محاكمة مجرمي الحرب السوريين: رواية كبش الفداء والمنفذ الصغير

محاكمة مجرمي الحرب السوريين: رواية كبش الفداء والمنفذ الصغير

05 مارس 2021
حُكم على غريب بالسجن لأربعة أعوام ونصف العام (طوماس لونز/فرانس برس)
+ الخط -

رفع دعوى جديدة في فرنسا تتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية

قتيبة ياسين: نحو 280 مشتبهاً بارتكاب جرائم وصلوا إلى أوروبا

العبد الله: الحكم بحق إياد غريب أقسى مما يجب

أثبت قرار محكمة كوبلنز الإقليمية العليا غرب ألمانيا، أخيراً، بإدانة ضابط صف منشق عن أحد الأجهزة الأمنية للنظام السوري والحكم عليه بالسجن لأربعة أعوام ونصف العام، وجود إمكانية لمحاسبة مسؤولي نظام بشار الأسد على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب منذ اندلاع الاحتجاجات ضده مطلع عام 2011 وحتى اليوم. لكن هذا القرار لم يخلُ من جدل حوله، خصوصاً أن المحكوم، ويدعى إياد غريب، انشق عن النظام في الأشهر الأولى للثورة. 

ورحّب جزء كبير من السوريين والمنظمات الدولية والسورية وحكومات الدول المعنية في الشأن السوري بالقرار باعتباره نقطة مضيئة على طريق محاسبة مجرمي الحرب، غير أن أصواتاً أخرى ارتفعت في المقابل متحفظة على قرار المحكمة القاضي بتجريم المدعى عليه، المساعد أول إياد غريب، لا سيما بسبب انشقاقه في الأشهر الأولى من الثورة. حتى إن البعض ذهب للإشارة إلى أن غريب استُخدم كـ"كبش" فداء صغير، فيما ذهب آخرون مطلعون على هذا الملف إلى شرح كيف أن غريب هو من اعترف بشأن دوره في اعتقال عدد من السوريين وقدّم أدلة ضد نفسه، فضلاً عن الدعوة للتفريق بين آليات عمل القضاء الألماني والقضاء الخاضع للنظام السوري.

أشار بعض مسؤولي المنظمات الحقوقية إلى أن المتهمين ليسا بذات الحجم والخطر والإجرام مقارنة مع باقي أركان السلطة

ويتشارك المحاكمة مع غريب، الذي كان يخدم في "فرع الخطيب - فرع أمن الدولة 251" ومقره دمشق، قبل انشقاقه في النصف الثاني من عام 2011، الضابط أنور رسلان، الذي كان رئيس قسم التحقيق في الفرع المذكور، وانشق عن النظام. وفي حين صدر قرار الإدانة بحق غريب، فإن رسلان الذي انشق عن النظام في سبتمبر/ أيلول من عام 2012، ينتظر مزيداً من جلسات المحاكمة لإصدار الحكم عليه، وفي وقت متوقع نهاية العام الحالي. مع العلم أنه  بالتزامن مع إلقاء القبض على غريب ورسلان، جرى وبأمر من الادعاء العام الفرنسي توقيف العنصر في فرع الخطيب عبد الحميد شعبان، لكن تم إطلاق سراحه ووضعه تحت الإشراف القضائي قبل نحو عام  لعدم وجود شاهد قادر على الإدلاء بشهادة تؤكد ارتكابه للجرائم المتهم بها وفي مقدمتها ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. كذلك رد القضاء الفرنسي قبل أيام دعوى بحق ضابط منشق يدعى سامي الكردي بعد أن كان التحقيق بشأن ارتكابه "جرائم ضد الإنسانية وتعذيب وجرائم حرب" قد فتح بحقه منذ عام 2017.

ترحيب وانتقادات
ورحّب كل من "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" الذي يديره الناشط مازن درويش، و"المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية" الذي يديره الحقوقي أنور البني، وهما منظمتان شاركتا في تحريك الدعوى ضد غريب ورسلان عن طريق "المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان"، بقرار المحكمة بحق غريب باعتباره "قراراً تاريخياً ونقطة مضيئة في تاريخ القضاء الألماني وتاريخ العدالة العالمية". في المقابل، وجّه نشطاء سوريون ورواد وسائل التواصل، وحتى مسؤولون في منظمات سورية مدنية وحقوقية، أصابع النقد تجاه المنظمتين، اللتين شاركتا في إحضار الشهود للمحكمة ضد المتهمين والتنسيق مع "المركز الأوروبي للحقوق الدستورية"، بهذا الشأن، بالإضافة إلى تقديم شهادة شخصية من قبل الناشط مازن درويش ضد أحد المتهمين.

