محاكمة قيادات تونسية بتهمة التآمر: السلطة تتهرب من العلنية

04 مارس 2025
جوهر بن مبارك خلال مؤتمر صحافي بتونس، 13 يناير 2022 (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت محاكمة قيادات تونسية بتهم التآمر على أمن الدولة، تشمل شخصيات بارزة مثل جوهر بن مبارك ورضا بلحاج، وسط انتقادات لعقد الجلسات عن بُعد ومنع المتهمين من الحضور.
- تعود القضية إلى يناير 2023، حيث اتهمت السلطات مجموعة معارضين بالتآمر لقلب نظام الحكم، بينما ينفي المتهمون ذلك ويطالبون بمحاكمة علنية، مشيرين إلى محاولات السلطة لتدجين القضاء.
- قرار المحاكمة عن بُعد أثار انتقادات واسعة، حيث اعتبرته الشبكة التونسية للحقوق والحريات مساراً تعسفياً يهدف للانتقام السياسي، مطالبة بجلسات علنية لضمان الشفافية.

تنطلق اليوم الثلاثاء محاكمة قيادات تونسية في ما يعرف بملف التآمر على أمن الدولة. واعتُقل عدد من المتهمين منذ سنتين، وبقوا في السجن إلى أن قررت المحكمة أخيراً تعيين موعد لبدء المحاكمة. ومن بين الموقوفين القياديان في جبهة الخلاص الوطني جوهر بن مبارك ورضا بلحاج، والناشط السياسي خيام التركي، والوزير السابق والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والقيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي.

وكانت السلطات التونسية قد أفرجت عن عضو جبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى، والوزير والعضو السابق في حزب نداء تونس لزهر العكرمي، مع تواصل ملاحقتهما قضائياً، فيما أضيفت لملف الاتهام عدة شخصيات سياسية أخرى. ويُلاحَق في هذه القضية عدد من الشخصيات في حالة إطلاق سراح، كالناشطة الحقوقية بشرى بلحاج حميدة، والقيادي في جبهة الخلاص وحركة النهضة رياض الشعيبي، وغيرهما. غير أن المتابعين لقضية محاكمة قيادات تونسية فوجئوا بقرار المحكمة عقد جلسات عن بُعد للمعتقلين الموقوفين داخل السجن، ومنعهم من الحضور إلى قاعة المحكمة. وأثار هذا القرار موجة واسعة من ردود الفعل الرافضة لهذا القرار في صفوف المعارضة، فيما توالت المواقف من السياسيين ومن الموقوفين أنفسهم.

سمير ديلو: هذه القضية هي أم المحاكمات السياسية

وتعود القضية إلى 11 يناير/ كانون الثاني 2023، حين داهمت الشرطة التونسية منزل الناشط السياسي خيام التركي، ثم تبعت ذلك في الأيام التالية مداهمات وتوقيفات شملت عدداً من المعارضين، من بينهم جوهر بن مبارك ورضا بلحاج وشيماء عيسى وعبد الحميد الجلاصي ولزهر العكرمي، وغيرهم. وتتهم السلطات هذه المجموعة بالتآمر لقلب الحكم، والتخطيط في ما بينهم لذلك، من خلال لقاءات واجتماعات مشتركة، وحتى اتصالات بأطراف من الخارج. غير أن هؤلاء يردون بأن كل نشاطهم المعارض سلمي ومعلوم لدى الجميع، وهم لم يخفوا مطلقاً نشاطهم السياسي الذي هو في صلب حقوق الإنسان. وتنفي مجموعة المعتقلين أن تكون لها أي نية لتغيير الوضع السياسي إلا عبر الانتخابات السلمية، ودعت السلطة إلى أن تقدم كل إثباتات لديها عن نشاط غير قانوني للمعارضة، مطالبة بمحاكمة علنية أمام الرأي العام وتقديم حججها إذا كانت صادقة في اتهاماتها.

