استمع إلى الملخص
- تواجه الوزارة تحديات في إقناع الفصائل بتسليم السلاح والانضمام للجيش الجديد، مع رفض بعض الفصائل التخلي عن نفوذها العسكري، وتحفظات على تعيين مرهف أبو قصرة وزيراً للدفاع.
- تعتبر الاتفاقات العسكرية الحالية خطوات إيجابية نحو استعادة السيطرة الكاملة على الأراضي السورية، ضمن استراتيجية طويلة الأمد لإعادة بناء سورية.
تسرّع وزارة الدفاع السورية الخطى باتجاه دمج غرفة عمليات الجنوب التي تضم فصائل درعا العسكرية، في الجيش السوري الجديد الذي تعمل هذه الوزارة منذ إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي على تشكيله من الفصائل التي واجهت النظام المخلوع في كل أرجاء البلاد، بحيث تكون كلها في إطار تنظيمي موحّد. لكن الأجواء الإيجابية التي تحرص الوزارة والفصائل على إظهارها في العلن، لا تُلغي وجود هواجس وعوائق وحتى اتهامات بوجود نيّات بالإقصاء.
وبحسب مصادر في وزارة الدفاع، تم الاتفاق أخيراً من حيث المبدأ على تشكيل أربعة ألوية عسكرية من الجنوب تابعة للوزارة، بقوام 15 ألف مقاتل من أبناء المنطقة، تشمل لواء في مدينة درعا، ولواء في ريف درعا الغربي والقنيطرة، وآخر في الريف الشرقي، بالإضافة إلى لواء يتم التحضير له في السويداء المجاورة لدرعا.
فصائل درعا ضمن فرقة واحدة
من جهته، بيّن أحد قادة الفصائل في الريف الغربي لدرعا، فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الألوية ستكون ضمن فرقة عسكرية واحدة سيكون مقرها في منطقة إزرع، مضيفاً: ستكون تحت قيادة العقيد بنيان الحريري. وكشف أن أفراد فصائل درعا سينضمون إلى الألوية بصفتهم الفردية، مضيفاً: سيخضعون إلى تدريب ضمن الألوية. سوف يتم تقديم رتب عسكرية للمقاتلين الذين قضوا 14 عاماً في مقاتلة النظام المخلوع. وبيّن أن وزارة الدفاع هي الجهة المخوّلة بالإعلان عن تفاصيل الاتفاق، مؤكداً أن "اللواء الثامن في ريف درعا الشرقي (أبرز القوى العسكرية في الجنوب) سيكون في الاتفاق. هذا مشروع وطني وسوف نكون كلنا في وزارة الدفاع والأمن العام".
وكانت وزارة الدفاع قد واجهت صعوبات في إقناع فصائل درعا بحل نفسها، والدخول بشكل إفرادي في الجيش السوري الجديد لا ككتل عسكرية واحدة لتجاوز الحالة الفصائلية وإنشاء جيش وطني واحد وموحد. وفي محافظة درعا العديد من القوى العسكرية لعل أبرزها ما كان يُعرف بـ"اللواء الثامن" والذي يقوده قائد سابق في الجيش السوري الحر هو أحمد العودة، والذي يتمركز في منطقة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي. وكان يُنظر إلى العودة على أنه "رجل روسيا" في جنوب سورية منذ عام 2018 وحتى الثامن من ديسمبر الماضي، فقوام فصيله مقاتلون سابقون في الفصائل التي كانت تقاتل قوات النظام المخلوع، وكانوا يتلقون الدعم العسكري والتدريب من القوات الروسية التي كانت موجودة في جنوب سورية.