وتتركز الانتقادات على اتهام المنظمتين بالانتقائية، باعتبار أن المتهمين من أوائل المنشقين الذين اختاروا الابتعاد عن المنظومة الأمنية لنظام بشار الأسد منذ العام الأول للثورة، فيما لا يزال الكثير من المشتبه في ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية خارج إطار المحاسبة والملاحقة، حتى بعد وصولهم إلى أوروبا في الأعوام الأخيرة، ولا يزالون يعلنون تأييدهم للنظام. كذلك أشار بعض مسؤولي المنظمات الحقوقية إلى أن المتهمين ليسا بذات الحجم والخطر والإجرام مقارنة مع باقي أركان السلطة في دوائر النظام المختلفة، وتحديداً إياد غريب، الذي اعتبر عدد ممن تحدث إليهم "العربي الجديد" أنه كان ضحية لعدم فهمه بالقوانين في ألمانيا.

من وجهة نظر الصحافي ياسر علاوي، وهو ابن مدينة موحسن في ريف دير الزور التي ينحدر منها المدان إياد غريب، فإن الأخير يعد بريئاً من التهم المنسوبة إليه، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "إياد غريب لم يكن من ضمن السجانين أو المحققين في الفرع الذي يخدم فيه، بل كانت مهامه تقتصر على الدوريات خارج الفرع". وأكد أن "غريب انشق عن النظام في النصف الثاني من عام 2011، أي في وقت مبكرة من عمر الثورة، وقصد مدينته موحسن وشارك في التظاهرات ضد النظام، ومن ثم انتسب إلى صفوف الجيش الحر لحماية هذه التظاهرات". وأضاف أن "غريب انتقل إلى تركيا في وقت لاحق بعد أن توسعت قاعدة التنظيمات الإسلامية في سورية، ليحافظ على حياته، وأقام في مخيم لسنوات، ومن ثم لجأ إلى ألمانيا". 

وأشار علاوي إلى أنه "منذ وصول إياد غريب إلى ألمانيا سلّم نفسه للسلطات الألمانية وأخبرهم بمكان خدمته والمعلومات التي لديه عن الفرع الذي كان يؤدي فيه الخدمة"، مؤكداً أن غريب طُلب كشاهد للمحكمة، لكونه كان يخدم في ذات الفرع مع رسلان، لكن بعد أربع أو خمس جلسات شهادة تم تحويله إلى متهم.
وتحدث علاوي عن اعتراف المحامي أنور البني، المشارك في تقديم الشكاوى بحق إياد غريب وأنور رسلان أمام المحكمة الألمانية، بأن غريب أصبح في دائرة الاتهام كونه وصل في "الوقت الغلط"، أي مع فتح تحقيق ضد رسلان. وزوّد علاوي "العربي الجديد" بتسجيل صوتي مرسل من قبل البني إليه، يؤكد ذلك. وفي التسجيل، يقول البني مجيباً على استفسارات العلاوي: "لم نتهم إياد ولا نعرفه ولم يكن ضمن الملف، والدليل الوحيد على إياد هي إفادته أمام دائرة اللجوء عند وصوله إلى ألمانيا، ومشكلته أنه وصل إلى ألمانيا في الوقت الغلط، عندما كان التحقيق مفتوحاً ضد أنور رسلان، وأعطى إفادة أمام الشرطة الألمانية بأنه كان في الفرع وماذا كان يفعل، وبالتالي اضطر المدعي العام لضمه للملف". ويضيف البني في التسجيل "لو كان غريب أتى إلينا وسألنا ماذا يفعل لكنا جنّبناه أن يكون هنا في هذا الموقف (يقصد المحكمة)، لكنه اعترف ولم يجد المدعي العام بداً من ضمه للملف"، متابعاً "المعلومات التي لدينا عن إياد إيجابية، لكن ليس لدينا سلطة أن نقرر، وهناك اعترافات أمام القاضي والشرطة ودائرة الهجرة، وستأخذ بعين الاعتبار". واتهم علاوي محركي الادعاءات في أوروبا، بأنهم يستهدفون المنشقين عن النظام، والذين اتخذوا موقفاً لصالح الثورة في وقت مبكر، ولم ينخرطوا في أعمال إجرامية.

