"إذا ضاقت بكم الدنيا اذهبوا إلى الجزائر"، يحفظ الفلسطينيون عن الزعيم الراحل ياسر عرفات هذه المقولة التي جاءت في ظرف وسياق غير الظرف والسياق الراهنين، ومع ذلك فإن الجزائر، وهي البلد التي لم تتغيّر محددات علاقته بالقضية الفلسطينية نصاً وروحاً، تحاول مجدداً تدوير العجلة باتجاه غير الذي تدفعها إليها الرياح والأحداث والتحولات الحاصلة في الأطراف والمواقف، لعل وعسى يحدث المأمول.
خلال أيام يعقد في الجزائر مؤتمر الحوار الفلسطيني برعاية الرئيس عبد المجيد تبون، ويمكن أن يأخذ ذلك عناوين كثيرة، على غرار التمهيد للقمة العربية المقبلة في الجزائر، المقررة في مارس/آذار المقبل، واستعادة الدور المتقدم في المسألة الفلسطينية، ومحاولة الجزائر القيام بعمل عكسي إزاء هجمة التطبيع ونقل اللعبة السياسية إلى داخل مربع الجغرافيا الفلسطينية.
نظرياً، لا شيء يمنع الجزائر من المحاولة على صعيد توحيد الصف الفلسطيني، أو تحقيق تقارب نسبي بشأن خيار إنهاء الانقسام الداخلي والعودة إلى مربع المشروع الوطني المشترك.
وهي بلاد لا تزال تتكئ على رصيد متجدد من العنفوان والمواقف الثورية، ولها سوابق ناجحة في التمكين للفلسطينيين منذ احتضان أولى كتائب فتح وتسليحها إلى غاية دورة المجلس الوطني لإعلان قيام الدولة في نوفمبر/تشرين الثاني 1988، أو في محافل دولية (خطاب عرفات في الأمم المتحدة عام 1974).
لكن ومع ذلك كله، يتوجب الإقرار بعيداً عن الشوفينية التي تطبع في الغالب فهم الأحداث وتفسير المواقف، بأن الأمر لن يكون يسيرا على الجزائر أو على غيرها (وقد حاولت السعودية نفسها باتفاق مكة عام 2007) لتحقيق منجز على صعيد توحيد الموقف الفلسطيني.
دون ذلك عقبات كثيرة، لا تتعلق فقط بخلافات الداخل التي يغذيها صراع الإرادات بين مشروع المقاومة والتحرير ومشروع التطبيع مع الأمر الواقع، ولكن أيضاً لكون الإرادات الفلسطينية غير ممسكة بزمام أمورها، فيما قرارها موزع بين عواصم عربية متباينة هي الأخرى في المواقف والخيارات.
لذلك فإن المسألة تتجاوز رغبة الفلسطينيين أنفسهم، وربما هذا ما يفسر الزيارات الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى عواصم عربية ذات صلة بالقرار الفلسطيني.
قبل ثلاث سنوات ألقى المناضل الجزائري القومي الراحل لخضر بورقعة خطاباً في مؤتمر قومي عقد في تونس، توجّه فيه إلى قادة فصائل فلسطينية كانت تحضر المؤتمر.
وجاء في الخطاب: "هل تدركون لماذا انتصرت ثورة الجزائر على احتلال فرنسي شبيه بالاحتلال الصهيوني؟ لأن قرار الثورة كان قراراً جزائرياً، وحين حاول المصريون التدخل في القرار الجزائري، لم يكن بد من رحيل القيادة من القاهرة"، ونقل مقر قيادة الحكومة المؤقتة إلى تونس.
كان بورقعة يعني ما يقول تماماً، ويدرك أن إخفاق الفلسطينيين في بناء برنامج وطني والتوافق على مشروع تحرير موحّد، سيصعب المعركة مع المحتل ويعقد ظروفها ويضعف عوامل تحقيق إنجاز فلسطيني على صعيد استعادة الحقوق التاريخية وأولها حق مقاومة الاحتلال، بل حوّل هذا الإخفاق المعركة إلى الداخل الفلسطيني نفسه. وهذا ما يمكن أن يفسر بوضوح تمدد دولة الاحتلال في الزمان والمكان، وانكماش فلسطين في الخريطة العربية.