محاكمة قاتل جورج فلويد: اختبار أمام عدالة النظام القضائي الأميركي

محاكمة قاتل جورج فلويد: اختبار أمام عدالة النظام القضائي الأميركي

01 ابريل 2021
مات فلويد خنقاً تحت ركبة شرطي أبيض قبل نحو 10 أشهر (Getty)
+ الخط -

توالت جلسات المحاكمة لليوم الثالث في قضية الأميركي الأسود جورج فلويد الذي مات خنقاً تحت ركبة شرطي أبيض في مدينة مينيابوليس، ولاية مينيسوتا، قبل حوالى 10 أشهر، وقد حظيت باهتمام غير اعتيادي، انعكس في نقل شبكات التلفزة لوقائعها مباشرة، مع أنها ليست الأولى من نوعها. الحوادث والدعاوى بين رجال الشرطة البيض والضحايا السود قصة مألوفة تتكرر من دون أن تحظى بالأضواء والمتابعة اليومية كما هو حاصل الآن.

الفارق في هذه القضية أنها محاكمة فاصلة للعنصرية. فهي الآن في قفص الاتهام بعد أن ضبطت الجاني بالجرم المشهود. الشرطي الذي كان الأداة، استقوى بمناخ التمييز المتجدد والمنفلت أخيراً. قام بعملية قتل تستوفي شروط تصنيفها في هذه الخانة بامتياز. ركع بدم بارد على رقبة الضحية مقيد اليدين وغير المسلّح، لمدة تسع دقائق ونصف ولغاية أن لفظ انفاسه. والمشهد مسجل بالصوت والفيديو، وبما لا يحتاج إلى شهود وأدلة.

مع ذلك، من غير المستبعد ان تنتهي المحاكمة من دون محاسبة. المسؤولية قد تضيع بين دهاليز القانون والمناخ العنصري السائد، وبما يضيّع فرصة كبيرة على الأقل لكبح حالة التمييز المنفلتة. فالقانون يضع شرطين للتجريم في هذه الحالة: "إثبات نية القتل"، إضافة إلى "الحسم في سبب الوفاة"، أي ربطها بعملية الاختناق. الأول، مسألة لا مجال لتأكيدها إلا بالاستنتاج. الثاني، حجته في الركوع على رقبة فلويد. في الاثنين البرهان قوي. لكن لا ضمان لأن تأخذ بهما هيئة المحلفين التي قد يميل بعض عناصرها إلى الأخذ بنظرية الدفاع التي تقول إن الوفاة حصلت بسبب مرض مزمن في القلب، وهو تعليل ضعيف لا يصمد في ضوء وقائع الحادثة. لكن قد يكون له تأثيره في موقف بعض أعضاء الهيئة، التي يكفي أن يخرج عن إجماعها عضو واحد لإطاحة قرارها.

يُذكر في هذا المجال أن هذه الأخيرة مؤلفة من 9 سيدات و6 رجال، من بينهم 6 من السود والملونين والبقية بيض. المفترض أنهم محايدون، اختيروا بعد 11 يوماً من البحث والتنقيب. والمعروف أن الجو في هذه الولاية، كما في عموم الساحة الأميركية، مشبع بوباء العنصرية والانحياز الأعمى. السنوات الأخيرة كانت أرضها خصبة لانتعاشه وخروجه أحياناً إلى العلن وبكثير من التحدي والاستفزاز، كما تبدّى في أحداث شارلوتسفيل في صيف 2017، وأخيراً في غزوة الكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني الماضي. وبالتالي، إن قرار الهيئة قد لا ينجو من التأثر بهذا الواقع الذي قد يحملها على إعفاء الشرطي من " الذنب"، واستطراداً إنقاذ العنصرية من المسؤولية، وهي في ذروة تجلياتها. وهذا احتمال وارد يخشى المتخوفون آثاره التي قد تتفاعل بصورة درامية لا تمسّ فقط حقوق الأقليات والملونين التي ضمنها قانون الحقوق المدنية لعام 1964، بل أيضاً الديمقراطية الأميركية في الصميم.

فهناك الآن محاولات في بعض الولايات التي يسيطر فيها المحافظون ومؤيدو الرئيس السابق دونالد ترامب على الكونغرس المحلي، لتشريع قوانين تحدّ من مشاركة السود والملونين في انتخابات الرئاسة، من خلال إجراءات صارمة تراوح بين الحدّ من مراكز الاقتراع، ووضع عقبات وشروط صارمة، وبين شروط غريبة ومذهلة (مثل منع الناخب الواقف بالصف بانتظار الإدلاء بصوته، من قبول شربة ماء من غيره خارج الصف)، كما جاء في مشروع قانون ولاية جورجيا. الغاية تقليص أصوات هذه الفئات التي حملت جو بايدن إلى البيت الأبيض، وهي قضية تثير جدلاً في مجلسي الشيوخ والنواب بين الديمقراطيين الداعين إلى التصدي لمثل هذا التوجه، وبين الجمهوريين الذين تصبّ هذه القيود في مصلحتهم.

المحاكمة في قضية فلويد تأتي في زمن أميركي موتور. إزالة التمييز العنصري من النصوص أخذت مئة سنة بعد إنهاء العبودية، 1865 و1964. قانون محاربته مرّ عليها الآن 55 سنة. مع ذلك، ما زال قائماً في الممارسة ووسّع من رقعة حضوره وفرض نفسه كممارسة. من هنا أهمية هذه المحاكمة التي ليست أقل من اختبار للنظام القضائي الأميركي وعدالته.