وسأل "العربي الجديد" المحامي البني، المقيم في ألمانيا، عن التسجيل المرسل من قبله، بتاريخ 25 إبريل/ نيسان 2020، وعن تغيير موقفه تجاه غريب بعد صدور الحكم، فرد أن موقفه لم يتغير، مؤكداً أنه في حينها كان يشرح أن غريب هو من قدّم الأدلة ضد نفسه، مضيفاً: "هذه الإفادة التي اعتمدت عليها المحكمة".

ناشط حقوقي: التهمة المنسوبة لغريب أنه شارك في اعتقال 30 شخصاً، وهذا أمر تلقاه من جهة أعلى منه، ولم يكن أمامه سوى التنفيذ

وكان الناشط الحقوقي حسام القطلبي، قد أثار في تحقيق موسع نشره في موقع "رصيف 22" منتصف العام الماضي، مسألة تقديم إفادات مغلوطة من قبل أحد الشهود أمام المحكمة كوبلنز، متهماً المخرج والمعتقل السابق فراس فياض الذي قدّم إفادات ضد المتهم أنور رسلان، بتقديم شهادة متناقضة التفاصيل وتواريخ اعتقال مختلفة، مشككاً في مسار المحكمة الألمانية وتعاطيها مع إفادات الشهود، والتالي محاكمة المتهمين. لكن المحامي البني رد في تصريح لـ"العربي الجديد" حول هذه الشكوك بأن المحكمة "لا تأخذ بما يُنشر على فيسبوك وغيره، وهي تأخذ بما يُقدّم أمامها من إفادات"، واصفاً ما تمت إثارته بـ"ترهات ولعي وكلام أطفال". ونفى أن "تكون هناك شهادات مغلوطة أمام المحكمة بالمطلق، وأنها استندت إلى شهاداته وشهادة الناشط مازن درويش وبعض الخبراء".

جدل الحكم على غريب
لكن الناشط الحقوقي محمد العبد الله، وهو مدير "المركز السوري للعدالة والمساءلة"، ومقره الولايات المتحدة، والذي يتخذ صفة المراقب في محاكمة كل من غريب ورسلان، كشف في حديث مع "العربي الجديد" أنه شخصياً، مع حقوقيين آخرين منهم القطلبي، أوضحوا للبني أن من الخطأ تقديم شاهد يقدّم إفادات مغلوطة للمحكمة، بالإشارة إلى المخرج فراس فياض، وكان رد البني كالتالي: "حتى لو كنت أعلم أن الشاهد يكذب، يجب دعم إفادته، لأن النظام يفعل أكثر من ذلك، ولدينا شخص ويجب تجريمه"، بالإشارة إلى رسلان.

وحول المحكمة، أشار العبد الله إلى أنه من خلال اطلاعه على أدق التفاصيل في المحكمة، يعتقد بأن الحكم بحق إياد غريب أقسى مما يجب، مضيفاً: "التهمة المنسوبة إليه أنه شارك في اعتقال 30 شخصاً، وهذا أمر تلقاه من جهة أعلى منه، ولم يكن أمامه سوى التنفيذ"، وتابع: "عملياً، إياد غريب حاول مساعدة المحكمة، بتقديم معلومات حول المتهم الآخر أنور رسلان، لكن المحكمة قررت تجريمه على خلفية المشاركة باعتقال الأشخاص الثلاثين، معتبرة أنه كان بإمكانه التهرب من مهمة الاعتقال". وأضاف: "بالنسبة لأنور رسلان، هناك كثير من الدلائل على تورطه، ما يرجح إدانته بحكم أكبر من حكم غريب، لكن لا مبرر لوجود شهود مطعون بإفاداتهم، فقط لتحقيق إنجاز للبعض من خلال تصدرهم للمشهد".
وأشار العبد الله إلى أنه على الرغم من تقديم شكاوى بحق شخصيات رئيسية من النظام، على رأسهم علي مملوك وجميل الحسن وغيرهما، مع صعوبة إلقاء القبض عليهم وجلبهم للمحكمة، إلا أن مجرد قبول الدعاوى ضدهم والبدء بمحاكمتهم غيابياً، يعتبر مهماً في سياق "التقاضي الاستراتيجي" الذي تنشط جهات مختلفة للعمل عليه في القضية السورية.