مصدر مقرب من اللواء الثامن: مسار التفاوض مع اللواء لم يكن جيداً
وعلى الرغم من بروز ملامح إيجابية في هيكلة فصائل الجنوب ضمن الجيش السوري، إلا أن عوائق تواجه هذه المسألة، لا سيما فيما يتعلق بـ"اللواء الثامن"، إذ كشف مصدر مقرب من اللواء عن بعض تفاصيل المفاوضات بين دمشق وأحمد العودة، مشيراً إلى أن "مسار التفاوض مع اللواء الثامن لم يكن جيداً"، موضحاً أن اللواء رفع 80 اسماً دفعةً أولى للموافقة عليهم ضمن الهيكلية، لكن وزارة الدفاع لم توافق سوى على ثلاثة أسماء. ولفت المصدر إلى أن "هناك نيّات لوزارة الدفاع في دمشق بإنهاء اللواء الثامن بطرق سلمية، لكن قيادة اللواء لن تستسلم بسهولة لهذا الأمر".
ونشأت في الجنوب السوري شبكة مصالح ونفوذ فصائلي معقّدة تحول حتى اللحظة دون تسليم السلاح والدخول في جيش جديد من شأنه حرمان عدة فصائل من نفوذها العسكري المباشر في عموم محافظة درعا، وهو ما دفعها إلى عدم إظهار رغبة جادة في تسليم السلاح. كما أبدت بعض الفصائل تحفظاً على تعيين القائد العسكري لـ"هيئة تحرير الشام" مرهف أبو قصرة وزيراً للدفاع في حكومة تسيير الأعمال التي أعلنتها إدارة العمليات العسكرية فور سيطرتها على العاصمة.
وكانت فصائل الجنوب التي تضم العديد من الضباط المنشقين عن قوات النظام المخلوع، قد سيطرت على أسلحة ثقيلة ومتوسطة بكميات كبيرة من القطع العسكرية التي انسحبت منها قوات النظام المخلوع قبل يومين من سقوط الأسد. وكانت هذه الفصائل أول الداخلين إلى دمشق فجر الثامن من ديسمبر الماضي، وقامت بتوفير الحماية للعديد من المؤسسات الحكومية والدوائر الرسمية والسفارات، قبل دخول إدارة العمليات العسكرية العاصمة من الشمال الشرقي لدمشق قادمة من حمص. وانسحبت هذه الفصائل من دمشق في الثامن من ديسمبر لتفادي أي صدام عسكري مع إدارة العمليات العسكرية التي تسلمت مقاليد الأمور في دمشق.
وكانت الفصائل السورية قد توافقت نهاية الشهر الماضي على حل جيش النظام المخلوع وأجهزته الأمنية وتشكيل جيش جديد بعقيدة وطنية مختلفة عن تلك التي كان ينتهجها الجيش السابق، والذي أسهم في قتل وتهجير السوريين وتدمير مدنهم. ووافقت كل الفصائل على الاندماج في الجيش الجديد، ما خلا فصائل الجنوب و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ذات الطابع الكردي في التوجيه والقيادة، والتي تضع شروطاً للاندماج في الجيش الجديد، من بينها الدخول كتلةً عسكرية واحدة والاحتفاظ بالسلاح، وهو ما يجد رفضاً حتى اللحظة من الحكومة في دمشق. وتعتبر هذه الحكومة أن تجميع الفصائل والمليشيات كما هي في جيش جديد، يعزز الحالة الفصائلية في البلاد، وينزع عن الجيش الوليد الصفة الوطنية، ويغذّي بذور الانشقاق والتشظي داخله.
مهمة صعبة أمام وزارة الدفاع
وبيّن المحلل العسكري المنحدر من محافظة درعا العميد عبد الله الأسعد أن الاتفاق مع فصائل الجنوب "بداية لتشكيل فرقة عسكرية مؤلفة من عدة ألوية تابعة للجيش الجديد تضم متطوعين"، مضيفاً: بعض فصائل الجنوب كانت تطلب رؤية واضحة للانضمام للجيش الجديد. وبرأيه، فإن وزارة الدفاع في الحكومة السورية "تضع خططاً تنظيمية مناسبة للظروف التي تمر بها البلاد حالياً"، مضيفاً: التعامل وفق هذه الظروف كان مفيداً في ضم فصائل الجنوب ضمن ألوية تتبع للوزارة.
