محاولات إقليمية لاحتواء الخلافات الليبية القديمة منها والمستجدة

محاولات إقليمية لاحتواء الخلافات الليبية القديمة منها والمستجدة

15 سبتمبر 2021
التقى الدبيبة بالمنفي ونائبيه يوم الإثنين (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

تزداد الأوضاع الليبية تعقيداً مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المحدد بيوم 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، فيما تُجري أوساط دولية مساعيَ للتقليل من آثار الخلافات الليبية التي تنذر بانهيار العملية السياسية. ومقابل الخلافات بين مجلس النواب والحكومة، التي يرتفع منسوبها يوماً بعد آخر، وتمثل آخرها بإعلان رئاسة مجلس النواب، أول من أمس الإثنين، عن استعداد المجلس لمناقشة طلب 45 نائباً لسحب الثقة من الحكومة، الأسبوع المقبل، طفت إلى السطح أزمة أخرى بين مكونات السلطة التنفيذية التي انتخبها ملتقى الحوار السياسي في فبراير/شباط الماضي بهدف توحيد السلطة في البلاد، ولا سيما بين المجلس الرئاسي والحكومة وتحديداً وزارة الخارجية.

وفي محاولة لتقريب وجهات النظر، التقى رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، برئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائبيه موسى الكوني، وعبد الله اللافي، أول من أمس الإثنين، لبحث الأزمة بين المجلس الرئاسي ووزارة الخارجية التي برزت الأحد الماضي وأظهرتها خطابات متبادلة بين المجلس الرئاسي والحكومة بشأن قرارات أصدرتها وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، حول تعيين وإعفاء عدد من الدبلوماسيين الممثلين للبلاد في الخارج. وعلى الرغم من أن المكتب الإعلامي للحكومة قال إن اللقاء بحث ملفات عدة من بينها الانتخابات ونتائج الزيارات الخارجية التي أجراها الدبيبة والمنفي، إلا أنّ مصدراً حكومياً رفيع المستوى كشف في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن أن اللقاء تمحور حول الخلافات الأخيرة. ووفقاً للمصدر، فإن الدبيبة وقادة المجلس الرئاسي اتفقوا على الاستمرار في المداولة بملف السفارات والبعثات الخارجية، ومناقشة قرارات المنقوش الخاصة بإعفاء ثلاثة سفراء بالخارج.

بدأ الخلاف بين المجلس الرئاسي ووزارة الخارجية في مايو/أيار الماضي

وبدأ الخلاف بين المجلس الرئاسي ووزارة الخارجية في مايو/أيار الماضي، عندما طالب الأول المنقوش بـ"التريث" في اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بممثلي الدبلوماسية الليبية في الخارج، بعد قرارها بإعفاء وفاء بوقعيعيص من مهامها سفيرةً لليبيا في الولايات المتحدة، ثم إعفاء سنية غومة من منصبها سفيرةً في سلطنة عُمان، فضلاً عن إقالة صلاح الشماخي من منصبه مندوباً لليبيا لدى الجامعة العربية، وذلك على خلفية تجاوز المدة المقررة لعملهم مبعوثين دبلوماسيين والمحددة بأربع سنوات.

لكن الصدام زادت حدته بعد أن وجّه المنفي خطاباً للدبيبة أخيراً بضرورة تنسيق وزيرة الخارجية مع المجلس الرئاسي في قرارتها الخاصة بممثلي الدبلوماسية في الخارج، بل إبطاله كافة قراراتها الصادرة في هذا الصدد، ما حدا بالوزارة إلى الرد ببيان أكدت فيه أنها أعلمت المجلس الرئاسي بقراراتها وطالبته بسرعة تعيين سفراء بدلاً من المعفيين من مناصبهم. ودخل النائب العام الصديق الصور على خط الأزمة، معتبراً أن قرارات المنقوش "تعدّ تعسفاً في استعمال السلطة"، ما يضعها "تحت طائلة المساءلة الجنائية". وتدخل النائب العام بعدما طلب منه المجلس الرئاسي الرأي القانوني. مع العلم أنه في العادة يتم اللجوء إلى الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، ولكن المجلس الأعلى للقضاء عطّل الدائرة منذ سنوات، وتمت إحالة هذا الاختصاص إلى النائب العام.