من جهته، رأى دياب سرية، وهو مؤسس شريك في "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا"، أنه من خلال متابعته للمحكمة عبر التقارير التي أصدرتها منظمات مستقلة منحتها المحكمة صفة المراقب، يستطيع القول إن "بعض الشهادات كانت ملفقة ومبالغاً بها ووُظّفت لحساب وغايات أخرى لا تخص قضية الحقيقة والعدالة"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "شهادة المخرج فراس فياض مثال على هذا، فالرجل قدّم العديد من المعلومات المغلوطة عن مدة اعتقاله وأسبابه وعن التعذيب الذي تعرض له خلال فترة الاحتجاز"، مشيراً إلى شهادة أخرى مشكك فيها لشاهد أخفى اسمه كان يعمل في دفن جثث المعتقلين في مقبرة نجها. وتابع: "أستطيع القول جازماً من خلال المعلومات والتوثيقات التي نملكها أن الشهادة ملفقة ومبالغ بها، الرجل ادعى أن عدد الأشخاص الذين دفنهم يصعب عده ويعتقد أنه دفن ما بين 3 و5 ملايين إنسان وأنه دفن من فرع الـ40 التابع للمخابرات العامة ما يقدر بـ5000 شخص وحده، مع العلم أن فرع الـ40 هو منزل سكني في الجسر الأبيض وهو أقرب إلى نظارة صغيرة يتم اعتقال الأشخاص فيه لساعات أو أيام لا تتجاوز الأسبوع، ثم يتم تحويلهم إلى فرع الخطيب لاستكمال التحقيق أو إطلاق سراحهم ولم يتم توثيق حالة واحدة خلال السنوات الماضية وحتى الآن قُتلت تحت التعذيب في فرع الـ40".

ناشط: الموضوع ليس كما كان في سورية، أن تكتب تقريراً أمنياً للسلطة بحق شخص ويتم توقيفه، المسألة مختلفة تماماً، والعمل على جمع الأدلة قد يستمر لسنوات

ورأى سرية أن "المحكمة غير مؤهلة بما فيه الكفاية للنظر بمثل هذه القضايا، فهذه هي المرة الأولى في تاريخ المحكمة التي تنظر بها بقضية لها علاقة بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية"، مشيراً إلى أن "المحكمة هي محكمة إقليمية صغيرة لا يملك كادرها التدريب الكافي والخبرة للعمل على مثل هذه الملفات". وأشار سرية إلى أن "المؤسسات السورية بالغت بدورها في هذه المحكمة والذي كان محصوراً بجلب الشهود وسد بعض الثغرات في سياق الأحداث، وساهم بعض المحامين السوريين بتضخيم القضية ورفع سقف التوقعات بشكل كبير لدى الناجين/ات من مسالخ الأسد، وهؤلاء المحامون ما انفكوا حتى الآن عن تقديم نفسهم على أنهم حماة العدالة ومحققها في سورية وأن العدالة إن لم تمر من بابهم فهي ليست بعدالة"، مضيفاً "هذا المجد الشخصي سعوا إليه عبر محكمة كوبلنز، متجاهلين تطلعات الناجين/ات وتجاهلوا مشاعرهم، حتى إنهم لم يكلفوا نفسهم عناء شرح طبيعة المحاكمة والهدف منها". وتابع: "نتطلع لمحاسبة جميع من ارتكب جرائم بحق الشعب السوري بغض النظر عن انتمائهم القومي أو الديني، ونتطلع لمحاسبة كل شخص تسبّب بأذية أي شخص مدني في سورية، لكننا أيضاً نطمح إلى أن تكون هذه المحاسبة أمام محاكم مختصة تنظر في الجرائم التي ارتكبت في سورية وتقول حقيقة ما جرى ضمن مسار واضح لعملية عدالة انتقالية حقيقية".

ونقل "العربي الجديد" للناشط مازن درويش كل ما أُثير حول المحاكمة، سواء تجاه غريب ورسلان، ووضعه بصورة الاتهامات التي تطاوله مع المحامي البني حول الانتقائية في المساهمة بتحريك الدعاوى ضد بعض المشتبه بارتكابهم جرائم وانتهاكات، من خلال التركيز على المنشقين الأوائل من العسكريين، وبناء على "خلفية مذهبية"، بحسب ما يقول بعض المتابعين للقضية. فقال درويش "بالنسبة إلينا لا تعنينا الخلفية الطائفية لأي شخص، ما يهمنا وجود أشخاص مشتبه في ارتكابهم جرائم، ولدينا ما يكفي من الأدلة القانونية عليهم، والموضوع ليس كما كان في سورية، أن تكتب تقريراً أمنياً للسلطة بحق شخص ويتم توقيفه، المسألة هنا مختلفة تماماً، والعمل على جمع الأدلة قد يستمر لسنوات". 