السلطة سعت إلى تدجين القضاء

ومن سجنه، وجّه المعتقل جوهر بن مبارك تحية إلى "الصامدين المتمسكات والمتمسكين بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان الكونية، على الرغم من مناخ القمع والتهديد وتكميم الأفواه". وأضاف بن مبارك، في رسالته المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي: "منذ أن تولت سلطة الأمر الواقع السطو على مؤسسات الدولة وإجهاض التجربة الديمقراطية التونسية الفتية كان القضاء أحد أهدافها الرئيسية، فسعت جاهدة إلى تدجينه وحشره في زاوية المظالم لتنفيذ أهواء السلطة وتصفية منهجية لكل الأصوات الرافضة أو المقاومة أو حتى الناقدة".

وذكّر جوهر بن مبارك بأنه "تمت تصفية الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين حتى لا يكون على تشريعاتها الاستبدادية حسيب أو رقيب. وقام النظام بحل المجلس الأعلى للقضاء الضامن لاستقلالية القضاء، فخلا له الطريق وتجرأ على تغيير القانون الأساسي مسنداً لنفسه حق عزل القضاة بجرة قلم، وانتهى به الأمر في ليلة ظلماء إلى عزل 57 قاضياً، من بينهم خيرة قضاة البلاد وأكثرهم تمسكاً بالاستقلالية واحتراماً للمهنية". وتابع: "في ليلة 14 فبراير/ شباط 2023، ومن مقر وزارة الداخلية، أصدر الحاكم أوامر اعتقالنا، ووجّه التهم، وكيّف الأفعال، وأصدر الأحكام، وهدد كل من يبرئهم بملاقاة مصيرهم نفسه، ثم كلّف موظفيه من القضاة بإمضاء نص الإدانة في صمت وخنوع. ثم ادعى أنه لا يتدخل في القضاء". وشدد على أن "محاكمتنا لا يمكن أن تقوم إلا بحضورنا جلسة (المحاكمة)، وبفتح أبواب قاعة الجلسة أمام عموم التونسيين، ولن نقبل أن تتم هذه المحاكمة في الغرف المظلمة والسرية المخجلة. أبداً لن نقبل".

وفي إطار محاكمة قيادات تونسية، قال الأمين العام للحزب الجمهوري المعتقل عصام الشابي، في رسالة مفتوحة، إن "الوشايات التي كانت منطلقاً لهذه القضية وركيزة أساسية في توجيه التهم لا يمكن أن يصدقها عاقل، ولا يمكن أن تكون منطلقاً حتى لأبحاث أولية، نظراً لعدم جديتها وخلوّها من كل عنصر يمكن أن تستند إليه لتوجيه الاتهامات، فضلاً عن كونها صادرة عن أشخاص لا مصداقية لهم، محكوم عليهم بالسجن من أجل قضايا تدليس وتقديم شهادات مزورة أمام القضاء، فحكمهم حكم السفيه. ولهذه الأسباب أساساً تم حجب أسمائهم وهوياتهم عن الرأي العام درءاً لما يمكن أن تُحدثه من صدمة لدى التونسيين".

محاكمة قيادات تونسية أمّ المحاكمات السياسية

وعن قضية محاكمة قيادات تونسية اعتبر عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه القضية هي أم المحاكمات السياسية، ومنذ انطلقت التوقيفات دخلت تونس في منعرج ونفق مظلم، خصوصاً على المستوى الحقوقي والسياسي". واعتبر ديلو أن "قرار اللجوء إلى المحاكمة عن بُعد وخلفياته وأهدافه يمكن أن يجيب عنه فقط من أوحى بهذا القرار، أي السلطة التنفيذية، لأنه لا يمكن للمحكمة بمفردها أن تفرض مثل هذا القرار". وتابع: "يبدو أن الجهة السياسية لا تريد حضور قيادات سياسية في قضية التآمر التي هي قضية سياسية"، موضحاً أنه "حتى في محاكمة اعتداءات بن قردان (جنوب تونس في السابع من مارس/ آذار 2016)، التي شملت إرهابيين، فقد حضروا في المحكمة، وأيضاً في قضية الاغتيالات السياسية بتونس، مثل قضية الشهيد شكري بلعيد، حضر فيها إرهابيون خطيرون وصُوّرت تلفزيونياً وإعلامياً". وأضاف: "لا أظن أن القادة السياسيين عصام الشابي وجوهر بن مبارك وخيام التركي ورضا بلحاج هم أكثر خطورة من هؤلاء؟". وأعلن أن "موقفهم النهائي كهيئة دفاع وموقوفين في هذا الملف سيُعلن عنه يوم المحاكمة، أي خلال الجلسة، لكنهم مبدئياً يرفضون هذا القرار وقد قاموا بخطوة أولية وهي اللجوء إلى المحكمة الإدارية للطعن في هذا القرار".