كذلك تواجه الحكومة خلافات حادة مع رئاسة مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح، الذي أعلن أخيراً عن تلقيه طلباً من 45 نائباً لسحب الثقة من الحكومة، وذلك بعد أسبوع من استجابة الأخيرة والمشاركة في جلسة استجواب بمقر مجلس النواب في طبرق، عقب أسابيع من الجدل بين الطرفين، رفض خلالها الدبيبة المثول أمام النواب لاستجواب حكومته، مشدداً على ضرورة أن يحدد المجلس أسئلته قبل الجلسة. لا بل اتهم الدبيبة مجلس النواب بعرقلة عمل حكومته، على خلفية عدم اعتماده ميزانية الحكومة، فيما ردّ صالح متوعداً الحكومة بسحب الثقة منها إذا لم تستجب لطلب المثول أمام النواب لاستجوابها حول "تقصيرها في عملها".

وفي خضم هذه الخلافات، كشف المصدر الحكومي الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، عن أن السلطات الليبية، بمختلف أجسامها، تلقت اتصالات من دول إقليمية عدة للمبادرة بالتدخل وخفض حدة الخلافات والتقليل من آثارها، لا سيما أنها تتزامن مع جدل آخر يتعلق بالقوانين اللازمة لإجراء الانتخابات، وتحديداً بين مجلس النواب، الذي اعتمد قانون انتخاب رئيس الدولة من دون التصويت عليه من قبل النواب، والمجلس الأعلى للدولة الذي يصرّ على ضرورة إشراكه في إعداد تلك القوانين.

القاهرة والرباط تبدوان أكثر الدول الإقليمية عناية بلعب دور وساطة بين القادة الليبيين

ووفقا للمصدر ذاته، فإن القاهرة والرباط تبدوان أكثر الدول الإقليمية عناية بأداء دور وساطة بين القادة الليبيين، ويعكس ذلك اتصالات حثيثة تجريها العاصمتان العربيتان بمختلف القادة الليبيين لمحاولة تقريب وجهات النظر بينهم. وقد أشار وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في مؤتمر صحافي مشترك مع المبعوث الأممي إلى ليبيا، يان كوبتش، أول من أمس الإثنين، إلى سعي بلاده إلى فتح مساحة حوار بين الليبيين.

لكن بحسب قراءة الأكاديمي الليبي وأستاذ العلوم السياسية، عيسى الغزوي، فإن الوساطة المغربية ستقتصر على ترتيب لقاء بين رئيسي مجلسي الدولة والنواب، عقيلة صالح وخالد المشري، في إطار تقريب وجهات النظر وإنهاء الخلافات حول التشريعات اللازمة للانتخابات. وإن يرى الغزوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجهود المغربية مهمة في هذا الصدد، إلا أنه يرجح أن "تكون الوساطة المصرية أكثر نجاعة، بحكم أن دراية القاهرة بتفاصيل الملف الليبي أوسع"، معرباً عن اعتقاده بأنها قد "تكون أكثر كثافة من خلال التوسط بين الدبيبة وصالح، وربما تنجح في إقناع الدبيبة واللواء المتقاعد خليفة حفتر باللقاء أيضاً".

ويوضح الغزوي رأيه بالقول إن "القاهرة معنية بكل تفاصيل المشهد الليبي، ولا سيما الملف العسكري الذي يقف على أحد طرفيه الدبيبة كونه وزيراً للدفاع، وحفتر الذي لا يزال يتمسك بموقعه العسكري قائداً عاماً للجيش ويعترف به مجلس النواب"، مشيراً إلى أن "تراجع نشاط لجنة 5 + 5 العسكرية (تضم 5 مسؤولين عسكريين عن قوات حفتر و5 آخرين عن الحكومة) في الآونة الأخيرة، قد يكون نذيراً لعودة الخلافات في الملف العسكري".