واستغل الجانب الإسرائيلي الظروف التي مرت بها سورية بُعيد سقوط نظام الأسد، فتوغّل في الجنوب السوري وصولاً إلى ريف درعا الغربي، وهو ما يدفع وزارة الدفاع لتعزيز الحضور العسكري السوري في الجنوب عبر الاتفاق مع فصائل درعا لتكون جزءاً من جيش جديد يقطع الطريق أمام الذرائع الإسرائيلية لاحتلال أراضٍ سورية.
وكان المشهد العسكري قبيل سقوط نظام الأسد يضج بعشرات الفصائل ذات التوجهات والأهداف المختلفة إلى حد التباين، لذا تبدو مهمة وزارة الدفاع الحالية صعبة إلى حد بعيد في دمج هذه الفصائل بشكل إفرادي في إطار تنظيمي واحد. ولكن الرفض الشعبي المتصاعد لاستمرار الحالة الفصائلية كما يبدو قد يدفع كل الفصائل والمجموعات للقبول بشروط وزارة الدفاع التي بدأت تشكيل الفرق العسكرية في مختلف أرجاء البلاد.
عبد الله الأسعد: وزارة الدفاع في الحكومة تضع خططاً تنظيمية مناسبة للظروف التي تمر بها البلاد حالياً
وبيّن الباحث المواكب للمشهد الفصائلي في سورية وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما يتم الاتفاق عليه بين الوزارة والفصائل يحتاج إلى الإثبات بالتطبيق العملي على الأرض، خصوصاً أن العقلية الفصائلية لدى كل الأطراف ما تزال عائقاً أمام التوصل للصيغة المثلى للجيش الجديد". وشدد على أن "كل الاتفاقات مهمة وبنّاءة وقابلة للتطوير والانضاج والتعديل للوصول إلى مرحلة الاستقرار لأن هناك إيماناً لدى جميع الأطراف بأنه ليس أمامها إلا الاتفاق والمشاركة في بناء الجيش الجديد ومستقبل البلاد"، لافتاً إلى أن "طاولة الحوار المستمر كفيلة بالتوصل لاتفاقات وتفاهمات مع كل الفصائل في سورية".
وفي السياق، رأى الخبير العسكري ضياء قدور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التحديات التي تواجه سورية "تفرض على الحكومة إيلاء ملف الاتفاقات السياسية والعسكرية في البلاد كل الاهتمام". وأعرب عن اعتقاده بأن الاتفاقات العسكرية التي تم التوصل إليها في بعض المناطق "نتائجها إيجابية"، مضيفاً: "يجب النظر إلى كل خطوة على أنها جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة السيطرة الكاملة على الأراضي السورية وإعادة الأمن للمواطنين". وتابع: على ضوء ذلك، يمكن القول إن اتفاق الجنوب هو خطوة مهمة، لكنه لا يمكن أن يكون نهاية المطاف. الاتفاق هو مجرد جزء من حل شامل يعالج التعقيدات المحلية والإقليمية.
ضياء قدور: الحكومة السورية لن تقبل استمرار الفوضى أو استغلال بعض المناطق من قبل الجماعات المسلحة
وحول احتمال انسحاب الاتفاق الذي تم مع الجنوب على الشمال الشرقي من البلاد، رأى قدور "أن الواقع العسكري والسياسي هناك أكثر تعقيداً"، مضيفاً: الحكومة السورية لن تقبل استمرار الفوضى أو استغلال بعض المناطق من قبل الجماعات المسلحة التي تزعزع استقرار سورية. وأشار إلى أن "المصلحة السورية تقتضي التنفيذ التدريجي والمنظّم لخطوات استعادة السيطرة الكاملة على البلاد"، معرباً عن اعتقاده أن الاتفاقيات الحالية مع الفصائل "لن تكون نهائية، بل هي خطوات متتابعة نحو إعادة بناء سورية بشكل كامل، بما يضمن العدالة والسيادة الوطنية".