محمد بنعيسى.. وزير مغربي حوّل مسقط رأسه أصيلة إلى قبلة للمثقفين

غيّب الموت وزير الخارجية المغربي السابق محمد بنعيسى، ليل الجمعة، عن عمر ناهز 88 عاماً، وذلك بعد صراع طويل مع المرض، لتطوى بذلك صفحة شخصية طبعت المشهد السياسي والدبلوماسي والثقافي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني ووريثه الملك محمد السادس. وأدخل محمد بنعيسى الذي كان شاهداً عياناً على أحداث سياسية محلية ودولية منذ سبعينيات القرن الماضي، قبل أيام إلى المستشفى العسكري بالعاصمة المغربية الرباط، بتعليمات من الملك محمد السادس، وذلك بعد أن ساءت حالته الصحية بشكل مفاجئ في إحدى المصحات الخاصة بمدينة الرباط.

أبصر بنعيسى النور في 3 يناير/ كانون الثاني 1937 بمدينة أصيلة في شمال المغرب، وتابع فيها دراسته الابتدائية قبل الانتقال إلى مدينة تطوان (شماليّ المغرب)، ومدينة الإسكندرية المصرية التي أكمل فيها دراسته الثانوية قبل أن يضطر إلى العودة إلى المغرب بسبب العدوان الثلاثي على مصر.

وفي عام 1960 سيعود بنعيسى إلى أرض الكنانة هذه المرة لدراسة الصحافة لسنة واحدة في جامعة القاهرة، قبل أن يولي وجهه شطر الولايات المتحدة الأميركية، حيث سيحصل هناك على شهادة البكالوريوس في علوم الاتصال من جامعة مينيسوتا عام 1961، ثم منحة من مؤسسة روكفلر لإجراء أبحاث بجامعة كولومبيا عام 1964. وفي عام 2007، حصل على دكتوراه فخرية في القانون من جامعة مينيسوتا.

يمتلك محمد بنعيسى سيرة سياسية تمتد في الزمن طويلاً، بدأها في عام 1976 حينما انتُخب مستشاراً في المجلس البلدي لمدينة أصيلة، ثم نائباً برلمانياً عام 1977، ورئيساً لبلدية أصيلة لأكثر من 40 سنة. كذلك تمكن في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 من الظفر بعضوية مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي) عن حزب الأصالة والمعاصرة المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي.

آداب وفنون

التحديثات الحية

"موسم أصيلة": أسئلة الديمقراطية والعدالة والذكاء الاصطناعي

يوصف الراحل بأنه واحد من رجالات الدولة المغربية الذين تحملوا مسؤوليات وزارية ودبلوماسية بعضها دقيق وحساس، مثل وزارة الخارجية من 1999 إلى 2007، ووزارة الثقافة بين 1985 و1992. كذلك عُيِّن سفيراً للمغرب في واشنطن من 1993 إلى 1999، وملحقاً إعلامياً بالبعثة المغربية لدى الأمم المتحدة بين عامي 1963 و1965، ثم عمل في دائرة الإعلام بالأمم المتحدة واللجنة الاقتصادية لأفريقيا في أديس أبابا. كذلك التحق بمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) حيث شغل منصب مستشار إقليمي في الإعلام بأفريقيا، ورئيس قسم الاتصال في روما، ثم مدير دائرة الإعلام بالمنظمة. في عام 1975، أصبح الأمين العام المساعد لمؤتمر الغذاء العالمي للأمم المتحدة.

لم يكن بنعيسى مشغولاً بالشأن السياسي والدبلوماسي فقط، بل كانت عيناه كذلك على الثقافة وقضاياها إلى حد أنه لقب بـ"الوزير العاشق للثقافة"، حيث عمل على تأسيس "جمعية المحيط الثقافية" التي تحولت لاحقاً إلى "مؤسسة منتدى أصيلة"، وأطلق مهرجان أصيلة الثقافي الدولي، منصةً ثقافيةً وسياسيةً ودبلوماسيةً موازيةً لاستقطاب أصوات أفريقية ودولية لدعم قضايا المغرب والمنطقة.

خلال مساره الذي امتد لسنوات طويلة، حصل محمد بنعيسى على عدة جوائز، منها جائزة الأغا خان للهندسة المعمارية لمشروع التنمية الحضرية لمدينة أصيلة عام 1989، وميدالية بيرو البلدية عام 2003، وجائزة رجل السنة الثقافية من مؤسسة الفكر العربي في السنة نفسها، وجائزة الشيخ زايد (شخصية العام الثقافية) عام 2008. فضلاً عن جائزة الإنجاز في دبلوماسية حل الصراعات وحقوق الإنسان من مؤسسة كيميت بطرس غالي للسلام في مصر عام 2022. كذلك كان عضواً في العديد من المؤسسات الفكرية مثل منتدى الفكر العربي، ومجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، ومركز البحرين للدراسات الاستراتيجية.