رياض الشعيبي: السلطة تسعى لاتخاذ كل الإجراءات لإخفاء الحقيقة

من جهته، اعتبر القيادي في جبهة الخلاص الوطني رياض الشعيبي، الملاحق في قضية محاكمة قيادات تونسية بحالة سراح، أن "السلطة تسعى لاتخاذ كل الإجراءات لإخفاء الحقيقة"، مبيناً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "السلطة من خلال المحاكمة عن بُعد تحاول أن تمنع المتهمين من الحضور والدفاع عن أنفسهم، وأن تخفي زيف الملف". وأضاف أنهم متمسكون بضمانات المحاكمة العادلة في قضية محاكمة قيادات تونسية وحق الدفاع، وسيقومون بكل التحركات من أجل أن تكون المحاكمة علنية ومن أجل كشف حقيقة الاتهامات. وأضاف: "إذا كانت المحاكمة عن بُعد، فإن المتهمين قد يرفضون، وهذا القرار بيدهم"، لافتاً إلى أن "هذه المحاكمة ستكون غيابية والشهود سريون والأحكام سرية، وهذا لن يتم القبول به وسيكون فصلاً جديداً من فصول تعسف السلطة".

دليلة مصدق: النظام يخجل من هذا الملف

وعلى هامش ندوة صحافية لجبهة الخلاص الوطني، قالت عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين المحامية دليلة مصدق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "المعتقلين كانوا ينتظرون الوقوف أمام القاضي ليدافعوا عن أنفسهم ويتحدثوا إلى وجدان القاضي، لأنه يحكم بذلك، ولكن المحكمة تقرر أن تكون الجلسة عن بُعد". ولفتت إلى أن "التفسير الوحيد لهذا القرار هو أن هذا النظام يخجل من هذا الملف، لذلك تم منع العلنية"، مبينة أن وكلاءها "لا يخجلون من ملفهم، ولكن من يعتبر أن هذا الملف مهزلة ويريد أن يخفيها هو النظام القائم". وبينت أنهم "يرفضون المحاكمة عن بعد، وحالياً لا يمكن التكهن بأي سيناريو في جلسة الرابع من مارس" الحالي.

ومساء الأحد، أصدرت الشبكة التونسية للحقوق والحريات (تضم عدداً من الأحزاب والجمعيات والمنظمات)، بياناً قالت فيه إن قضية محاكمة قيادات تونسية "ظلت على مدى سنتين محطّ اهتمام الرأي العام الوطني والدولي، لخطورة التهم التي وقع توجيهها للمتهمين، حيث تصل بعض العقوبات وفقاً للتهم الموجهة (إليهم) إلى الإعدام". وأشارت إلى أن محاكمة قيادات تونسية "تأتي في مناخ سياسي متشنج تميز بسعي السلطة القائمة لإلغاء التعددية وتركيز نظام استبدادي بعد عدة إجراءات اتخذتها تشريعياً وسياسياً للسيطرة على السلطة القضائية". واعتبرت الشبكة أن "قرار عقد المحاكمة عن بُعد استكمال لمسار تعسفي انطلق منذ بداية هذه القضية، بما شابه من انتهاكات قانونية فاضحة، تؤكد طابعها الكيدي والجائر، وتجعل منها أداة انتقام سياسي لا علاقة له بتحقيق العدالة وضمان القضاء للحقوق". ورفضت الشبكة "بشكل مطلق محاكمة المتهمين في جلسات مغلقة، وتطالب بجلسة علنية مفتوحة، بحضور الإعلام والمراقبين والمجتمع المدني، مع بث مباشر على القناة الوطنية الممولة من أموال دافعي الضرائب، ضماناً للشفافية".