعاملين في المخابرات العامة والأمن الوطني وغيرهم من الأسماء غير المعروفة التي باتت تظهر على لوائح ملكية أسهم المؤسسات الاقتصادية والإعلامية دونما سابقة عمل أو شهرة أو ثروة.

المساهمون