وأوضح درويش أنه من أول من قام برفع دعوى ضد جهاز المخابرات الجوية في ألمانيا، والتي صدرت على إثرها مذكرة توقيف بحق الرئيس السابق للجهاز اللواء جميل الحسن، كما رفع مركزه دعوى في فرنسا ضد فرع التحقيق في المخابرات الجوية، وصدرت بعدها ثلاث مذكرات توقيف بحق علي مملوك وجميل الحسن وعبد السلام محمود، بالإضافة إلى دعاوى عدة في كل من فرنسا وألمانيا والسويد والنرويج. وتحدث عن دعوى جديدة تتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية سيتم الإعلان عنها في فرنسا (وهو ما تم بالفعل الثلاثاء الماضي)، قائلاً إن العمل على هذه الدعوى مستمر منذ عام 2013. وقال "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" في بيان، إن مجموعة من الناجين من الهجمات الكيميائية في سورية "قدّموا شكوى جنائية لقاضي التحقيق في فرنسا حول هجمات الأسلحة الكيميائية على مدينة دوما والغوطة الشرقية في أغسطس/ آب 2013".

أما بخصوص محاكمة رسلان وغريب، فأشار درويش إلى أن "رسلان هو من ذهب بنفسه إلى الشرطة الألمانية وقال لهم إن لديه مخاوف من استهدافه من قبل النظام، حينها أبلغهم بأنه ضابط كبير في المخابرات، وعلى هذا الأساس تم فتح ملف اللجوء الخاص به وتحوّل بعدها إلى المحكمة"، مضيفاً: "نحن لم نختر ولم ننتقِ إياد غريب أو أنور رسلان لتقديم الشكوى بحقهما، لكنهما دفعا بنفسيهما إلى ذلك"، معتبراً أن الاعتقاد أو الترويج بأن القضاء الألماني يستهدف المتهمين بناء على خلفياتهم يعد استخفافاً بعقول السوريين.

أما بخصوص الشهادة المغلوطة لفراس فياض أمام المحكمة، والإشارة إلى أنهم من دفعوا بهذا الشاهد من ضمن مهمتهم في جمع الشهود للمحكمة، فقد نفى درويش أن يكون لهم أي دور بتقديم فياض من قبل الجهة المدعية المتعاونين معها، متابعاً "هو لديه محاميه الخاص من خارج المحامين الذي نتعامل معهم، وشارك في الدعوى كحق له، أما أن يكذب أو يصدق فهذا شأنه وليس لنا حق بمنع أحد من تقديم إفادته". وختم بالقول "أي أحد يعتقد أن هناك خللاً قانونياً ضمن العمل الذي نقوم به، ندعوه للجوء إلى القانون لتقديم شكوى ضدنا، نحن مؤسسة حقوقية مرخصة في أكثر من مكان حول العالم".

متورطون خارج المحاسبة
تتحدث الكثير من المنظمات والنشطاء المختصون بقضايا المحاسبة وملاحقة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية في سورية، الذين تواصل معهم "العربي الجديد"، عن وصول مئات الأشخاص إلى أوروبا بعد عامي 2015 و2016، منهم من عليه أدلة دامغة على تورطه بجرائم وانتهاكات، وكثير منهم لا يزالون يعلنون تأييدهم للنظام، لكنهم خارج إطار الملاحقة، بسبب غض المنظمات المختصة بالملاحقة الطرف عنهم.

الصحافي قتيبة ياسين، الذي نشط في متابعة تحرك المجرمين ومرتكبي الانتهاكات الذين وصلوا إلى أوروبا وقدّموا أنفسهم على أنهم فارون من جحيم الحرب في سورية، من خلال منصة "مجرمون لا لاجئون" على موقع "فيسبوك" في الفترة الممتدة بين عامي 2014 و2017، سأله "العربي الجديد" عن العدد الذي تم توثيقه خلال فترة نشاطه، فأوضح أن العدد الكامل يقارب 280 مشتبهاً بارتكابهم جرائم، عليهم أدلة إدانة من قبيل حمل السلاح واللباس العسكري والوجود مع قوات النظام أو المليشيات.