ويتابع الغزوي: "الدور المغربي يستفيد من ثقله السابق في الأزمة الليبية من خلال مفاوضات الصخيرات (2015) وبوزنيقة (نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي)، لكن علاقات دول المغرب العربي ولا سيما الخلافات بين الرباط والجزائر المعنية هي الأخرى بالملف الليبي، قد تحد من فاعلية دور المغرب"، لافتاً إلى أن "الموقف الدولي قد لا ينتظر أي جهد مغربي لتقريب وجهات النظر المختلفة حول الأطر الدستورية للانتخابات". ويدلل الغزوي على رأيه، بترحيب سفارات خمس دول كبرى بإعلان عقيلة صالح عن قانون انتخاب رئيس الدولة وتسلم المفوضية نسخة منه، مضيفاً: "على الرغم من أن هذه الدول تعرف أن القانون صدر بالمخالفة، فلا يهمها التوافق الليبي بقدر ما يهمها إجراء الانتخابات في موعدها لحسابات سياسية خاصة بها".

الغزوي: قد تكون الوساطة المصرية أكثر نجاعة من المغربية

من جهته، وعلى الرغم من موافقته على أهمية الدور المصري، خصوصاً بعد اختيار السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، القاهرة مكاناً للقاء حفتر وصالح في وقت سابق، إلا أن الصحافي الليبي سالم الورفلي، يرى أن "للمغرب دوراً مهماً أيضاً"، موضحاً أن "انخراطه الحالي يسمح بموازنة الأدوار الإقليمية في الملف الليبي، خصوصاً أن الرباط لا تزال تحافظ على حيادها وعلاقتها بكل الأطراف الليبية".

ويضيف الورفلي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاهتمام الدولي حالياً ينصب على الانتخابات، لذا ما يقوم به المغرب له أولوية لدى المجتمع الدولي، والفرق كبير بينه وبين مصر التي لن يحبذ رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري أن تكون المستضيفة للقائه بعقيلة صالح". ويرى الورفلي أن "الدور المصري تتعلق أهميته بعمق الخلافات الليبية التي بدأت تُبرز انقساماً جهوياً"، مضيفاً أن "أزمة السفارات تبيّن جانباً من هذا الانقسام الخطير، فالسفراء الثلاثة الذين أقالتهم المنقوش من شرق ليبيا موالون بشدة لعقيلة صالح وحفتر، ولا يبدو أن معارضة المنفي لقرارات إقالتهم بعيدةً عن الانحياز الجهوي".

وفي سياق إبرازه البعد الجهوي، يلفت الورفلي إلى أنه "بُعد يتحكم أيضاً في شكل قانون الانتخابات الرئاسية"، موضحاً أن "الجدل الحاصل لا يتعلّق بشروط الترشح التي تسمح لحفتر أو مقربين منه بالترشح لمنصب رئيس الدولة من عدمه، بل بما يتضمنه القانون من توزيع جديد للدوائر الانتخابية، ما يعني توزيعاً جديداً للثقل السكاني ومحاولة حرمان غرب ليبيا، الذي يتركز فيها خصوم حفتر وصالح، من كثافة الصوت الانتخابي".

وأمس، أعلنت الرئاسة المصرية عن استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي كلاً من عقيلة صالح وخليفة حفتر، وذلك بحضور عباس كامل رئيس المخابرات العامة. وتأتي الزيارة في وقت كشفت فيه مصادر دبلوماسية مصرية باللجنة المعنية بالملف الليبي، لـ"العربي الجديد"، أنه صدرت تعليمات لعدد من الأجهزة بعقد اللجنة العليا المشتركة بين مصر وليبيا خلال الأيام المقبلة، بمشاركة رفيعة المستوى من الجانبين.

المساهمون