وتقصّى "العربي الجديد" أيضاً بعض خلفيات المتهمين والمشتبه بارتكابهم جرائم في سورية قبل لجوئهم إلى أوروبا، والذين كانوا تحت الأنظار دون تحرك المنظمات السورية ضدهم لتقديم شكاوى بحقهم لتقديمهم إلى المحاكم ومحاسبتهم. ومن بينهم علاء موسى، طبيب في مستشفى حمص العسكري، شارك بجرائم فظيعة لدى خدمته في المستشفى قبل لجوئه إلى ألمانيا وعمل في مستشفيين فيها. وقدّم زملاء سابقون في المستشفى شهادات ضده، قبل أعوام، ولم يتم التحرك ضده إلا عندما نشرت قناة "الجزيرة" تحقيقاً استقصائياً مصوّراً حمل عنوان "البحث عن جلادي الأسد"، وقدّم التحقيق أدلة دامغة على تورطه مثبتة بالشهود والوقائع، ما دفع القضاء الألماني لاعتقاله، بناء على شكاوى شخصية، وبحكم الأدلة لديه.

أيضاً يبرز اسم محمد العبد الله، المعروف بـ"أبو الحيدرين"، مقاتل سابق في صفوف إحدى المليشيات الرديفة لقوات النظام، له صوة وهو يدوس على جثث عدد من القتلى الذين يرتدون الزي المدني، في حين يرتدي هو زياً عسكرياً ويحمل بندقية. رفع أشخاص، من بينهم المحامي رامي حميدو، دعوى ضده في السويد، لكن القضاء السويدي أفرج عنه بعد ثمانية أشهر من الاعتقال لإدانته بإهانة جثث الموتى، وتم إلغاء لجوئه وطرده من السويد. حينها كتب المحامي البني على صفحته في "فيسبوك": "لم نستطع دعم جهود زميلنا المحامي رامي حميدو في السويد، والنشطاء السوريين، والشاهد في ألمانيا الذي تقدّم للشهادة ضده، ولم نستطع أن نثبت قيامه بالقتل فحكم عليه القاضي بمدة ثمانية أشهر، أمضاها بالسجن بتهمة إهانة الكرامة الإنسانية".

كذلك، يبرز العقيد سامر بريدي، وهو ضابط أمن في إدارة المخابرات العامة، شغل رئاسة قسم أمن الدولة في مدينة دوما في الغوطة الشرقية، منذ بداية الاحتجاجات، وهو متهم بارتكاب جرائم قتل ومجازر جماعية في دوما والغوطة الشرقية، وتشير معلومات إلى أنه يشغل حالياً منصب مدير مكتب علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي. وصل مع وفد النظام المفاوض إلى سويسرا لحضور الجولة الثالثة من مسار جنيف في بداية العام 2016، وعلى الرغم من أن حقوقيين سوريين مستقلين قدّموا دعوى ضد بريدي حينها في سويسرا، فقد غابت عن الدعوى منظمتا درويش والبني. وعلى الرغم من مشاركة بريدي مع وفد النظام في الجولة الرابعة من مسار جنيف في فبراير/ شباط 2017، إلا أن المنظمتين تجاهلتا ذلك، على الرغم من الزخم الإعلامي حينها حول مشاركته في المفاوضات.

وللعلم فإن رفعت الأسد، شقيق رئيس النظام السابق حافظ الأسد، وعم بشار الأسد، المتهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية في حماة عام 1982، والمتهم كذلك بعمليات غسيل أموال وفساد، لم يخضع للمحاكمة أمام القضاء الفرنسي إلا بعد تقديم جمعية "شيربا" الفرنسية لمحاربة الفساد، شكوى ضده، على الرغم من وجود "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" في فرنسا كمنظمة حقوقية مرخصة هناك، ويحمل مديره الجنسية الفرنسية.

كما صدر في ألمانيا وفرنسا عدد من مذكرات التوقيف بحق عدد من الشخصيات الرئيسية في النظام، منهم جميل الحسن وعلي مملوك وعبد السلام محمود، بموجب الولاية القضائية العالمية التي تتيح ملاحقة مرتكبي الجرائم، أياً كان مكان ارتكاب جرمهم. لكن قانونيين يشيرون إلى أن المذكرات تبقى رمزية لسببين، الأول صعوبة إلقاء القبض على مثل هذه الشخصيات، وثانياً أن دولة مثل ألمانيا لا تسمح قوانينها بالمحكمة الغيابية للأفراد، وبالتالي ستنحصر المحاكمات وفرض العقوبات على من هم بدرجة أدنى، والذين يوجدون في أوروبا، لكي يمثل المتهم أمام المحكمة ويأخذ حقه بالدفاع عن نفسه.